مجمع فوتيوس (Photian Council)

خلفية تاريخية

في منتصف القرن التاسع، شهدت الإمبراطورية البيزنطية صراعات سياسية ودينية أدت إلى انقسامات داخل الكنيسة. كان البطريرك فوتيوس شخصية مركزية في هذه الأحداث، حيث شغل منصب بطريرك القسطنطينية مرتين، وواجه معارضة من البابا نيكولاس الأول في روما.

كان فوتيوس عالمًا بارزًا وكاتبًا ذا موهبة، ولكنه أصبح شخصية مثيرة للجدل بسبب صعوده السريع إلى السلطة وإدانة البابا له. أدت هذه الصراعات إلى عقد عدة مجامع كنسية في محاولة لحل النزاعات وتحديد العقيدة الصحيحة.

مجمع القسطنطينية (861)

عُقد هذا المجمع في القسطنطينية عام 861، وكان يهدف إلى تأكيد انتخاب فوتيوس كبطريرك. شارك فيه ممثلون عن البابا، لكنهم سحبوا مشاركتهم لاحقًا. أصدر المجمع قرارات تدعم فوتيوس وتدين معارضيه.

أهمية هذا المجمع تكمن في أنه رسخ سيطرة فوتيوس على الكنيسة البيزنطية، وأدى إلى تفاقم التوتر بين القسطنطينية وروما.

مجمع القسطنطينية (867)

في عام 867، عُقد مجمع آخر في القسطنطينية، هذه المرة تحت قيادة الإمبراطور ميخائيل الثالث. أدان هذا المجمع البابا نيكولاس الأول وأعلن عزله، كما أعلن فوتيوس بطريركًا شرعيًا. اتهم المجمع الغرب بالهرطقة بسبب إدخال عبارة “الفيلوك” (Filioque) في قانون الإيمان النيقاوي، وهي مسألة تتعلق بانبثاق الروح القدس.

نتائج هذا المجمع كانت وخيمة، فقد أدت إلى انقسام أعمق بين الشرق والغرب، وأدت إلى تبادل الاتهامات واللعنات.

مجمع القسطنطينية (869-870)

بعد اغتيال ميخائيل الثالث ووصول باسيل الأول إلى السلطة، تم عزل فوتيوس مرة أخرى. عُقد مجمع جديد في القسطنطينية بين عامي 869 و 870، وأدان فوتيوس وأيد البابا. اعتبر هذا المجمع من قبل الكنيسة الغربية بأنه المجمع المسكوني الثامن.

أهداف هذا المجمع كانت استعادة السلام بين الشرق والغرب، وإعادة البطريرك إغناطيوس إلى منصبه. ومع ذلك، لم يؤدِ هذا المجمع إلى حل دائم للنزاعات.

مجمع القسطنطينية (879-880)

بعد وفاة إغناطيوس وإعادة فوتيوس إلى منصب البطريرك، عُقد مجمع آخر في القسطنطينية بين عامي 879 و 880. أعاد هذا المجمع تأكيد فوتيوس، وألغى قرارات المجمع السابق (869-870). اعتبر هذا المجمع من قبل الكنيسة الشرقية بأنه المجمع المسكوني الثامن.

نتائج هذا المجمع كانت بمثابة تسوية مؤقتة، حيث أعادت الوحدة بين الشرق والغرب لفترة وجيزة. ومع ذلك، بقيت الخلافات اللاهوتية قائمة، مما أدى في النهاية إلى الانقسام النهائي بين الكنيستين الشرقية والغربية في عام 1054.

