نشأته وبداياته
ولد والتر لاسلي في ألمانيا لعائلة يهودية. ومع صعود النازية في الثلاثينيات، هاجرت عائلته إلى إنجلترا هربًا من الاضطهاد. درس لاسلي في مدرسة كوينز بارك في لندن، وبعد ذلك التحق بالجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية. بعد انتهاء الحرب، بدأ لاسلي مسيرته المهنية في مجال السينما، حيث عمل في البداية كمساعد مصور.
في بداية مسيرته، تأثر لاسلي بالاتجاهات السينمائية الجديدة، وخاصةً الواقعية الإيطالية والسينما الفرنسية الموجة الجديدة. كان مهتمًا بتصوير الحياة اليومية للشخصيات العادية، وتقديم قصص إنسانية واقعية. هذا التأثير ظهر بوضوح في أعماله اللاحقة.
مسيرته المهنية
بدأ لاسلي في اكتساب الشهرة في الخمسينيات والستينيات، حيث عمل على العديد من الأفلام البريطانية المستقلة. من بين هذه الأفلام، تعاون بشكل خاص مع المخرجين الذين يتبنون أسلوبًا واقعيًا في السينما. من أبرز أعماله في هذه الفترة فيلم “السبت واليأس” (Saturday Night and Sunday Morning) عام 1960، والذي يعتبر من كلاسيكيات السينما البريطانية.
تميز أسلوب لاسلي بالتصوير الطبيعي والواقعي، واستخدامه للإضاءة الطبيعية كلما أمكن. كان يهدف إلى إضفاء جو من المصداقية والواقعية على الأفلام التي يعمل عليها. كان يولي اهتمامًا خاصًا بتصوير الأماكن الحقيقية، واستخدامها كخلفية للأحداث، مما ساهم في إبراز الجوانب الاجتماعية والثقافية للمجتمع.
في عام 1964، فاز لاسلي بجائزة الأوسكار لأفضل تصوير سينمائي عن فيلم “زوربا اليوناني”. هذا الفيلم، الذي أخرجه مايكل كاكويانيس، يعتبر من أهم الأفلام في تاريخ السينما، ولقي إشادة واسعة لتصويره الجميل والمؤثر. ساهم عمل لاسلي في هذا الفيلم في تعزيز شهرته عالميًا.
بالإضافة إلى عمله في الأفلام الروائية، عمل لاسلي أيضًا على العديد من الأفلام الوثائقية. كان لديه شغف كبير بتوثيق الحياة والثقافة، وساهمت أعماله الوثائقية في إلقاء الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية والإنسانية. من بين أفلامه الوثائقية فيلم “الأخوة والأخوات” (The Brothers and Sisters) عام 1966، والذي تناول حياة العمال في إنجلترا.
على مدار مسيرته المهنية، عمل لاسلي مع العديد من المخرجين البارزين، بمن فيهم توني ريتشاردسون، وكريل رايد، وجيمس إيفوري. كان لاسلي معروفًا بمرونته وقدرته على التكيف مع أساليب الإخراج المختلفة. كان دائمًا يسعى إلى تحقيق رؤية المخرج، مع الحفاظ على أسلوبه الخاص في التصوير.
أسلوبه وتقنياته
كان لأسلوب والتر لاسلي في التصوير السينمائي سمات مميزة ساهمت في تميز أعماله. من أبرز هذه السمات:
- الواقعية: كان لاسلي يفضل التصوير في مواقع حقيقية، واستخدام الإضاءة الطبيعية قدر الإمكان. كان يهدف إلى خلق جو من الواقعية والمصداقية في أفلامه.
- الحساسية: كان لاسلي يتمتع بحساسية خاصة تجاه الشخصيات التي يصورها، وكان يسعى إلى إبراز الجوانب الإنسانية فيهم.
- التركيز على التفاصيل: كان يولي اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل الصغيرة، مثل تعابير الوجه، والملابس، والأشياء المحيطة بالشخصيات، مما ساهم في بناء صورة أكثر عمقًا وواقعية.
- استخدام الكاميرا المتحركة: كان لاسلي يستخدم الكاميرا المتحركة في بعض الأحيان لإضفاء ديناميكية على المشاهد، وجعلها أكثر حيوية.
