المدرسة الفيينيّة الأولى في الموسيقى (First Viennese School)
تشير المدرسة الفيينيّة الأولى في الموسيقى إلى مجموعة من الملحنين الكلاسيكيين الذين عملوا في فيينا خلال أواخر القرن الثامن عشر. يعتبر هؤلاء الملحنون روادًا في تطوير الأسلوب الكلاسيكي للموسيقى، والذي تميز بالوضوح والتوازن والجمال. من أبرز ممثلي هذه المدرسة:
- يوزف هايدن (Joseph Haydn): يُعرف هايدن بأبي السيمفونية وأبي الرباعية الوترية، وقد وضع أسس الأسلوب الكلاسيكي.
- فولفغانغ أماديوس موتسارت (Wolfgang Amadeus Mozart): عبقري الموسيقى، اشتهر بموسيقاه المتنوعة والمتألقة في جميع الأشكال الموسيقية تقريبًا.
- لودفيج فان بيتهوفن (Ludwig van Beethoven): يعتبر بيتهوفن شخصية انتقالية بين الكلاسيكية والرومانسية، وأعماله تميزت بالقوة والعاطفة والتعبير العميق.
ساهم هؤلاء الملحنون في وضع معايير جديدة للتكوين الموسيقي، بما في ذلك استخدام السوناتا كشكل أساسي، وتطوير الأوركسترا لتضم مجموعة واسعة من الآلات، والتركيز على التماسك الهيكلي والتعبير العاطفي. لقد أثرت أعمالهم بشكل كبير على تطور الموسيقى الغربية.
المدرسة الفيينيّة الثانية في الموسيقى (Second Viennese School)
تشير المدرسة الفيينيّة الثانية إلى مجموعة من الملحنين الذين ظهروا في أوائل القرن العشرين، والذين طوروا أساليب موسيقية ثورية. قاد هذه المدرسة أرنولد شوينبرغ، الذي طور نظامًا يعرف باسم “اللاثنائية” أو “الدوديكافونية”، والذي أحدث تغييرًا جذريًا في طريقة كتابة الموسيقى.
تميزت هذه المدرسة بتجريبها وتحديها للتقاليد الموسيقية السابقة. من أبرز ممثليها:
- أرنولد شوينبرغ (Arnold Schoenberg): رائد اللاثنائية، وهو أسلوب يعتمد على استخدام سلسلة من الاثني عشر نغمة دون تفضيل نغمة على أخرى.
- ألبان بيرغ (Alban Berg): تلميذ شوينبرغ، اشتهر بأعماله الأوبرالية والتعبيرية.
- أنتون ويبرن (Anton Webern): تلميذ آخر لشوينبرغ، اشتهر بأسلوبه الموسيقي الموجز والمركز.
أحدثت هذه المدرسة ثورة في عالم الموسيقى، وأثرت على العديد من الملحنين في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أن أساليبهم كانت مثيرة للجدل في البداية، إلا أنها أصبحت الآن جزءًا أساسيًا من التراث الموسيقي الغربي.
حلقة فيينا (Vienna Circle)
حلقة فيينا كانت مجموعة من الفلاسفة والعلماء الذين اجتمعوا في فيينا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين لمناقشة قضايا الفلسفة والمنطق والعلوم. تأسست هذه المجموعة في الأصل من قبل موريتز شليك، وشملت العديد من المفكرين البارزين، بما في ذلك:
- موريتز شليك (Moritz Schlick): الفيلسوف الألماني الذي أسس الحلقة.
- رودولف كارناب (Rudolf Carnap): فيلسوف ومنطقي ساهم بشكل كبير في تطوير الوضعية المنطقية.
- أوتو نيوراث (Otto Neurath): عالم اجتماع وفيلسوف ساهم في تطوير النظرة العلمية للعالم.
- إيه جي آير (A. J. Ayer): فيلسوف بريطاني لعب دورًا مهمًا في نشر أفكار الحلقة في العالم الناطق بالإنجليزية.
