مقدمة
جانيت بييرهومبرت (ولدت عام 1954) هي أستاذة نمذجة اللغة في مركز أكسفورد للبحوث الإلكترونية بجامعة أكسفورد. تُعد بييرهومبرت شخصية بارزة في مجال علم اللغة، واشتهرت بشكل خاص بأبحاثها الرائدة في علم الأصوات التجريبي، وعلم اجتماع اللغة، ونمذجة اللغة الحاسوبية. تتميز مسيرتها المهنية بالإسهامات الكبيرة التي قدمتها لفهم كيفية إدراك اللغة وإنتاجها وتغيرها بمرور الوقت.
الحياة المبكرة والتعليم
ولدت جانيت بييرهومبرت في عام 1954، وأظهرت اهتمامًا مبكرًا باللغات والعلوم. حصلت على درجة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة هارفارد عام 1976، مما يوضح أساسها القوي في التفكير الكمي والتحليلي. ثم انتقلت إلى مجال علم اللغة، وحصلت على درجة الدكتوراه في علم اللغة وعلم الأعصاب المعرفي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في عام 1980. كان لتدريبها في MIT تأثير كبير على نهجها البحثي، حيث جمعت بين النظرية اللغوية الدقيقة والتحليل التجريبي الصارم.
المسيرة الأكاديمية
بعد حصولها على درجة الدكتوراه، بدأت بييرهومبرت مسيرتها الأكاديمية في جامعة نورث وسترن، حيث عملت كأستاذة مساعدة في علم اللغة. في عام 1985، انتقلت إلى جامعة ستانفورد، حيث استمرت في التدريس وإجراء البحوث في علم اللغة. خلال فترة وجودها في ستانفورد، أصبحت أستاذة مشاركة في عام 1991 وأستاذة كاملة في عام 1995. في عام 2015، انضمت إلى جامعة أكسفورد كأستاذة نمذجة اللغة في مركز أكسفورد للبحوث الإلكترونية، وهو منصب تشغله حتى اليوم.
مجالات البحث والاهتمام
تركز أبحاث جانيت بييرهومبرت على عدة مجالات رئيسية في علم اللغة، بما في ذلك:
- علم الأصوات التجريبي: تدرس بييرهومبرت كيفية إنتاج الأصوات اللغوية وإدراكها من خلال التجارب المعملية والتحليلات الإحصائية.
- علم اجتماع اللغة: تهتم بدراسة كيفية تأثير العوامل الاجتماعية، مثل العمر والجنس والطبقة الاجتماعية، على استخدام اللغة وتغيرها.
- نمذجة اللغة الحاسوبية: تستخدم بييرهومبرت النماذج الحاسوبية لفهم العمليات المعرفية الكامنة وراء إنتاج اللغة وإدراكها.
- تغير اللغة: تبحث في كيفية تطور اللغات بمرور الوقت، مع التركيز على دور التفاعل الاجتماعي والانتشار الثقافي.
- النحو التوليدي الاحتمالي: تعمل على تطوير نماذج نحوية تأخذ في الاعتبار الاحتمالات المختلفة للهياكل اللغوية.
الإسهامات الرئيسية
قدمت جانيت بييرهومبرت العديد من الإسهامات الهامة في مجال علم اللغة. تشمل بعض أبرز إنجازاتها:
نظرية الصوتيات المولدة: ساهمت بييرهومبرت في تطوير نظرية الصوتيات المولدة، التي تصف كيفية تمثيل الأصوات اللغوية في الدماغ وكيفية إنتاجها. وقد ساعدت هذه النظرية في فهم العمليات المعرفية الكامنة وراء إنتاج الكلام وإدراكه.
دراسة التغيرات الصوتية: أجرت بييرهومبرت أبحاثًا مكثفة حول التغيرات الصوتية في اللغة الإنجليزية الأمريكية. وقد أظهرت كيف يمكن للتغيرات الصوتية أن تنتشر عبر المجتمعات اللغوية من خلال التفاعل الاجتماعي والتقليد. وقد ساهمت هذه الأبحاث في فهم كيفية تطور اللغات بمرور الوقت.
نمذجة اللغة الحاسوبية: قامت بييرهومبرت بتطوير نماذج حاسوبية للغة قادرة على محاكاة جوانب مختلفة من إنتاج اللغة وإدراكها. وقد استخدمت هذه النماذج لدراسة مجموعة متنوعة من الظواهر اللغوية، بما في ذلك التغيرات الصوتية، واكتساب اللغة، ومعالجة اللغة.
دور التفاعل الاجتماعي في اكتساب اللغة: أكدت بييرهومبرت على أهمية التفاعل الاجتماعي في اكتساب اللغة. وقد أظهرت كيف يتعلم الأطفال اللغة من خلال التفاعل مع مقدمي الرعاية وغيرهم من المتحدثين، وكيف يساعدهم هذا التفاعل على تطوير فهمهم لقواعد اللغة واستخداماتها الاجتماعية.
تأثير الذاكرة على إنتاج اللغة: استكشفت بييرهومبرت العلاقة بين الذاكرة وإنتاج اللغة. وقد بينت كيف تؤثر الذكريات اللغوية السابقة على كيفية إنتاجنا للكلام، وكيف يمكن أن تؤدي هذه الذكريات إلى تغييرات في النطق بمرور الوقت.
الجوائز والتكريمات
تقديرًا لإسهاماتها البارزة في مجال علم اللغة، حصلت جانيت بييرهومبرت على العديد من الجوائز والتكريمات المرموقة، بما في ذلك:
- زمالة جمعية اللسانيات الأمريكية.
- زمالة الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.
- جائزة وليام لابوف للغة والتغيير الاجتماعي.
