البدايات المبكرة: الاستكشاف والمسوحات (1852-1920)
بدأ الاهتمام بجبل إفرست في منتصف القرن التاسع عشر مع بدء إجراء المسوحات الجغرافية الدقيقة لجبال الهيمالايا. في عام 1852، حدد المسّاحون الهنود بقيادة رادها ناث سيكدار أن “جبل XV” (الاسم الذي كان يُعرف به إفرست في ذلك الوقت) هو أعلى قمة في العالم. أُعيدت تسمية الجبل باسم السير جورج إفرست، الذي كان المسّاح العام للهند.
في أوائل القرن العشرين، بدأت محاولات الاقتراب من الجبل، حيث مُنعت بريطانيا من الوصول إلى الجبل بسبب القيود المفروضة من التبت. بدأت أولى المحاولات الجادة في استكشاف الجبل في أوائل العشرينات من القرن العشرين، بعد أن بدأت التبت بالسماح للبريطانيين بالدخول إلى أراضيها.
محاولات ما قبل الحرب العالمية الثانية (1921-1939)
شهدت هذه الفترة عددًا من الرحلات الاستكشافية البريطانية، والتي سعت إلى تحديد أفضل الطرق لتسلق القمة. لم تنجح هذه الرحلات في الوصول إلى القمة، لكنها وضعت الأساس للمعرفة والخبرة اللازمة للمحاولات اللاحقة. من أبرز هذه الرحلات:
- رحلة 1921: أول رحلة استكشافية بريطانية إلى جبل إفرست، والتي قامت بمسح واسع للمنطقة وتحديد طريق محتمل إلى القمة من الشمال.
- رحلة 1922: أول محاولة فعلية لتسلق القمة، والتي وصلت إلى ارتفاع 8,326 مترًا (27,349 قدمًا) قبل أن تتوقف بسبب انهيار جليدي أودى بحياة سبعة من المتسلقين.
- رحلة 1924: الرحلة الأكثر شهرة في هذه الفترة، والتي شهدت اختفاء جورج مالوري وأندرو إيرفين أثناء محاولتهم تسلق القمة. لا يزال النقاش مستمرًا حول ما إذا كانا قد وصلا إلى القمة قبل وفاتهما أم لا.
- رحلات 1930، 1933، 1934، 1935، و1938: استمرت الرحلات الاستكشافية، مع محاولات للوصول إلى القمة من الشمال، لكنها لم تنجح بسبب الظروف الجوية الصعبة والارتفاع الشاهق.
الفترة بعد الحرب العالمية الثانية: أول تسلق ناجح (1947-1953)
بعد الحرب العالمية الثانية، استؤنفت محاولات تسلق إفرست. في عام 1947، حاول الكندي أنتوان ديغاس، بمفرده، تسلق الجبل، لكنه لم يتمكن من التقدم كثيرًا. في عام 1950، سُمح للنيباليين بفتح حدودهم أمام المتسلقين، مما فتح طريقًا جديدًا إلى القمة من الجنوب. في عام 1951، أجرى فريق استكشافي بريطاني استطلاعًا للطريق الجنوبي، مما مهد الطريق لمحاولة تسلق ناجحة.
في عام 1953، وصل إدموند هيلاري والنيبالي تينزينغ نورغاي إلى قمة إفرست، في أول تسلق ناجح للجبل. كان هذا الإنجاز بمثابة انتصار عالمي، ووضع نهاية لمساعي استمرت لعقود.
العصر الحديث: تسلق إفرست وتجارته (1953-2000)
بعد صعود هيلاري ونورغاي، بدأ عدد المتسلقين الذين يحاولون الوصول إلى القمة في الازدياد. شهدت هذه الفترة صعود العديد من المتسلقين من مختلف الجنسيات، بمن فيهم النساء. مع مرور الوقت، تطورت التقنيات والمعدات المستخدمة في تسلق الجبال، مما جعل تسلق إفرست أكثر أمانًا نسبيًا، وإن لم يكن خاليًا من المخاطر.
شهدت هذه الفترة أيضًا بداية ما يمكن اعتباره “تجارة” تسلق إفرست. بدأت الشركات التجارية بتقديم خدمات تسلق إفرست، مما أتاح للعديد من الأشخاص، ممن لديهم المال الكافي، تحقيق حلمهم في الوقوف على قمة العالم. هذا التحول أثار بعض الجدل، حيث اتهم البعض هذه الشركات بإعطاء الأولوية للربح على حساب سلامة المتسلقين.