القضايا اللاهوتية الرئيسية

أثارت مجامع فوتيوس عدة قضايا لاهوتية رئيسية أدت إلى تفاقم الصراع بين الشرق والغرب:

الفيلوك (Filioque): وهي مسألة تتعلق بانبثاق الروح القدس. يرى الغرب أن الروح القدس تنبثق من الآب والابن (Filioque)، بينما يرى الشرق أنها تنبثق من الآب فقط.
سلطة البابا: اختلف الشرق والغرب حول سلطة البابا في روما. اعتبر الغرب أن البابا هو رأس الكنيسة المسيحية بأسرها، بينما اعتبر الشرق أن البطريرك في القسطنطينية يتمتع بسلطة متساوية مع البابا.
الممارسات الطقسية: اختلفت الممارسات الطقسية بين الشرق والغرب في بعض الجوانب، مثل استخدام الخبز غير المخمر في القربان المقدس.

أدت هذه الاختلافات اللاهوتية إلى توتر العلاقات بين الشرق والغرب، وساهمت في الانقسام النهائي للكنيسة المسيحية.

أهمية مجامع فوتيوس

تعتبر مجامع فوتيوس أحداثًا تاريخية مهمة، لأنها:

شكلت العلاقات بين الشرق والغرب: ساهمت هذه المجامع في تشكيل العلاقات بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية، وأدت إلى انقسامات وتعاونات.
أثرت على العقيدة المسيحية: ناقشت هذه المجامع قضايا لاهوتية مهمة، وأثرت على تطور العقيدة المسيحية.
عكست الصراعات السياسية: عكست هذه المجامع الصراعات السياسية بين الإمبراطورية البيزنطية والبابوية.
مهدت للانقسام العظيم: مهدت هذه المجامع للانقسام النهائي بين الكنيستين الشرقية والغربية في عام 1054.

إن فهم مجامع فوتيوس يساعدنا على فهم تاريخ الكنيسة المسيحية والعلاقات بين الشرق والغرب.

تأثير فوتيوس

كان فوتيوس شخصية بارزة في عصره، وكان له تأثير كبير على الكنيسة البيزنطية. على الرغم من الجدل الذي أحاط به، إلا أنه كان عالمًا وكاتبًا مهمًا.

إسهاماته العلمية: ترك فوتيوس إسهامات كبيرة في الأدب والفلسفة واللاهوت.
دفاعه عن الكنيسة الشرقية: دافع فوتيوس عن استقلالية الكنيسة الشرقية في مواجهة محاولات السيطرة الغربية.
تأثيره على اللاهوت الشرقي: أثرت أفكار فوتيوس على تطور اللاهوت الشرقي.

على الرغم من الجدل حول شخصيته، إلا أن فوتيوس كان شخصية مؤثرة في تاريخ الكنيسة المسيحية.

الميراث

ترك مجمع فوتيوس إرثًا دائمًا على الكنيسة المسيحية. لا يزال موضوعًا للدراسة والنقاش حتى يومنا هذا.

إعادة تقييم فوتيوس: على مر القرون، حاول المؤرخون وعلماء اللاهوت إعادة تقييم شخصية فوتيوس وتقييم إسهاماته. يرى البعض أنه كان مدافعًا عن الأرثوذكسية الشرقية، بينما يراه آخرون شخصية مثيرة للجدل.

أهمية دراسة مجامع فوتيوس: تتيح لنا دراسة مجامع فوتيوس فهم تاريخ الكنيسة المسيحية والعلاقات بين الشرق والغرب بشكل أفضل. كما أنها تعلمنا عن أهمية الحوار اللاهوتي واحترام الاختلافات.

خاتمة

مجامع فوتيوس هي سلسلة من المجامع الكنسية التي عقدت في القرن التاسع الميلادي، والتي تركت بصمة عميقة على تاريخ الكنيسة المسيحية. مثلت هذه المجامع صراعات سياسية ودينية، وأدت إلى انقسامات وتوتر في العلاقات بين الشرق والغرب المسيحي. على الرغم من الجدل الذي أحاط بها، إلا أن مجامع فوتيوس ساهمت في تشكيل العقيدة المسيحية، وتحديد مسار الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية.

المراجع

“`