نشأته وتعليمه
ولد زين الدين الجبعي العاملي في قرية جباع، وهي إحدى قرى جبل عامل (جنوب لبنان)، عام 911 هـ/1506 م. نشأ في أسرة علمية عريقة، فوالده هو الشيخ علي بن أحمد الجبعي العاملي، كان عالمًا جليلًا ومدرسًا بارعًا. تلقى الشهيد الثاني تعليمه الأولي على يد والده، ثم انتقل إلى دمشق للدراسة في مدارسها وحلقات علمائها. درس الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة العربية وغيرها من العلوم. أظهر نبوغًا مبكرًا وتفوقًا ملحوظًا في تحصيل العلوم، مما جعله محط إعجاب وتقدير أساتذته.
من أبرز أساتذته:
- والده الشيخ علي بن أحمد الجبعي العاملي.
- السيد علي بن عبد العالي الميسي العاملي.
- الشيخ محمد بن مكي العاملي (حفيد الشهيد الأول).
- الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي (والد الشيخ البهائي).
سافر الشهيد الثاني إلى العديد من البلدان طلبًا للعلم، فزار مصر وفلسطين والروم (تركيا). التقى بالعديد من العلماء والمفكرين، وتبادل معهم الآراء والأفكار. حصل على إجازات في الحديث والرواية من كبار علماء عصره، مما عزز مكانته العلمية ووثق مروياته.
مكانته العلمية
تبوأ الشهيد الثاني مكانة علمية رفيعة بين علماء الشيعة الإمامية، وذلك لما يتمتع به من علم غزير وفهم عميق للشريعة الإسلامية. كان مرجعًا للفتوى والقضاء، ومدرسًا متميزًا، ومؤلفًا غزير الإنتاج. اعترف بفضله وعلومه علماء عصره ومن جاء بعدهم، وأثنوا عليه ثناءً عطرًا. يُعدّ من المجددين في الفقه الشيعي، حيث قام بتنقيح المسائل الفقهية وتهذيبها، وتقديم حلول لمستجدات العصر. كان له دور كبير في نشر المذهب الشيعي في العديد من المناطق، وذلك من خلال دروسه ومؤلفاته ومناظراته مع علماء المذاهب الأخرى.
من أبرز ما يميز الشهيد الثاني:
- غزارة علمه وإحاطته بالعلوم الشرعية والعقلية.
- عمق فهمه للشريعة الإسلامية وقدرته على استنباط الأحكام الشرعية.
- دقة منهجه العلمي واعتماده على الأدلة والبراهين.
- ورعه وتقواه وزهده في الدنيا.
- شجاعته في قول الحق وعدم مجاملته لأحد.
- تواضعه الجم واحترامه للعلماء وطلبة العلم.
مؤلفاته
ترك الشهيد الثاني ثروة علمية ضخمة، تمثلت في مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة، والتي شملت مختلف العلوم الإسلامية. تدل هذه المؤلفات على غزارة علمه وسعة اطلاعه وعمق تفكيره. لا تزال هذه المؤلفات مرجعًا هامًا للعلماء والباحثين وطلبة العلم حتى يومنا هذا.
من أبرز مؤلفاته:
- شرح اللمعة الدمشقية: وهو شرح لكتاب اللمعة الدمشقية للشهيد الأول، ويُعدّ من أهم كتب الفقه الشيعي الإمامي، ويُدرّس في الحوزات العلمية حتى اليوم.
- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: وهو شرح لكتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي، ويُعدّ من الكتب الفقهية المهمة التي تعتمد على الأدلة والبراهين.
- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: هو مختصر لكتاب شرح اللمعة الدمشقية، ويُعدّ من الكتب الدراسية المهمة لطلبة العلم.
- منية المريد في آداب المفيد والمستفيد: وهو كتاب في آداب طلب العلم والتعليم، ويُعدّ من الكتب التربوية المهمة.
- حقائق الإيمان: وهو كتاب في علم الكلام، يتناول أصول الدين وعقائد الإيمان.
