تاريخ وتطور ترتيبات العائلة
ولد بيرت هيلينجر في ألمانيا عام 1925، وعمل ككاهن كاثوليكي في جنوب إفريقيا لمدة 16 عامًا. خلال هذه الفترة، تعرض لعادات وثقافات مختلفة، بما في ذلك عادات الزولو، التي أثرت على رؤيته للعلاقات الإنسانية. بعد عودته إلى ألمانيا، بدأ هيلينجر في استكشاف مجموعة متنوعة من الممارسات العلاجية، بما في ذلك العلاج الجماعي، والعلاج التحليلي، وعلم النفس التنموي.
قام هيلينجر بتطوير مفهوم ترتيبات العائلة في الثمانينيات، متأثرًا بعمل علماء النفس مثل إيفا باخ ونيلسون فيليكس. وقد طور هيلينجر فكرة أن الأسر لديها “ضمير عائلي” غير واعٍ يؤثر على سلوك أفراد الأسرة. يعتقد هيلينجر أن المشكلات العاطفية والسلوكية غالبًا ما تكون نتيجة “تشابك” أو “اضطرابات” في هذا الضمير العائلي.
على الرغم من أنه لم يكن لديه خلفية علمية رسمية في علم النفس، فقد قام هيلينجر بتدريب العديد من الممارسين الذين نشروا نظرياته على نطاق واسع. وقد أدى ذلك إلى انتشار ترتيبات العائلة في جميع أنحاء العالم، على الرغم من عدم وجود دليل علمي لدعم فعاليتها.
المبادئ الأساسية لترتيبات العائلة
تعتمد ترتيبات العائلة على عدد من المبادئ الأساسية التي تشكل جوهر هذا النهج. هذه المبادئ تشمل:
- الضمير العائلي: يعتقد هيلينجر أن الأسر لديها “ضمير عائلي” غير واعٍ، وهو قوة خفية تؤثر على سلوك أفراد الأسرة. هذا الضمير يهدف إلى الحفاظ على التوازن والنظام داخل الأسرة.
- الترابط: يشير إلى أن أفراد الأسرة مرتبطون ببعضهم البعض من خلال شبكة معقدة من العلاقات العاطفية. أي حدث أو تجربة يمر بها أحد أفراد الأسرة يمكن أن يؤثر على الآخرين، حتى بعد مرور سنوات.
- الترتيب: يركز على أهمية الترتيب في العلاقات الأسرية. يعتقد هيلينجر أن كل فرد في الأسرة له مكان محدد، وأي تغيير في هذا الترتيب يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات.
- التوازن في الأخذ والعطاء: يؤكد على أهمية التوازن في العلاقات. يجب أن يكون هناك تبادل متساوٍ في الحب والدعم بين أفراد الأسرة للحفاظ على علاقات صحية.
- القوانين النظامية: يحدد هيلينجر ثلاثة قوانين نظامية أساسية: الانتماء، الترتيب، والتوازن. هذه القوانين يجب أن تحترم لتحقيق الانسجام في الأسرة.
كيف تعمل ترتيبات العائلة؟
عادةً ما تُجرى جلسات ترتيبات العائلة في مجموعات صغيرة. تتضمن العملية الخطوات التالية:
- تحديد المشكلة: يحدد العميل (الشخص الذي يسعى للعلاج) مشكلة محددة يرغب في معالجتها، مثل القلق، الاكتئاب، أو صعوبات في العلاقات.
- اختيار الممثلين: يختار العميل ممثلين من بين أعضاء المجموعة لتمثيل أفراد عائلته أو جوانب أخرى ذات صلة بالمشكلة.
- وضع الترتيب: يضع العميل الممثلين في الفضاء، بناءً على الحدس أو ما يشعر به تجاه علاقاتهم ببعضهم البعض.
- التجربة والتفاعل: يتفاعل الممثلون مع بعضهم البعض، غالبًا بناءً على ما يشعرون به في أماكنهم. يقوم الميسر (الممارس) بتوجيه العملية من خلال الملاحظة والتساؤل وتعديل الترتيب.
- الكشف عن الديناميكيات: تهدف العملية إلى الكشف عن الديناميكيات الخفية التي قد تكون مسؤولة عن المشكلة. قد يشمل ذلك إعادة ترتيب الممثلين أو إجراء تغييرات في الحوار.
- الحل والتحرر: تهدف الجلسة إلى إيجاد حل يسمح للعميل بالتحرر من المشكلة. قد يشمل ذلك الاعتراف بالأحداث الماضية، أو تغيير المواقف، أو قبول الواقع.
غالبًا ما يصف الممارسون ترتيبات العائلة بأنها تجربة روحانية أو تأملية، حيث يزعمون أنها تساعد على كشف “الحقائق” الخفية حول العلاقات العائلية.
الانتقادات الموجهة إلى ترتيبات العائلة
على الرغم من شعبيتها، تعرضت ترتيبات العائلة لانتقادات شديدة من قبل العلماء والمتخصصين في الصحة العقلية. تشمل هذه الانتقادات:
- الافتقار إلى الأدلة العلمية: لا يوجد دليل علمي قوي يدعم ادعاءات ترتيبات العائلة حول فعاليتها. الدراسات التي أجريت حتى الآن كانت صغيرة أو تفتقر إلى منهجية علمية صارمة.
- النهج الزائف: يعتبرها الكثيرون نهجًا زائفًا يعتمد على مفاهيم غير علمية وغير قابلة للاختبار.
- خطر إلحاق الضرر: قد تتسبب ترتيبات العائلة في إثارة مشاعر قوية، مثل الغضب والحزن، دون توفير إطار عمل علاجي مناسب لدعم العميل.