كانت حلقة فيينا مؤيدة بشدة للعلم والتجريبية، وسعت إلى تطوير فلسفة تعتمد على المنطق والملاحظة التجريبية. طورت المدرسة الفلسفة الوضعية المنطقية، والتي أكدت على أهمية التحقق التجريبي للمعرفة ورفضت الميتافيزيقا. أثرت أفكارهم على الفلسفة والعلوم في جميع أنحاء العالم.
ركزت الحلقة على عدد من القضايا الرئيسية، بما في ذلك:
- التحقق: الفكرة القائلة بأن الادعاءات ذات المغزى يجب أن تكون قابلة للتحقق تجريبيًا.
- المنطق: استخدام المنطق كأداة لتحليل اللغة والمعرفة.
- توحيد العلوم: السعي إلى إيجاد لغة مشتركة وطرق مشتركة للبحث لجميع العلوم.
- رفض الميتافيزيقا: رفض الادعاءات التي لا يمكن التحقق منها تجريبيًا، مثل تلك الموجودة في الميتافيزيقا التقليدية.
أجبر صعود النازية في الثلاثينيات العديد من أعضاء الحلقة على الفرار من النمسا، مما أدى إلى انتشار أفكارهم في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أن الحلقة نفسها لم تعد موجودة، إلا أن أفكارها استمرت في التأثير على الفلسفة والعلوم حتى يومنا هذا.
مدرسة فيينا لعلم النفس (Vienna School of Psychotherapy)
على الرغم من عدم وجود مدرسة موحدة بالمعنى الدقيق للكلمة، إلا أنه يمكن اعتبار مدرسة فيينا لعلم النفس بمثابة إشارة إلى مساهمات علماء النفس والباحثين الذين عملوا في فيينا، وخاصة في مجال العلاج النفسي. كان سيغموند فرويد بلا شك الشخصية الأكثر تأثيرًا في هذا المجال.
سيغموند فرويد (Sigmund Freud): يعتبر فرويد مؤسس التحليل النفسي، وهو شكل من أشكال العلاج النفسي الذي يركز على استكشاف اللاوعي. طور فرويد نظريات حول العقل البشري والاضطرابات النفسية، وأثرت أفكاره على علم النفس والفلسفة والأدب والفن. تشمل المفاهيم الرئيسية في عمل فرويد:
- اللاوعي: الجزء من العقل الذي يحتوي على الأفكار والرغبات والذكريات التي ليست في وعينا المباشر.
- الغرائز: الدوافع الفطرية التي تحرك السلوك البشري، مثل الجنس والعدوان.
- الدفاعات النفسية: الآليات التي يستخدمها العقل لحماية نفسه من القلق.
- العقد: الصراعات اللاواعية التي تنشأ في مرحلة الطفولة المبكرة وتؤثر على السلوك في وقت لاحق من الحياة.
بالإضافة إلى فرويد، كان هناك عدد من الشخصيات الأخرى التي ساهمت في تطوير علم النفس في فيينا. من بين هؤلاء:
- ألفرد أدلر (Alfred Adler): طور علم النفس الفردي، الذي يركز على أهمية الشعور بالنقص والسعي إلى التفوق.
- كارل يونغ (Carl Jung): طور علم النفس التحليلي، الذي يركز على أهمية اللاوعي الجماعي والرموز والأساطير.
أثرت أفكار هذه المدرسة بشكل كبير على فهمنا للعقل البشري والسلوك البشري. لا تزال نظرياتهم وأساليبهم في العلاج النفسي تستخدم على نطاق واسع حتى اليوم.
مدرسة فيينا للاقتصاد (Vienna School of Economics)
مدرسة فيينا للاقتصاد (التي يشار إليها أحيانًا باسم المدرسة النمساوية) هي مدرسة فكرية في علم الاقتصاد تركز على الفردية المنهجية، وأهمية السوق الحرة، ودور المعرفة غير الكاملة في اتخاذ القرارات الاقتصادية. يمكن إرجاع أصول المدرسة إلى القرن التاسع عشر، ولكنها بلغت ذروتها في أوائل القرن العشرين من خلال أعمال اقتصاديين مثل:
- كارل منغر (Carl Menger): يعتبر مؤسس المدرسة النمساوية، اشتهر بتطوير نظرية المنفعة الحدية.