- رسالة في تحقيق معنى الولاية: وهي رسالة في شرح معنى الولاية وأهميتها في الإسلام.
- شرح ألفية ابن مالك: وهو شرح لكتاب ألفية ابن مالك في علم النحو.
بالإضافة إلى هذه المؤلفات، له العديد من الرسائل والمقالات والفتاوى المتفرقة، والتي تدل على غزارة إنتاجه العلمي وتنوع اهتماماته.
محنته واستشهاده
تعرض الشهيد الثاني لمحنة شديدة في حياته، وذلك بسبب مواقفه الصريحة وآرائه الجريئة، ودفاعه عن المذهب الشيعي. اتهمه بعض المتعصبين بالكفر والإلحاد، وحرضوا عليه السلطات الحاكمة. أُلقي القبض عليه وسُجن، ثم نُقل إلى إسطنبول حيث قُتل بأمر من السلطان العثماني عام 966 هـ/1559 م. استشهاده كان خسارة كبيرة للعالم الإسلامي، وفقدًا لعالم جليل ومفكر عظيم.
تعتبر قصة استشهاده من القصص المؤثرة في التاريخ الشيعي، حيث تدل على تضحية العلماء في سبيل الحق والدفاع عن الدين. يُعدّ الشهيد الثاني رمزًا للعلم والتقوى والشجاعة، وقدوة للعلماء وطلبة العلم.
آثاره
ترك الشهيد الثاني آثارًا عظيمة في العالم الإسلامي، تمثلت في مؤلفاته القيمة وطلابه النجباء، والذين نشروا علمه وفكره في مختلف المناطق. لا تزال مؤلفاته تدرس في الحوزات العلمية، وتعتبر مرجعًا هامًا للعلماء والباحثين. ساهم في إثراء الفكر الإسلامي وتقديم حلول لمستجدات العصر. كان له دور كبير في نشر المذهب الشيعي وتعزيزه في العديد من المناطق. يُعدّ من الشخصيات المؤثرة في التاريخ الشيعي، وله مكانة خاصة في قلوب الشيعة الإمامية.
من أبرز طلابه:
- الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي (والد الشيخ البهائي).
- الشيخ علي بن محمود العاملي الميسي.
- السيد محمد بن علي الموسوي العاملي.
هؤلاء الطلاب وغيرهم حملوا مشعل العلم والمعرفة، ونشروا فكر الشهيد الثاني في مختلف الأرجاء، فكان لهم دور كبير في إحياء التراث الشيعي وتطويره.
أقوال العلماء فيه
أثنى العديد من العلماء على الشهيد الثاني، وأشادوا بعلمه وفضله وتقواه. من أقوالهم:
- قال الشيخ البهائي: “كان أستاذنا الشهيد الثاني أعلم أهل عصره وأورعهم وأتقاهم، وكان بحرًا لا يدرك قعره، وجبلًا لا تهزه الرياح.”
- قال السيد محسن الأمين: “الشهيد الثاني هو علم الأعلام، وبحر العلوم، وقطب دائرة الفضائل، ومجمع المحاسن.”
- قال العلامة المجلسي: “الشهيد الثاني كان من أعاظم العلماء وأجلّتهم، وكان له اليد الطولى في الفقه والأصول والكلام والحديث والتفسير.”
هذه الأقوال تدل على المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها الشهيد الثاني بين العلماء، وعلى تقديرهم لعلمه وفضله.
خاتمة
زين الدين الجبعي العاملي، الشهيد الثاني، عالم جليل ومفكر عظيم، ترك بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي. أسهم بشكل كبير في إثراء الفكر الإسلامي، ونشر المذهب الشيعي، وتقديم حلول لمستجدات العصر. استشهاده كان خسارة كبيرة للعالم الإسلامي، ولكنه ترك إرثًا عظيمًا للأجيال القادمة. سيبقى الشهيد الثاني رمزًا للعلم والتقوى والشجاعة، وقدوة للعلماء وطلبة العلم.