عملية عنتيبي (Operation Entebbe)
تُعد عملية عنتيبي، التي وقعت في 4 يوليو 1976، واحدة من أبرز العمليات العسكرية في التاريخ الحديث. قامت بها القوات الإسرائيلية لتحرير رهائن يهود إسرائيليين وغير إسرائيليين احتجزوا في مطار عنتيبي في أوغندا. بدأت القصة باختطاف طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية (إير فرانس) كانت متجهة من تل أبيب إلى باريس، وعلى متنها 248 راكبًا. قام أربعة مسلحين، فلسطينيين وألمان، باختطاف الطائرة وإجبارها على الهبوط في مطار عنتيبي.
بعد الهبوط في عنتيبي، أطلق المختطفون سراح جميع الركاب باستثناء اليهود والإسرائيليين. طالبوا بإطلاق سراح 53 من السجناء الفلسطينيين وغيرهم من السجناء السياسيين المحتجزين في إسرائيل وألمانيا وكينيا وفرنسا. في مواجهة هذه الأزمة، قررت الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء آنذاك، يتسحاق رابين، القيام بعملية عسكرية لتحرير الرهائن. كانت العملية تحمل اسم “عملية الرعد” أو “عملية جوزيف” في بعض المصادر.
التحضير والتخطيط للعملية: استغرق التخطيط للعملية عدة أيام. قام فريق من القوات الخاصة الإسرائيلية، بقيادة العقيد يوني نتنياهو (شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي لاحقاً بنيامين نتنياهو)، بتنفيذ عملية استخباراتية مكثفة لجمع المعلومات حول موقع الرهائن، وتوزيع الحراسة، والإجراءات الأمنية في المطار. تم تصميم خطة محكمة تهدف إلى التسلل إلى المطار دون أن يلحظهم أحد، وقتل المختطفين، وتحرير الرهائن بأقل خسائر ممكنة.
تنفيذ العملية: في 4 يوليو، أقلعت أربع طائرات نقل عسكرية إسرائيلية من طراز سي-130 هيركوليز من إسرائيل. حلقت الطائرات على ارتفاع منخفض لتجنب اكتشافها من قبل الرادارات. هبطت الطائرة الأولى في مطار عنتيبي في منتصف الليل تقريباً، وعلى متنها قوة كوماندوز إسرائيلية. كانت الخطة تقضي بالتحرك بسرعة نحو مبنى الركاب حيث كان الرهائن محتجزين.
استخدمت القوات الإسرائيلية سيارات جيب سوداء مماثلة لتلك التي يستخدمها جيش أوغندا لتمويهها. تمكنت القوات من اقتحام المبنى، والقضاء على المختطفين في معركة قصيرة. خلال العملية، لقي العقيد يوني نتنياهو حتفه. تمكنت القوات الإسرائيلية من تحرير معظم الرهائن، بينما قُتل ثلاثة رهائن، بالإضافة إلى جميع المختطفين. قُتل أيضاً عدد من الجنود الأوغنديين في تبادل لإطلاق النار. بعد انتهاء العملية، غادرت القوات الإسرائيلية المطار مع الرهائن المحررين، وعادت إلى إسرائيل.
نتائج العملية: حققت عملية عنتيبي نجاحاً باهراً، وأثارت إعجاب العالم بقدرة إسرائيل على تنفيذ عملية عسكرية معقدة وناجحة في عمق الأراضي الأوغندية. ومع ذلك، أثارت العملية جدلاً أخلاقياً حول استخدام القوة العسكرية لإنقاذ الرهائن، وحول سيادة الدول. أصبحت العملية رمزاً للشجاعة والتصميم، وألهمت العديد من الأفلام والكتب.
فيلم “غارة عنتيبي” (Raid on Entebbe)
فيلم “غارة عنتيبي” هو فيلم تلفزيوني أمريكي صدر عام 1976، أي في نفس العام الذي وقعت فيه العملية العسكرية. يروي الفيلم أحداث عملية عنتيبي من وجهات نظر مختلفة، بما في ذلك الرهائن والمختطفين والحكومة الإسرائيلية. أخرجه إيرفينغ كيشتنر، وقام ببطولته مجموعة من الممثلين البارزين مثل تشارلز برونسون، بيتر فينش، ومارتن بلسام.
القصة والأحداث: يتبع الفيلم أحداث اختطاف الطائرة، والتوترات التي سادت بين الرهائن والمختطفين. يعرض الفيلم أيضاً التخطيط والتنفيذ الدقيقين للعملية العسكرية الإسرائيلية. يركز الفيلم على الجوانب الإنسانية للحادثة، ويبرز معاناة الرهائن وخوفهم، وكذلك المخاطر التي واجهها الجنود الإسرائيليون. كما يعرض الفيلم الصراع الأخلاقي الذي واجهته الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ قرار تنفيذ العملية.
