خلفية تاريخية
في منتصف القرن السادس عشر، شهدت إنجلترا اضطرابات دينية كبيرة. بعد انفصال الملك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، اتجهت إنجلترا نحو البروتستانتية. ومع ذلك، أدت وفاة هنري وتولي ابنته ماري الأولى العرش إلى تحول كبير. كانت ماري كاثوليكية متعصبة، وسعت إلى إعادة إنجلترا إلى حظيرة الكنيسة الكاثوليكية. أدت سياساتها إلى اضطهاد البروتستانت الذين اعتبروا مهرطقين.
هيو لاتيمر ونيكولاس ريدلي
كان هيو لاتيمر أسقفًا في السابق في روتشستر، وكان معروفًا بخطبه القوية التي تدين الفساد في الكنيسة. كان نيكولاس ريدلي أسقفًا في لندن، وهو عالم لاهوت بارز. اعتبر كلاهما شخصيتين قياديتين في الإصلاح الإنجليزي. تم اعتقالهما بتهمة الهرطقة، بما في ذلك إنكارهم لوجود الجسد والدم الحقيقيين ليسوع المسيح في القربان المقدس. بعد محاكماتهم، حُكم عليهم بالإعدام حرقًا على الخازوق.
بدأ إعدامهم في 16 أكتوبر 1555. تم ربطهم في أكسفورد. تظهر الروايات أن لاتيمر شجع ريدلي قبيل إشعال النار، قائلاً: “كن شجاعًا يا ريدلي، وعامل نفسك كرجل! سنحصل اليوم، بمشيئة الله، على شمعة في إنجلترا، والتي آمل ألا تنطفئ أبدًا.” تم ربطهم بالسلاسل إلى الخوازيق وبدأ الحرق. استغرق موتهما وقتًا طويلاً، ويعتقد أن هذا يرجع إلى أن كمية الوقود كانت قليلة جدًا، مما أدى إلى بطء عملية الحرق.
توماس كرانمر
كان توماس كرانمر رئيس أساقفة كانتربري في عهد هنري الثامن وإدوارد السادس. لعب دورًا محوريًا في الإصلاح الإنجليزي، حيث ساهم في صياغة كتاب الصلاة العامة وقام بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنجليزية. على الرغم من أنه في البداية كان يؤيد الزواج الكاثوليكي لماري، إلا أنه تم اعتباره مهرطقًا أيضًا. بعد أن أُدين بالهرطقة، أُجبر كرانمر على التوقيع على سلسلة من التراجعات التي تنكر فيها معتقداته البروتستانتية. ومع ذلك، في اللحظة الأخيرة، في لحظة إعلان التوبة من عمل التراجع، أعلن إيمانه البروتستانتي، وأعلن أنه سيموت مع إيمانه. هذا الموقف جعله شهيدًا، وعلى الرغم من الندم على تراجعه، أظهر قوة إيمانه.
في 21 مارس 1556، أُعدم كرانمر حرقًا على الخازوق. أثناء وقوفه أمام الحشد، أزال يده اليمنى، التي استخدمها لتوقيع التراجعات، إلى النار أولاً، قائلاً: “هذه اليد أخطأت“. أظهرت كلماته وأفعاله شجاعته وإيمانه الراسخ.
أهمية شهداء أكسفورد
يُعتبر شهداء أكسفورد شخصيات مهمة في تاريخ البروتستانتية. تمثل قصصهم الشجاعة والثبات في مواجهة الاضطهاد الديني. أصبحت إدانتهم وإعدامهم علامة فارقة في عهد ماري الأولى، والذي يُعرف غالبًا باسم “ماري الدموية” بسبب قمعها للبروتستانت. لقد ألهمت تضحياتهم البروتستانت في جميع أنحاء إنجلترا، وعززت قضية الإصلاح.
شهدت فترة حكم ماري الأولى إعدام ما يقرب من 300 بروتستانتي بسبب إيمانهم. كان إعدام شهداء أكسفورد بارزًا بشكل خاص بسبب مناصبهم في الكنيسة وتعليمهم. أدت قصصهم إلى نشر الدعاية البروتستانتية، وساهمت في دعم قضية الإصلاح.
تأثيرهم على الثقافة
أثرت قصص شهداء أكسفورد بعمق على الثقافة الإنجليزية. أشاد بهم البروتستانت كشهداء للإيمان، وصورتهم على أنهم مثال على الشجاعة والثبات. أدى إعدامهم إلى إثارة الغضب العام، مما ساهم في تغيير المشهد الديني والسياسي في إنجلترا. تم تخليد ذكراهم في العديد من الأعمال الفنية والأدبية.
في الأدب، ظهر شهداء أكسفورد في أعمال مثل “كتاب الشهداء” لجون فوكس، وهو سرد مفصل لاضطهاد البروتستانت، والذي أصبح عملًا مؤثرًا للغاية في الثقافة الإنجليزية. قام كتاب فوكس بتخليد قصصهم، وجعلهم رموزًا للبروتستانتية. غالبًا ما يتم الاستشهاد بهم كمثال على التضحية من أجل الإيمان.
في الفن، تم تصوير شهداء أكسفورد في اللوحات والمنحوتات والمنحوتات الزجاجية. غالبًا ما تصور هذه الأعمال إعدامهم وتُظهر شجاعتهم وإيمانهم. توجد هذه الأعمال الفنية في الكنائس والمتاحف، مما يساعد على إبقاء ذكراهم حية.
في أكسفورد، يوجد نصب تذكاري لشهداء أكسفورد بالقرب من المكان الذي أُعدموا فيه. النصب التذكاري هو صليب حجري ضخم يخلد ذكرى لاتيمر وريدلي وكارنر، وهو بمثابة تذكير دائم بتضحياتهم.
إرثهم
لا يزال إرث شهداء أكسفورد حيًا حتى اليوم. يمثلون مبادئ الإيمان والشجاعة والثبات. لقد أثرت تضحياتهم على مسار الإصلاح الإنجليزي وساهمت في ترسيخ البروتستانتية في إنجلترا. لا يزال يُنظر إليهم على أنهم نماذج يحتذى بها للعديد من المسيحيين.
تعتبر قصصهم بمثابة تذكير بقوة الإيمان وأهمية الدفاع عن معتقدات المرء. لقد ألهموا أجيالًا من البروتستانت، ولا يزالون يلهمون حتى اليوم.
خاتمة
كان شهداء أكسفورد، هيو لاتيمر ونيكولاس ريدلي وتوماس كرانمر، شخصيات محورية في الإصلاح الإنجليزي. أُعدموا حرقًا على الخازوق بتهمة الهرطقة في عام 1555 خلال عهد الملكة ماري الأولى. تمثل قصصهم الشجاعة والثبات في مواجهة الاضطهاد الديني. لقد أثرت تضحياتهم بعمق على الثقافة الإنجليزية، وأصبحت رمزًا للإيمان والبروتستانتية. لا يزال إرثهم حيًا، وهم بمثابة مصدر إلهام للكثيرين.
المراجع
- موسوعة بريتانيكا – هيو لاتيمر
- موسوعة بريتانيكا – نيكولاس ريدلي
- موسوعة بريتانيكا – توماس كرانمر
- موقع شهداء أكسفورد
“`