البناء متعدد الأضلاع (Polygonal Masonry)

تاريخ البناء متعدد الأضلاع

يعود تاريخ البناء متعدد الأضلاع إلى آلاف السنين، حيث ظهر في العديد من الحضارات القديمة. من أبرز الأمثلة على استخدامه: حضارة الإنكا في أمريكا الجنوبية، حيث استخدموا هذه التقنية لبناء مدن وقلاع مثل ماتشو بيتشو. كما استخدم في اليونان القديمة، وخاصة في بناء التحصينات والأبنية الهامة. وفي إيطاليا، ظهرت هذه التقنية في العصر الروماني.

كانت الحضارات القديمة تدرك قيمة البناء متعدد الأضلاع في توفير القوة والاستقرار للهياكل. تمكنت هذه التقنية من توزيع وزن البناء بشكل متساوٍ على جميع الكتل الحجرية، مما يقلل من خطر الانهيار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشكال غير المنتظمة للكتل الحجرية تمنع الحركة النسبية بينها، مما يزيد من متانة الجدار.

خصائص البناء متعدد الأضلاع

تتميز تقنية البناء متعدد الأضلاع بعدة خصائص رئيسية:

الأشكال غير المنتظمة: تستخدم كتل حجرية ذات أشكال غير قياسية، مما يجعل كل جدار فريدًا.
التشابك: يتم ترتيب الكتل الحجرية بطريقة تتشابك فيها مع بعضها البعض، مما يوفر قوة ومتانة كبيرة.
عدم وجود المونة في بعض الأحيان: في بعض الحالات، يتم بناء الجدران دون استخدام المونة (الملاط)، حيث يعتمد الاستقرار على دقة القطع وتشابك الكتل الحجرية.
المتانة: يوفر البناء متعدد الأضلاع متانة استثنائية، مما يجعل الجدران مقاومة للزلازل والعوامل الجوية.
المظهر الجمالي: يشتهر البناء متعدد الأضلاع بمظهره الجمالي الفريد، حيث يعطي للجدران مظهرًا طبيعيًا وتاريخيًا.

أنواع البناء متعدد الأضلاع

هناك أنواع مختلفة من البناء متعدد الأضلاع، تختلف في طريقة معالجة الحجارة وتشكيلها. من أبرز هذه الأنواع:

البناء متعدد الأضلاع الحقيقي: في هذا النوع، يتم قطع الحجارة بشكل دقيق لتتناسب مع بعضها البعض دون ترك أي فجوات كبيرة. يعتبر هذا النوع من البناء الأكثر تعقيدًا والأكثر متانة.
البناء متعدد الأضلاع شبه المنتظم: في هذا النوع، تكون بعض الحجارة ذات أشكال منتظمة، بينما تكون الأخرى غير منتظمة. يستخدم هذا النوع من البناء غالبًا لتوفير الوقت والجهد.
البناء متعدد الأضلاع مع المونة: في هذا النوع، يتم استخدام المونة لملء الفجوات بين الحجارة، مما يزيد من قوة الجدار.
البناء متعدد الأضلاع الجاف: في هذا النوع، يتم بناء الجدران دون استخدام المونة، حيث يعتمد الاستقرار على دقة القطع وتشابك الحجارة.

أمثلة على البناء متعدد الأضلاع في جميع أنحاء العالم

يوجد أمثلة رائعة على البناء متعدد الأضلاع في جميع أنحاء العالم، من أبرزها:

ماتشو بيتشو، بيرو: مدينة الإنكا القديمة، تشتهر بجدرانها المصنوعة من الحجارة المتشابكة بدقة فائقة. تعد هذه الجدران مثالاً رائعًا على البناء متعدد الأضلاع الحقيقي.
سقسيمان، بيرو: حصن الإنكا الضخم، يتميز بجدران ضخمة من الحجارة متعددة الأضلاع ذات الأحجام الهائلة.
ميسين، إيطاليا: بلدة تاريخية في إيطاليا، تضم العديد من المباني القديمة التي استخدمت تقنية البناء متعدد الأضلاع.
المدينة القديمة في كوزكو، بيرو: تتميز بجدران حجرية مذهلة تشهد على مهارة الإنكا في البناء.
جدران أولينتو، إيطاليا: تشمل هذه الجدران بعضًا من أقدم الأمثلة على البناء متعدد الأضلاع في أوروبا.

