أصل وتاريخ التونلماتل
يعود تاريخ الـ تونلماتل إلى عصور ما قبل كولومبوس في أمريكا الوسطى. على الرغم من أن النسخ المادية التي نجت حتى يومنا هذا تعود في الغالب إلى الفترة التي سبقت الغزو الإسباني، إلا أن الأدلة تشير إلى أن أصول هذا النظام تعود إلى فترة أقدم بكثير. يمثل الـ تونلماتل تطورًا طويل الأمد للمعرفة والطقوس التي تطورت عبر الحضارات المختلفة في المنطقة، بما في ذلك الأولميك والمايا والزابوتيك. مع صعود إمبراطورية الأزتك في القرن الرابع عشر، أصبح الـ تونلماتل أداة مركزية في نظامهم الديني والإداري.
استخدم الـ تونلماتل على نطاق واسع من قبل الكهنة، والمنجمين، والقادة السياسيين، الذين كانوا يعتمدون على تفسيراته لتوجيه جميع جوانب الحياة، من الزراعة إلى الحرب. كان يعتبر معرفة الـ تونلماتل ضرورية لضمان الازدهار والانسجام مع القوى الإلهية. كان الكهنة الذين يتقنون هذا النظام يتمتعون بمكانة اجتماعية عالية، حيث كان يُنظر إليهم على أنهم وسطاء بين البشر والآلهة.
بنية ووظائف التونلماتل
الـ تونلماتل هو تقويم دوري يتكون من 260 يومًا، مقسمة إلى 20 رمزًا أو “علامات” مختلفة، لكل منها معنى رمزي فريد. بالإضافة إلى ذلك، يتم ربط كل يوم برقم من 1 إلى 13، مما يخلق سلسلة من 260 مجموعة فريدة. هذه المجموعات، والمعروفة أيضًا باسم “المكونات” أو “الإشارات”، تشكل الأساس لتفسير الـ تونلماتل.
العلامات: تمثل الـ 20 علامة جوانب مختلفة من العالم الطبيعي والعناصر الأساسية للحياة. تشمل هذه العلامات رموزًا مثل “تمساح” (Cipactli)، و”ريح” (Ehecatl)، و”بيت” (Calli)، و”سحلية” (Cuetzpalin)، و”قصب” (Atl)، و”موت” (Miquiztli)، و”غزال” (Mazatl)، و”أرنب” (Tochtli)، و”ماء” (Atl)، و”كلب” (Itzcuintli)، و”قرد” (Ozomatli)، و”عشب” (Malinalli)، و”قصب” (Acatl)، و”جاغوار” (Ocelotl)، و”نسر” (Cuauhtli)، و”بومة” (Coatl)، و”حركة” (Ollin)، و”صوان” (Tecpatl)، و”مطر” (Quiahuitl)، و”زهرة” (Xochitl). لكل علامة مجموعة من الارتباطات الرمزية التي تؤثر على طاقة اليوم.
الأرقام: الأرقام من 1 إلى 13 تضاف إلى العلامات لتكوين الـ 260 يومًا في الـ تونلماتل. يمثل كل رقم طاقة مختلفة تؤثر على معنى اليوم. على سبيل المثال، الرقم 1 يمثل البدايات، والرقم 7 يمثل التوازن، والرقم 13 يمثل الاكتمال والانتهاء.
التفسير: كان الكهنة يستخدمون الـ تونلماتل لتحديد التواريخ الميمونة والغير ميمونة لأحداث مختلفة، مثل الزواج، والولادة، والحصاد، وبدء الحملات العسكرية. كما استخدموا الـ تونلماتل للتنبؤ بالمستقبل وتقديم المشورة للأفراد والقادة. كان تفسير الـ تونلماتل يتطلب معرفة عميقة بالرموز والأساطير والمعتقدات الدينية في ذلك الوقت.
أهمية التونلماتل في المجتمع الأزتكي
في المجتمع الأزتكي، لعب الـ تونلماتل دورًا مركزيًا في الحياة اليومية والطقوس الدينية. كان الكهنة، الذين يمتلكون المعرفة بهذا التقويم، يتمتعون بسلطة كبيرة. استخدموا الـ تونلماتل لتحديد التواريخ المناسبة للطقوس والاحتفالات، والتي كانت غالبًا مرتبطة بالزراعة والخصوبة والانتصارات العسكرية.
الاحتفالات والطقوس: ارتبط الـ تونلماتل بعدد كبير من الاحتفالات والطقوس الدينية. على سبيل المثال، استخدم لتحديد التواريخ المناسبة للاحتفالات السنوية، مثل مهرجان “توكسكاتل”، الذي كان يُكرّم فيه الإله “تيزكاتليبوكا”، وهو إله رئيسي في البانثيون الأزتكي. كما استخدم الـ تونلماتل لتحديد التواريخ التي يجب فيها تقديم القرابين، مثل القرابين البشرية، والتي كانت تعتبر ضرورية لإرضاء الآلهة والحفاظ على توازن الكون.
التعليم والتدريب: كان تعلم الـ تونلماتل عملية معقدة وطويلة. كان الكهنة الشباب يخضعون لتدريب مكثف في المدارس الدينية، حيث يتعلمون الرموز والأساطير، وكيفية تفسير التقويم. تضمنت عملية التدريب دراسة النصوص المقدسة، وتعلم الطقوس، وتعلم كيفية إجراء الحسابات الفلكية. كانت المعرفة بالـ تونلماتل جزءًا لا يتجزأ من مسيرة الكاهن، وكانت ضرورية للحفاظ على مكانته في المجتمع.