- يوجين بوم-باويرك (Eugen von Böhm-Bawerk): ساهم في تطوير نظرية رأس المال والفوائد.
- فريدريش فون هايك (Friedrich Hayek): اشتهر بنظرياته حول المعرفة الموزعة والأسواق الحرة ودور الدولة.
- لودفيج فون ميزس (Ludwig von Mises): طور نظرية دورة الأعمال القائمة على الائتمان ودافع عن الاقتصاد الرأسمالي.
تتميز المدرسة النمساوية بعدد من السمات المميزة:
- الفردية المنهجية: التركيز على فهم الظواهر الاقتصادية من خلال دراسة تصرفات الأفراد.
- الأسواق الحرة: الإيمان بأن الأسواق الحرة هي الطريقة الأكثر كفاءة لتخصيص الموارد.
- دور المعرفة: التركيز على أهمية المعرفة غير الكاملة والمعلومات اللامركزية في اتخاذ القرارات الاقتصادية.
- القيود على التدخل الحكومي: التحذير من التدخل الحكومي في الاقتصاد، والذي يعتبر أنه غالبًا ما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة.
- النظرية السببية: تؤكد على أهمية فهم الأسباب والنتائج في الاقتصاد.
أثرت المدرسة النمساوية بشكل كبير على الفكر الاقتصادي والسياسة العامة. لعبت أفكارها دورًا في تطوير الليبرالية الاقتصادية والحركة المؤيدة للسوق الحرة في القرن العشرين. لا تزال أفكار المدرسة النمساوية ذات صلة اليوم في مناقشات حول دور الحكومة في الاقتصاد، والأسواق الحرة، والسياسة النقدية.
التأثير والامتداد
أثرت مدارس فيينا بشكل كبير في مجموعة واسعة من التخصصات. في الموسيقى، ساهمت المدرسة الفيينيّة الأولى في تطوير الأسلوب الكلاسيكي، بينما أحدثت المدرسة الفيينيّة الثانية ثورة في الموسيقى الحديثة. في الفلسفة، أثرت حلقة فيينا على تطور الوضعية المنطقية. في علم النفس، أثرت مدرسة فيينا لعلم النفس على فهمنا للعقل البشري. في الاقتصاد، أثرت المدرسة النمساوية على الفكر الاقتصادي والسياسة العامة.
يمكن القول أن تأثير مدارس فيينا امتد إلى ما هو أبعد من فيينا نفسها، حيث انتشرت أفكارها في جميع أنحاء العالم، وألهمت المفكرين والفنانين والعلماء في جميع أنحاء العالم. لا تزال هذه المدارس تلهمنا اليوم، وتوفر لنا أدوات لفهم العالم من حولنا بشكل أفضل.
خاتمة
يمثل مصطلح “مدرسة فيينا” مجموعة متنوعة من الحركات الفكرية والإبداعية التي تركت بصمة لا تمحى في مجالات مختلفة. من الموسيقى الكلاسيكية والثورية إلى الفلسفة الوضعية والتحليل النفسي والاقتصاد، قدمت هذه المدارس مساهمات عميقة وغيرت الطريقة التي نفكر بها في العالم من حولنا. إن فهمنا لمدارس فيينا يمنحنا رؤية أعمق للتطورات الفكرية والفنية التي شكلت القرن العشرين وما بعده.
المراجع
- موسوعة بريتانيكا – المدرسة الفيينيّة الأولى
- موسوعة بريتانيكا – المدرسة الفيينيّة الثانية
- موسوعة الإنترنت للفلسفة – حلقة فيينا
- معهد ميزس – المدرسة النمساوية في الاقتصاد
“`