- تأثير الدواء الوهمي: يعتقد بعض النقاد أن أي تحسن يشعر به العميل يرجع في الغالب إلى تأثير الدواء الوهمي أو توقعات العميل.
- الافتقار إلى التنظيم: لا يوجد تنظيم أو ترخيص قياسي لممارسي ترتيبات العائلة، مما يعني أن أي شخص يمكنه ممارسة هذا النهج بغض النظر عن خلفيته أو تدريبه.
البدائل العلاجية المدعومة علميًا
إذا كنت تعاني من مشكلات عاطفية أو سلوكية، فمن المهم البحث عن علاجات مدعومة علميًا. تشمل هذه العلاجات:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يركز على تحديد وتغيير أنماط التفكير والسلوك السلبية.
- العلاج النفسي الديناميكي: يستكشف التجارب الماضية وكيفية تأثيرها على السلوك الحالي.
- العلاج الأسري: يساعد على تحسين التواصل وحل المشكلات في الأسرة.
- العلاج الجماعي: يوفر الدعم والتعاطف من الآخرين الذين يمرون بتجارب مماثلة.
- العلاج الدوائي: قد يوصي به الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي لعلاج بعض الحالات، مثل الاكتئاب والقلق.
من المهم استشارة أخصائي صحة عقلية مؤهل لتحديد العلاج الأنسب لحالتك.
العلاقة بين ترتيبات العائلة والمواقف الشخصية
أحد الجوانب المثيرة للجدل في ترتيبات العائلة هو كيفية تعاملها مع المواقف الشخصية. يعتقد ممارسو هذا النهج أن المشكلات الشخصية، مثل مشاكل الثقة، الخوف من الالتزام، أو حتى بعض الأمراض الجسدية، يمكن أن تكون متجذرة في ديناميكيات عائلية غير معترف بها أو غير معالجة. هذا يشمل:
- الصدمات العائلية: يعتبرون أن التجارب المؤلمة التي مر بها الأجداد أو الآباء، مثل الحروب، الفقدان، أو الإساءة، يمكن أن تنتقل عبر الأجيال وتؤثر على سلوك الأفراد في الحاضر.
- الأسرار العائلية: يعتقدون أن الأسرار، سواء كانت معروفة أو غير معلنة، يمكن أن تخلق ضغوطًا عاطفية تؤثر على العلاقات وتسبب المشكلات.
- الظلم في المعاملة: يرون أن الظلم أو الإقصاء الذي يشعر به أحد أفراد العائلة (مثل الأطفال الذين يعانون من التمييز) يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات عاطفية وسلوكية لدى الأجيال اللاحقة.
من خلال جلسات ترتيبات العائلة، يُزعم أن هذه الديناميكيات الخفية تظهر ويمكن معالجتها. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن هذه الادعاءات لم يتم إثباتها علميًا.
الفروق بين ترتيبات العائلة وغيرها من العلاجات
تختلف ترتيبات العائلة اختلافًا كبيرًا عن العلاجات النفسية التقليدية، مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج النفسي الديناميكي. بعض الاختلافات الرئيسية تشمل:
- الأساس النظري: تعتمد العلاجات التقليدية على نظريات نفسية راسخة ومدعومة بالأبحاث العلمية. على النقيض من ذلك، تعتمد ترتيبات العائلة على مفاهيم غير علمية وغير قابلة للاختبار.
- التركيز: تركز العلاجات التقليدية على مساعدة الأفراد على فهم وتغيير أفكارهم وسلوكياتهم، بينما تركز ترتيبات العائلة على ديناميكيات العائلة غير الواعية.
- الدليل العلمي: العلاجات التقليدية مدعومة بأدلة علمية واسعة النطاق تثبت فعاليتها. لا يوجد دليل علمي يدعم ادعاءات ترتيبات العائلة.
- التدريب والترخيص: غالبًا ما يتطلب ممارسو العلاجات التقليدية تدريبًا مكثفًا وترخيصًا من السلطات المختصة. لا يوجد مثل هذا التنظيم لممارسي ترتيبات العائلة.
- التقييم: تستخدم العلاجات التقليدية أساليب تقييم رسمية لتحديد التشخيص وتتبع التقدم. لا توجد أساليب تقييم قياسية في ترتيبات العائلة.
من المهم اختيار علاج يعتمد على أسس علمية لضمان الحصول على أفضل رعاية ممكنة.
هل ترتيبات العائلة آمنة؟
على الرغم من أن ترتيبات العائلة قد لا تكون ضارة بالضرورة لبعض الأشخاص، إلا أنها تحمل بعض المخاطر المحتملة. نظرًا لأن الجلسات يمكن أن تكون عاطفية، فقد تؤدي إلى تفاقم المشكلات الموجودة مسبقًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب التنظيم يثير مخاوف بشأن مؤهلات وخبرة الممارسين.
من الضروري أن يكون العميل على دراية بهذه المخاطر وأن يناقشها مع ممارس مؤهل قبل المشاركة في جلسة ترتيبات العائلة. إذا كنت تشعر بعدم الارتياح أو القلق أثناء الجلسة، فيجب عليك التوقف عن المشاركة وطلب المساعدة من أخصائي صحة عقلية مؤهل.
خاتمة
ترتيبات العائلة هي نهج علاجي زائف يزعم أنه يعالج المشكلات الشخصية من خلال معالجة ديناميكيات العلاقات العائلية غير الواعية. على الرغم من شعبيتها، إلا أنها تفتقر إلى الدليل العلمي لدعم فعاليتها وتعرضت لانتقادات واسعة النطاق. إذا كنت تفكر في العلاج، فمن الأفضل اختيار العلاجات المدعومة علميًا، مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج النفسي الديناميكي، والتي ثبت أنها فعالة في مساعدة الأفراد على تحسين صحتهم العقلية.