التقييم والنقد: تلقى الفيلم مراجعات متباينة. أشاد البعض بالفيلم لقدرته على تصوير أحداث حقيقية معقدة، وتقديمه رؤية شاملة للحادثة. انتقد آخرون الفيلم بسبب تصويره المتحيز للقضية، واتهامه بالتحيز لإسرائيل. ومع ذلك، فقد ساهم الفيلم في زيادة الوعي العام بعملية عنتيبي، وجعلها معروفة لجمهور أوسع.
أهمية الفيلم: يعتبر فيلم “غارة عنتيبي” وثيقة تاريخية هامة، فهو يقدم تصويراً درامياً لعملية عسكرية تاريخية. يمثل الفيلم أيضاً مثالاً على كيفية استخدام السينما لتوثيق الأحداث التاريخية، وإثارة النقاش حول القضايا السياسية والأخلاقية. أثر الفيلم على عدد من الأفلام الأخرى التي تناولت نفس الموضوع أو مواضيع مماثلة.
المقارنة بين الحدثين
عملية عنتيبي والفيلم الذي يرويها يمثلان جوانب مختلفة من نفس القصة. العملية العسكرية كانت حدثاً حقيقياً، اتسم بالشجاعة والبطولة، ولكنه كان أيضاً عملاً عنيفاً أودى بحياة أبرياء. الفيلم، من ناحية أخرى، هو عمل فني يعيد تصوير الأحداث، ويقدم وجهة نظر درامية. يقدم الفيلم فرصة لفهم أعمق للحادثة، ولكن يجب النظر إليه بعين الاعتبار أنه يعتمد على رؤية المخرج والممثلين.
أوجه التشابه والاختلاف: يظهر التشابه في أن كلا الحدثين يدوران حول نفس الموضوع: عملية عنتيبي. يتجلى الاختلاف في أن العملية كانت واقعة تاريخية، بينما الفيلم هو عمل فني يعتمد على أحداث حقيقية. كلاهما يثيران تساؤلات حول العنف، والإرهاب، وحقوق الإنسان. يوفران أيضاً فرصة للتفكير في أهمية الشجاعة، والتصميم، والقيادة.
تأثير غارة عنتيبي
التأثير على العمليات العسكرية: تركت عملية عنتيبي أثراً كبيراً على العمليات العسكرية حول العالم. أظهرت العملية أهمية التدريب والتخطيط الدقيق، وقدرة القوات الخاصة على تنفيذ عمليات معقدة في بيئات عدائية. أصبحت العملية نموذجاً للعديد من العمليات المشابهة التي تلتها، وألهمت تطوير أساليب جديدة في مكافحة الإرهاب وإنقاذ الرهائن.
التأثير على السينما: ألهمت عملية عنتيبي صناع الأفلام لإنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات الوثائقية التي تناولت الموضوع من زوايا مختلفة. أدت هذه الأفلام إلى زيادة الوعي العام بالحادثة، وأثارت نقاشات حول القضايا السياسية والأخلاقية المرتبطة بها. كما ساهمت في تطوير أساليب جديدة في تصوير الأحداث التاريخية.
التأثير على العلاقات الدولية: أثرت عملية عنتيبي على العلاقات بين الدول، خاصة بين إسرائيل وأوغندا. أثارت العملية جدلاً حول سيادة الدول، وحق التدخل العسكري في شؤونها الداخلية. أدت إلى توتر العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وزادت من التوتر في الشرق الأوسط.
العبر المستفادة
أهمية الإنسانية: أبرزت عملية عنتيبي والفيلم المستوحى منها أهمية الإنسانية في مواجهة الأزمات. أظهرت العملية أن إنقاذ الأبرياء يجب أن يكون الأولوية القصوى، وأن القوة العسكرية يجب أن تستخدم بحذر. كما أبرز الفيلم معاناة الرهائن، وأهمية التعاطف مع الآخرين.
أهمية القيادة والشجاعة: أظهرت عملية عنتيبي أهمية القيادة الشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة في أوقات الأزمات. أظهرت العملية أيضاً أهمية الشجاعة في مواجهة الخطر، وتنفيذ المهام الصعبة. كان للعقيد يوني نتنياهو، قائد العملية، دور محوري في نجاحها، وأصبح رمزاً للبطولة والشجاعة.
أهمية التعاون الدولي: أظهرت عملية عنتيبي أهمية التعاون الدولي في مواجهة التهديدات المشتركة. على الرغم من أن العملية كانت إسرائيلية، إلا أنها أظهرت أهمية تبادل المعلومات، والتنسيق مع الدول الأخرى، في مكافحة الإرهاب. يمكن أن يكون التعاون الدولي حاسماً في إنقاذ الأرواح، وتحقيق الأمن.
خاتمة
غارة عنتيبي، سواء كانت العملية العسكرية أو الفيلم الذي يرويها، تمثل حدثاً تاريخياً هاماً. تجسد العملية العسكرية الشجاعة والتصميم في مواجهة الإرهاب، بينما يقدم الفيلم رؤية درامية للأحداث، ويثير تساؤلات حول القضايا الأخلاقية والإنسانية. يترك هذا الحدث بصمة واضحة في التاريخ العسكري والسينمائي، ويستمر في إلهام الأجيال، ويدعو إلى التفكير في أهمية السلام والأمن.