العلاقة مع التقويم الآخر: بالإضافة إلى الـ تونلماتل، استخدم الأزتيك تقويمًا آخر، وهو “الـ هاب”، وهو تقويم شمسي يتكون من 365 يومًا. تم دمج هذين التقويمين لإنشاء دورة أكبر تسمى “عجلة التقويم”، والتي استغرقت 52 عامًا. كان فهم العلاقة بين هذين التقويمين ضروريًا للتنبؤ بالأحداث على المدى الطويل.
تأثير الغزو الإسباني على التونلماتل
مع وصول الإسبان إلى المكسيك في القرن السادس عشر، تعرضت الحضارة الأزتكية لانهيار سريع. حظر الإسبان، الذين كانوا مسيحيين متعصبين، العديد من الممارسات الدينية الأصلية، بما في ذلك استخدام الـ تونلماتل. دمر الإسبان الكتب والمخطوطات التي تحتوي على هذه المعرفة، مما أدى إلى فقدان جزء كبير من التراث الثقافي الأزتكي. تمكن عدد قليل من الكهنة من الحفاظ على بعض المعرفة بالـ تونلماتل سرًا، ولكن مع مرور الوقت، تلاشت هذه المعرفة.
محاولات الحفاظ على المعرفة: على الرغم من القمع الإسباني، حاول بعض الأزتيك الحفاظ على معرفتهم بالـ تونلماتل. قاموا بنسخ بعض النصوص، ولكن غالبًا ما تم إخفاءها أو تعديلها لتجنب اكتشافها. استمر استخدام الـ تونلماتل بشكل سري في بعض المجتمعات، ولكن نطاقه تقلص بشكل كبير.
تأثير على الثقافة الحديثة: على الرغم من فقدان الكثير من المعرفة الأصلية، لا يزال الـ تونلماتل يلهم الفنانين والعلماء حتى اليوم. يمكن رؤية تأثيره في الفن والأدب والثقافة الشعبية. يواصل الباحثون دراسة بقايا النصوص والمخطوطات القديمة في محاولة لفهم الـ تونلماتل بشكل أفضل وإعادة بناء جزء من التراث الثقافي الأزتكي.
أمثلة على نصوص التونلماتل
نجت بعض الأمثلة على نصوص الـ تونلماتل حتى يومنا هذا، مما يوفر لنا نظرة ثاقبة على هذا النظام المعقد. تشمل هذه النصوص:
- كوديكس بوربونيكس: وهو مخطوطة ما قبل كولومبوس، تحتوي على معلومات حول الـ تونلماتل، والطقوس، والأعياد.
- كوديكس فيندوبونييس: وهو مخطوطة أخرى تتضمن تفاصيل حول الـ تونلماتل، بالإضافة إلى رسومات توضيحية.
- كوديكس فيرونييس: وهو مخطوطة تحتوي على معلومات حول الـ تونلماتل والتقاويم الأخرى المستخدمة في المكسيك القديمة.
تُظهر هذه النصوص التعقيد والجمال البصري للـ تونلماتل، بالإضافة إلى أهميته الثقافية والدينية.
التونلماتل اليوم
على الرغم من أن الـ تونلماتل لم يعد مستخدمًا على نطاق واسع كما كان في السابق، إلا أنه لا يزال يحظى باهتمام كبير. يدرس الباحثون الرموز والأنظمة المعقدة للـ تونلماتل، بينما يشارك الفنانون والحرفيون في إحياء التقاليد القديمة. أصبح الـ تونلماتل رمزًا مهمًا للتراث الثقافي في المكسيك وأجزاء أخرى من العالم.
إعادة إحياء واستخدام معاصر: في السنوات الأخيرة، ظهرت محاولات لإحياء استخدام الـ تونلماتل. يعتمد بعض الأشخاص على تفسيرات معاصرة للتقويم، ويسعون إلى استخدامه كأداة للتأمل الذاتي والتخطيط. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن هذه التفسيرات غالبًا ما تختلف عن التفسيرات الأصلية للكهنة الأزتيك.
التراث الثقافي والسياحة: يلعب الـ تونلماتل دورًا مهمًا في السياحة الثقافية في المكسيك. يمكن للزوار زيارة المتاحف والمواقع الأثرية، والتعرف على الـ تونلماتل من خلال المعارض والبرامج التعليمية. يساعد هذا في الحفاظ على الوعي بالتراث الثقافي الغني في المنطقة.
خاتمة
الـ تونلماتل هو نظام تقويمي تنبؤي معقد كان له دور محوري في الحياة الدينية والاجتماعية لشعوب وسط المكسيك القديمة، وخاصة الأزتك. قدم هذا التقويم إطارًا لفهم الكون، وتحديد الأوقات الميمونة، والتواصل مع الآلهة. على الرغم من تدميره إلى حد كبير من قبل الغزو الإسباني، إلا أن الـ تونلماتل لا يزال يلهم الفنانين والعلماء والمهتمين بالتراث الثقافي في جميع أنحاء العالم. يعتبر الـ تونلماتل رمزًا مهمًا للتراث الثقافي للمكسيك، ويمثل شهادة على التفكير الإبداعي والروحانية لشعوب ما قبل كولومبوس.
المراجع
- موسوعة بريتانيكا – تونلماتل
- موقع مكسيكولور – التونلماتل
- ويكيبيديا – تونالبوهالي (النسخة الإنجليزية)
- الموسوعة التاريخية القديمة – تونالبوهالي (النسخة الإنجليزية)
“`