من أبرز الأحداث في هذه الفترة:
- 1960: أول تسلق ناجح من الجانب الشمالي من قبل فريق صيني.
- 1975: أول امرأة تتسلق إفرست، وهي اليابانية جونكو تابي.
- 1978: أول تسلق لإفرست بدون استخدام الأكسجين الإضافي، بواسطة الإيطالي راينهولد ميسنر والنمساوي بيتر هابلر.
- 1980: تسلق راينهولد ميسنر إفرست بمفرده ودون أكسجين إضافي.
إفرست في القرن الحادي والعشرين (2000-2024)
شهدت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين استمرارًا لزيادة عدد المتسلقين، وتزايدًا في الاهتمام الإعلامي بالجبل. مع ذلك، شهدت هذه الفترة أيضًا بعض الحوادث المأساوية، بما في ذلك حوادث الانهيارات الجليدية والازدحام الشديد على الطرق المؤدية إلى القمة. أدت هذه الحوادث إلى طرح أسئلة حول تنظيم تسلق إفرست، وحماية البيئة، وسلامة المتسلقين.
شهدت هذه الفترة أيضًا تطورات في التكنولوجيا والمعدات، مثل استخدام الأجهزة التي تعمل بالطاقة الشمسية للتواصل، وتحسين معدات الأكسجين. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت منظمات تهدف إلى تنظيف الجبل والتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة.
من أبرز الأحداث في هذه الفترة:
- 2001: أول من يتسلق إفرست دون استخدام الأطراف السفلية (باستخدام أطراف صناعية)، مارك إنجليس.
- 2006: وفاة أكثر من 10 متسلقين في موسم واحد، مما سلط الضوء على تحديات السلامة على الجبل.
- 2014: انهيار جليدي في منطقة شلالات خومبو أودى بحياة 16 مرشدًا نيباليًا.
- 2015: زلزال نيبال يدمر معسكر القاعدة ويتسبب في انهيارات جليدية.
- 2019: صور الازدحام الشديد على القمة تنتشر على نطاق واسع، مما يثير المخاوف بشأن سلامة المتسلقين وتدهور البيئة.
- 2021: تحقيق رقم قياسي في عدد التصاريح الممنوحة لتسلق إفرست.
التحديات والمستقبل
يواجه تسلق جبل إفرست العديد من التحديات، بما في ذلك:
- الظروف الجوية القاسية: رياح شديدة، ودرجات حرارة متجمدة، وعواصف ثلجية مفاجئة.
- الارتفاع الشاهق: نقص الأكسجين، والتعرض لمرض المرتفعات.
- المخاطر الطبيعية: الانهيارات الجليدية، والشقوق الجليدية، والزلازل.
- الازدحام: الازدحام الشديد على الطرق المؤدية إلى القمة، خاصة خلال مواسم الذروة.
- التدهور البيئي: تراكم القمامة، وتلوث البيئة بسبب المتسلقين.
من المتوقع أن يستمر تسلق جبل إفرست في التطور في المستقبل. قد تشمل التطورات:
- تحسينات في التكنولوجيا والمعدات: تطوير معدات أكثر أمانًا وفعالية.
- تحسينات في تنظيم التسلق: وضع قيود أكثر صرامة على عدد المتسلقين، وتحسين إدارة الرحلات.
- مزيد من التركيز على الاستدامة: اتخاذ إجراءات لحماية البيئة وتقليل التأثيرات السلبية لتسلق الجبال.
- تطوير مسارات جديدة: استكشاف مسارات جديدة أقل ازدحامًا وأكثر أمانًا.
خاتمة
تعتبر رحلات تسلق جبل إفرست قصة من الإنجازات الإنسانية، والمثابرة، والشجاعة. من الاستكشافات المبكرة في القرن التاسع عشر إلى الرحلات التجارية في العصر الحديث، شهدت جبال الهيمالايا العديد من التحديات والانتصارات. على الرغم من المخاطر والصعوبات، يستمر جبل إفرست في جذب المتسلقين من جميع أنحاء العالم، الذين يسعون لتحقيق حلم الوقوف على قمة العالم. ومع ذلك، فإن الحفاظ على سلامة المتسلقين، وحماية البيئة، وضمان استدامة هذا النشاط، هي تحديات مستمرة تتطلب اهتمامًا وجهودًا مستمرة.