نشأته وتعليمه
ولد روبرت لاخمان في برلين، ألمانيا، في عام 1892. تلقى تعليمه المبكر في برلين، وأظهر اهتمامًا مبكرًا بالموسيقى واللغات. درس الموسيقى في جامعة برلين، وحصل على درجة الدكتوراه في عام 1922 بأطروحة حول “العلاقات بين الموسيقى والموسيقى الغربية”. خلال دراسته، تأثر لاخمان بشدة بالاتجاهات الفكرية في عصره، بما في ذلك علم الموسيقى الناشئ وعلم الأنثروبولوجيا. أظهر اهتمامًا خاصًا بالموسيقى من الثقافات غير الأوروبية، وبدأ في دراسة اللغات الشرقية لتحسين فهمه للموسيقى في هذه المناطق.
مسيرته المهنية وبحوثه
بعد حصوله على الدكتوراه، بدأ لاخمان في التركيز على دراسة الموسيقى الشرقية. سافر إلى العديد من البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك مصر وفلسطين وسوريا. قام بتسجيل كميات كبيرة من الموسيقى التقليدية، ودرس أنماطها وإيقاعاتها وأشكالها. كان لاخمان من أوائل الباحثين الذين استخدموا تقنيات التسجيل الميداني في علم الموسيقى، مما سمح له بتوثيق الموسيقى في سياقها الثقافي الأصلي. تميزت أبحاثه بالجمع بين التحليل الموسيقي الدقيق والفهم العميق للسياق الثقافي والاجتماعي للموسيقى.
في عام 1933، انتقل لاخمان إلى القدس، حيث عمل كأمين لمجموعة الموسيقى في المتحف الوطني للفنون والآثار. في القدس، واصل بحثه في الموسيقى العربية واليهودية، وأجرى مقابلات مع موسيقيين وعلماء دين من مختلف الخلفيات. كان مهتمًا بشكل خاص بالتنوع الموسيقي داخل المجتمع اليهودي، ودرس الموسيقى السفاردية والأشكنازية واليمنية. كان لاخمان ملتزمًا بالحفاظ على التراث الموسيقي للمجتمعات المتنوعة في فلسطين، وساهم في إنشاء أرشيف للموسيقى التي تم تسجيلها في المنطقة.
مساهماته في علم الموسيقى
كان لروبرت لاخمان مساهمات كبيرة في علم الموسيقى. أولاً، قدم مساهمات كبيرة في دراسة الموسيقى الشرقية، وخاصة الموسيقى العربية. ساعد في تأسيس علم الموسيقى العرقية كحقل دراسي أكاديمي، وأسس منهجية علمية لدراسة الموسيقى من الثقافات غير الأوروبية. ثانيًا، طور تقنيات تسجيل ميدانية متقدمة، مما سمح له بتوثيق الموسيقى في سياقها الثقافي الأصلي. سمحت هذه التقنيات للباحثين الآخرين بدراسة الموسيقى بشكل أكثر دقة وعمقًا. ثالثًا، ركز على دراسة العلاقة بين الموسيقى والثقافة. كان يعتقد أن الموسيقى تعكس القيم والمعتقدات والتقاليد للمجتمعات التي تنشأ فيها. كان لاخمان من أوائل الباحثين الذين أدركوا أهمية دراسة السياق الاجتماعي والسياسي للموسيقى.
من أبرز أعماله دراسته عن “موسيقى اليهود في شمال أفريقيا”، والتي قدمت رؤى عميقة في تاريخ الموسيقى اليهودية وتنوعها. كما أنه كتب مقالات عديدة حول الموسيقى العربية والشرقية، والتي نشرت في مجلات أكاديمية مرموقة. ساعدت كتاباته في نشر الوعي بأهمية الموسيقى الشرقية وتراثها الثقافي. كان له دور كبير في تعليم جيل جديد من علماء الموسيقى، وألهم العديد من الباحثين لمواصلة عمله في هذا المجال.
تحدياته
واجه روبرت لاخمان العديد من التحديات في حياته المهنية. أولاً، كان عليه أن يعمل في سياق سياسي واجتماعي صعب. مع صعود النازية في ألمانيا، تعرض للتمييز بسبب أصوله اليهودية. اضطر إلى مغادرة ألمانيا والعيش في المنفى في القدس. ثانيًا، واجه صعوبات مالية. كان عليه أن يعتمد على المنح والتمويل الحكومي لدعم أبحاثه. كانت هذه الأموال غالبًا ما تكون محدودة وغير كافية لتغطية تكاليف سفره وتسجيلاته. ثالثًا، كان عليه أن يتغلب على العقبات اللغوية والثقافية. كان عليه أن يتعلم العديد من اللغات، وأن يفهم التقاليد الموسيقية والثقافية المختلفة. تطلب هذا جهدًا ووقتًا كبيرين.
على الرغم من هذه التحديات، تمكن لاخمان من تحقيق إنجازات كبيرة في مجال علم الموسيقى. كانت مثابرته وتفانيه في عمله بمثابة مصدر إلهام للعديد من الباحثين. ساهمت أبحاثه في فهمنا للموسيقى الشرقية، وساعدت في الحفاظ على التراث الموسيقي للمجتمعات المتنوعة في العالم.
إرثه
ترك روبرت لاخمان إرثًا دائمًا في مجال علم الموسيقى. أولاً، أسس منهجية علمية لدراسة الموسيقى من الثقافات غير الأوروبية. ثانيًا، وثق الموسيقى الشرقية بشكل شامل، وساهم في الحفاظ على التراث الموسيقي للمنطقة. ثالثًا، ألهم جيلًا جديدًا من علماء الموسيقى لمواصلة عمله في هذا المجال. تُعتبر أبحاثه مرجعًا أساسيًا للباحثين في علم الموسيقى حتى يومنا هذا. لا تزال أعماله تدرس في الجامعات والمؤسسات التعليمية حول العالم.
توفي روبرت لاخمان في القدس في عام 1939 عن عمر يناهز 46 عامًا. على الرغم من وفاته المبكرة، إلا أن إرثه لا يزال حيًا. يستمر عمله في إلهام الباحثين والمهتمين بالموسيقى الشرقية والثقافة. ساهمت أبحاثه في تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات المختلفة، وساعدت في الحفاظ على التراث الموسيقي للعالم.
خاتمة
كان روبرت لاخمان عالم موسيقى بارزًا، ساهم بشكل كبير في دراسة الموسيقى الشرقية وتوثيقها. من خلال عمله الرائد في التسجيل الميداني، وتحليله الدقيق للموسيقى، وفهمه العميق للسياق الثقافي، ترك لاخمان إرثًا دائمًا في مجال علم الموسيقى. استمرت أبحاثه في إلهام الباحثين، وساهمت في فهمنا لتاريخ الموسيقى وتنوعها الثقافي. يُعد روبرت لاخمان شخصية رئيسية في تاريخ علم الموسيقى، وسيظل اسمه مرتبطًا بالتميز الأكاديمي والالتزام بالحفاظ على التراث الموسيقي العالمي.
المراجع
- Poché, Christian. “Robert Lachmann (1892–1939).”
- Grove Music Online
- The Israel Museum, Jerusalem.
- Arab Music and Musical Thought in the Jewish Community of Jerusalem
“`