تقنيات البناء متعدد الأضلاع

تعتمد تقنيات البناء متعدد الأضلاع على عدة عوامل، بما في ذلك نوع الحجر المستخدم، وأدوات القطع المتاحة، والخبرة الفنية للعمال. تشمل التقنيات الرئيسية:

اختيار الحجر: يتم اختيار الأحجار بعناية بناءً على صلابتها ومتانتها وشكلها.
القطع والتشكيل: يتم قطع الأحجار وتشكيلها بدقة لتتناسب مع بعضها البعض. تستخدم أدوات مختلفة لعملية القطع، بما في ذلك المطارق والإزميل.
التركيب: يتم تركيب الأحجار بطريقة تتشابك فيها مع بعضها البعض، مما يوفر قوة ومتانة كبيرة. في بعض الحالات، يتم استخدام المونة لملء الفجوات بين الأحجار.
التشطيب: بعد تركيب الجدران، يمكن تلميعها أو تركها كما هي لإبراز المظهر الطبيعي للحجارة.

مزايا وعيوب البناء متعدد الأضلاع

مثل أي تقنية بناء، يتميز البناء متعدد الأضلاع بمجموعة من المزايا والعيوب:

المزايا:
- القوة والمتانة: يوفر البناء متعدد الأضلاع قوة ومتانة استثنائية للجدران، مما يجعلها مقاومة للزلازل والعوامل الجوية.
- المظهر الجمالي: يشتهر بمظهره الجمالي الفريد، مما يضيف قيمة جمالية للهياكل.
- التشابك: يوفر التشابك بين الأحجار استقرارًا إضافيًا للجدار.
- المتانة على المدى الطويل: غالبًا ما تصمد هياكل البناء متعدد الأضلاع لفترة طويلة جدًا.
العيوب:
- التكلفة: قد يكون بناء الجدران متعددة الأضلاع مكلفًا، خاصة إذا كانت تتطلب مهارات عالية وعمالة متخصصة.
- الوقت: يستغرق بناء الجدران متعددة الأضلاع وقتًا طويلاً، نظرًا لتعقيد عملية القطع والتركيب.
- الحاجة إلى الخبرة: يتطلب بناء الجدران متعددة الأضلاع خبرة ومهارة فنية عالية.
- صعوبة الإصلاح: قد يكون من الصعب إصلاح الجدران متعددة الأضلاع إذا تعرضت للتلف.

البناء متعدد الأضلاع في العصر الحديث

على الرغم من أن البناء متعدد الأضلاع يعتبر تقنية قديمة، إلا أنه لا يزال يستخدم في العصر الحديث، وخاصة في بناء الجدران الاستنادية والواجهات الزخرفية. يتم استخدامه بشكل متزايد في تصميم المنازل الحديثة والمباني العامة، حيث يضيف لمسة من الجمال والتاريخ. يستخدم المهندسون المعماريون اليوم تقنيات حديثة مثل التصميم بمساعدة الكمبيوتر (CAD) لتحسين دقة القطع والتركيب، مما يقلل من التكلفة والوقت اللازمين للبناء.

بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام البناء متعدد الأضلاع في ترميم المباني التاريخية، حيث يساعد في الحفاظ على المظهر الأصلي للهياكل القديمة. يتم تدريب الحرفيين على تقنيات البناء متعدد الأضلاع للحفاظ على هذه الحرفية القديمة.

التحديات المستقبلية للبناء متعدد الأضلاع

تواجه تقنية البناء متعدد الأضلاع بعض التحديات في العصر الحديث:

التكلفة: يمكن أن تكون تكلفة العمالة المتخصصة والمواد مرتفعة.
الوقت: يتطلب البناء وقتًا طويلاً، مما قد يؤثر على الجدول الزمني للمشروع.
نقص الحرفيين المهرة: قد يكون من الصعب العثور على حرفيين لديهم الخبرة والمهارات اللازمة في البناء متعدد الأضلاع.
الحاجة إلى التقنيات الحديثة: يمكن أن تساعد التقنيات الحديثة في تحسين كفاءة البناء وتقليل التكاليف.

الاستدامة في البناء متعدد الأضلاع

يمكن أن يكون البناء متعدد الأضلاع مستدامًا، خاصة إذا تم استخدام مواد بناء طبيعية ومحلية. من خلال استخدام الحجارة المحلية، يمكن تقليل التأثير البيئي لعملية النقل. كما يمكن استخدام الممارسات المستدامة في عملية البناء، مثل إعادة تدوير النفايات واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.

خاتمة

البناء متعدد الأضلاع هو أسلوب بناء حجري فريد من نوعه يتميز باستخدام كتل حجرية ذات أشكال غير منتظمة ومتشابكة. يعود تاريخه إلى آلاف السنين، ولا يزال يستخدم حتى اليوم. يتميز بمظهره الجمالي الفريد، وقوته ومتانته الاستثنائية. على الرغم من التحديات التي تواجهها هذه التقنية، إلا أنها تظل خيارًا جذابًا للهندسة المعمارية الحديثة والتاريخية.

المراجع

“`