المنشورات
ألفت جانيت بييرهومبرت العديد من الكتب والمقالات المؤثرة في مجال علم اللغة. تشمل بعض أبرز منشوراتها:
- “The Phonology and Phonetics of English Intonation” (1980).
- “Probabilistic Phonology: Discrimination and Robustness” (2001).
- “Laboratory Phonology” (محرر مشارك، 1990).
نظرية الصوتيات المولدة (Generative Phonology)
لعبت بييرهومبرت دورًا محوريًا في تطوير نظرية الصوتيات المولدة. تركز هذه النظرية على كيفية تمثيل الأصوات اللغوية في الدماغ وكيفية إنتاجها. وفقًا لهذه النظرية، يمتلك المتحدثون مجموعة من القواعد الصوتية التي تحدد كيفية تحويل التمثيلات الصوتية المجردة إلى إشارات صوتية ملموسة. تعمل هذه القواعد بطريقة هرمية، حيث يتم تطبيق قواعد عامة أولاً، ثم تتبعها قواعد أكثر تحديدًا.
قدمت بييرهومبرت مساهمات كبيرة في فهم كيفية عمل القواعد الصوتية وكيفية تفاعلها مع بعضها البعض. وقد طورت نماذج رياضية وحاسوبية للقواعد الصوتية التي ساعدت في توضيح العمليات المعرفية الكامنة وراء إنتاج الكلام وإدراكه.
دراسة التغيرات الصوتية (Sound Change)
تعتبر دراسة التغيرات الصوتية من المجالات الهامة التي ساهمت فيها بييرهومبرت بشكل كبير. ركزت أبحاثها على كيفية انتشار التغيرات الصوتية في المجتمعات اللغوية وكيفية تأثير العوامل الاجتماعية على هذه التغيرات. وقد استخدمت مجموعة متنوعة من الأساليب البحثية، بما في ذلك التجارب المعملية والدراسات الميدانية والتحليلات الإحصائية، لدراسة التغيرات الصوتية.
أظهرت بييرهومبرت أن التغيرات الصوتية لا تحدث بشكل عشوائي، بل تخضع لأنماط منتظمة. وقد بينت أن التغيرات الصوتية غالبًا ما تبدأ في مجموعات اجتماعية معينة، مثل الشباب أو النساء، ثم تنتشر تدريجيًا إلى بقية المجتمع اللغوي. وقد أكدت على أن التفاعل الاجتماعي والتقليد يلعبان دورًا حاسمًا في انتشار التغيرات الصوتية.
نمذجة اللغة الحاسوبية (Computational Language Modeling)
تعتبر نمذجة اللغة الحاسوبية من الأدوات القوية التي تستخدمها بييرهومبرت لفهم العمليات المعرفية الكامنة وراء إنتاج اللغة وإدراكها. وقد قامت بتطوير نماذج حاسوبية للغة قادرة على محاكاة جوانب مختلفة من إنتاج اللغة وإدراكها، مثل التعرف على الكلام، وتوليد الكلام، وترجمة اللغة.
تستخدم بييرهومبرت النماذج الحاسوبية لدراسة مجموعة متنوعة من الظواهر اللغوية، بما في ذلك التغيرات الصوتية، واكتساب اللغة، ومعالجة اللغة. وقد ساعدت هذه النماذج في فهم كيفية عمل الدماغ عند معالجة اللغة وكيفية اكتساب الأطفال للغة.
دور التفاعل الاجتماعي في اكتساب اللغة (Social Interaction in Language Acquisition)
تؤكد بييرهومبرت على أهمية التفاعل الاجتماعي في اكتساب اللغة. وقد أظهرت أن الأطفال يتعلمون اللغة من خلال التفاعل مع مقدمي الرعاية وغيرهم من المتحدثين. يساعد هذا التفاعل الأطفال على تطوير فهمهم لقواعد اللغة واستخداماتها الاجتماعية.
أشارت بييرهومبرت إلى أن الأطفال لا يتعلمون اللغة ببساطة عن طريق الاستماع إلى الكلام، بل يتعلمونها من خلال المشاركة النشطة في المحادثات. تساعد المحادثات الأطفال على تعلم كيفية استخدام اللغة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وكيفية فهم أفكار ومشاعر الآخرين. كما تساعدهم على تعلم قواعد اللغة واستخداماتها الاجتماعية.
تأثير الذاكرة على إنتاج اللغة (Memory Effects in Language Production)
استكشفت بييرهومبرت العلاقة بين الذاكرة وإنتاج اللغة. وقد بينت أن الذكريات اللغوية السابقة تؤثر على كيفية إنتاجنا للكلام. على سبيل المثال، إذا سمعنا كلمة معينة بشكل متكرر، فسنكون أكثر عرضة لنطقها بنفس الطريقة في المستقبل.
أظهرت بييرهومبرت أن تأثيرات الذاكرة يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في النطق بمرور الوقت. على سبيل المثال، إذا بدأ عدد كبير من المتحدثين في نطق كلمة معينة بطريقة جديدة، فقد تنتشر هذه الطريقة الجديدة تدريجيًا إلى بقية المجتمع اللغوي. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في اللغة.
خاتمة
تُعد جانيت بييرهومبرت من أبرز الشخصيات في مجال علم اللغة، وقد قدمت إسهامات كبيرة في فهم كيفية إدراك اللغة وإنتاجها وتغيرها بمرور الوقت. من خلال أبحاثها الرائدة في علم الأصوات التجريبي، وعلم اجتماع اللغة، ونمذجة اللغة الحاسوبية، ساهمت في تطوير فهمنا للعمليات المعرفية والاجتماعية الكامنة وراء اللغة. تظل بييرهومبرت شخصية مؤثرة في مجال علم اللغة، وتستمر أبحاثها في إلهام جيل جديد من اللغويين.