استخدم لاسلي مجموعة متنوعة من التقنيات في عمله. كان يفضل استخدام العدسات ذات الزوايا الواسعة، والتي تتيح له التقاط مساحة أكبر من المشهد، وإبراز العلاقة بين الشخصيات والبيئة المحيطة بها. كما كان يستخدم أحيانًا التصوير اليدوي للكاميرا، مما يمنح الفيلم إحساسًا بالحرية والعفوية. بالإضافة إلى ذلك، كان لاسلي ماهرًا في التعامل مع الإضاءة، حيث كان يستخدمها لخلق أجواء معينة، والتعبير عن الحالة المزاجية للشخصيات.
أعماله البارزة
ترك والتر لاسلي بصمة واضحة في تاريخ السينما من خلال أعماله المتنوعة. من بين أفلامه البارزة:
- “السبت واليأس” (Saturday Night and Sunday Morning) (1960): يعتبر هذا الفيلم من أهم الأفلام البريطانية في فترة الستينيات، وهو يعكس الواقع الاجتماعي للطبقة العاملة في إنجلترا.
- “زوربا اليوناني” (Zorba the Greek) (1964): الفيلم الذي فاز عنه لاسلي بجائزة الأوسكار، وهو قصة إنسانية مؤثرة عن الصداقة والحياة.
- “الأخوة والأخوات” (The Brothers and Sisters) (1966): فيلم وثائقي يلقي الضوء على حياة العمال في إنجلترا.
- “شاطئ الساحل” (The Day the Earth Caught Fire) (1961): فيلم خيال علمي بريطاني، يصور كارثة بيئية تهدد العالم.
- “لا يمكنك إيقاف الحرب” (This Sporting Life) (1963): فيلم درامي يصور حياة لاعب رغبي محترف.
- “إدارة الغضب” (How to Get Ahead in Advertising) (1989): فيلم كوميدي ساخر.
تأثيره وإرثه
كان لوالتر لاسلي تأثير كبير على السينما، وخاصةً في مجال السينما المستقلة والواقعية. أثر أسلوبه في التصوير السينمائي على العديد من المصورين السينمائيين من بعده. تميزت أعماله بالواقعية والحساسية، مما ساهم في إبراز الجوانب الإنسانية في القصص التي يصورها. يعتبر لاسلي أحد رواد التصوير السينمائي في السينما البريطانية، وساهم في إثراء السينما العالمية بأعماله المتميزة.
حصل لاسلي على العديد من الجوائز والتقديرات خلال مسيرته المهنية، بما في ذلك جائزة الأوسكار وجوائز من مهرجانات سينمائية عالمية. استمر في العمل في مجال السينما حتى السنوات الأخيرة من حياته، وترك إرثًا غنيًا من الأفلام التي لا تزال تلهم المشاهدين حتى اليوم.
حياته الشخصية
تزوج والتر لاسلي من الممثلة البريطانية ديفيد بينفيلد في عام 1957. استمر زواجهما حتى وفاته في عام 2017. كان لديهما ابنة واحدة. كان لاسلي رجلًا مثقفًا ومحبًا للفنون، وكان يولي اهتمامًا خاصًا بالمسرح والأدب. كان أيضًا معروفًا بحبه للسفر، وقد قام بزيارة العديد من البلدان حول العالم.
توفي والتر لاسلي في 23 أكتوبر 2017 عن عمر يناهز 90 عامًا. تركت وفاته حزنًا كبيرًا في عالم السينما، ولكن إرثه سيظل حيًا من خلال أعماله الخالدة.
خاتمة
والتر لاسلي كان مصورًا سينمائيًا موهوبًا، ترك بصمة لا تمحى في عالم السينما. من خلال أسلوبه الفريد ورؤيته الفنية، تمكن من تصوير قصص إنسانية مؤثرة، حازت على إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء. فوزه بجائزة الأوسكار عن فيلم “زوربا اليوناني” يعتبر تتويجًا لمسيرته المهنية الحافلة بالإنجازات. سيظل لاسلي محفورًا في ذاكرة السينما كأحد أعظم المصورين السينمائيين في التاريخ.
المراجع
- قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (IMDb)
- مقالة عن والتر لاسلي في صحيفة الغارديان
- موسوعة بريتانيكا عن والتر لاسلي
- مقالات روجر إيبرت عن والتر لاسلي
“`