<![CDATA[
نشأته وبداياته
ولد تيري هاندز في 9 يناير 1941 في أكتون، لندن. بدأ اهتمامه بالمسرح في سن مبكرة، وتلقى تعليمه في مدرسة كينغستون النحوية. خلال دراسته، شارك في العديد من الأنشطة المسرحية المدرسية التي ساهمت في صقل موهبته وشغفه بالفن الدرامي. بعد الانتهاء من دراسته الثانوية، التحق هاندز بجامعة برمنغهام لدراسة الأدب الإنجليزي، حيث واصل نشاطه المسرحي وشارك في العديد من الإنتاجات الجامعية، مما ساعده على اكتساب الخبرة والتعرف على مختلف جوانب العمل المسرحي.
بدأت مسيرته المهنية في أوائل الستينيات، حيث عمل في عدد من المسارح الإقليمية قبل أن يحقق شهرة واسعة. كان يعتقد أن المسرح يجب أن يكون في متناول الجميع، وأن يعكس قضايا المجتمع وهمومه. هذا التوجه جعله يبحث دائمًا عن طرق جديدة للتعبير عن أفكاره ورؤيته الفنية. تأثر هاندز بالعديد من المخرجين والممثلين، واستلهم من تجاربهم لبلورة أسلوبه الخاص.
تأسيسه لـ”ليفربول إيفنينج”
في عام 1964، أسس تيري هاندز فرقة “ليفربول إيفنينج” المسرحية، والتي أصبحت فيما بعد واحدة من أهم الفرق المسرحية في بريطانيا. كان هدف هاندز من تأسيس هذه الفرقة هو تقديم مسرح بديل يعبر عن الواقع الاجتماعي والثقافي لمدينة ليفربول. قدمت الفرقة مجموعة متنوعة من الأعمال، بما في ذلك الأعمال الكلاسيكية والمعاصرة، وقدمت عروضًا حازت على إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء.
تميزت “ليفربول إيفنينج” بأساليبها الإخراجية المبتكرة، واستخدامها للموسيقى والإضاءة والديكور لخلق تجارب مسرحية غامرة. كما ساهمت الفرقة في اكتشاف ورعاية العديد من المواهب الشابة في مجال المسرح. من خلال “ليفربول إيفنينج”، استطاع هاندز أن يبرز كواحد من أبرز المخرجين المسرحيين في عصره.
مسيرته المهنية في “الجمعية الملكية للشكسبير”
انضم تيري هاندز إلى “الجمعية الملكية للشكسبير” (RSC) في عام 1963، وعمل فيها لفترة طويلة. شغل منصب المدير الفني للجمعية من عام 1978 إلى عام 1991، وهي فترة شهدت ازدهارًا فنيًا كبيرًا للجمعية. خلال فترة إدارته، قام هاندز بإخراج عدد كبير من مسرحيات شكسبير، بالإضافة إلى أعمال أخرى لكتاب مسرحيين معاصرين.
كانت رؤية هاندز للجمعية الملكية للشكسبير تقوم على تقديم مسرح يجمع بين التقاليد والحداثة، ويعكس التنوع الثقافي للمجتمع. اهتم بتطوير المواهب الشابة، وتوسيع نطاق جمهور الجمعية من خلال تقديم عروض جذابة ومتنوعة. تحت قيادته، حققت الجمعية الملكية للشكسبير نجاحات كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي.
من أبرز إنجازاته في الجمعية الملكية للشكسبير، إخراجه لسلسلة من مسرحيات شكسبير، مثل “هنري الرابع” و”هنري الخامس” و”روميو وجولييت”. تميزت هذه الإنتاجات بأساليبها الإخراجية المبتكرة، وتقديمها لشخصيات شكسبير بطرق جديدة ومثيرة. بالإضافة إلى ذلك، قام هاندز بإخراج أعمال لكتاب مسرحيين معاصرين، مثل “الآلام الثلاثة” لإدوارد بوند.
أعماله وإسهاماته الأخرى
بالإضافة إلى عمله في “ليفربول إيفنينج” والجمعية الملكية للشكسبير، أخرج تيري هاندز عددًا كبيرًا من المسرحيات في مسارح مختلفة حول العالم. كان له تأثير كبير على العديد من المخرجين والممثلين، الذين استلهموا من أسلوبه الإبداعي ورؤيته الفنية.
تميزت أعمال هاندز بالبحث عن العمق الإنساني، وتقديم رؤى جديدة ومثيرة للأعمال الكلاسيكية. كان يهتم بالتفاصيل، ويعمل بجد لإبراز جماليات النص المسرحي. كما كان يؤمن بأهمية التعاون بين المخرج والممثلين، ويعمل على خلق بيئة إبداعية تشجع على التجريب والابتكار.
من بين مسرحياته البارزة الأخرى: “الملك لير”، “ماكبث”، “حلم ليلة منتصف الصيف”، و”فيلينا”. وقد حصل على العديد من الجوائز والتكريمات على إسهاماته في المسرح، بما في ذلك جائزة لورانس أوليفيه وجائزة جمعية نقاد المسرح.
أسلوبه الإخراجي
تميز أسلوب تيري هاندز الإخراجي بالجرأة والإبداع. كان يهدف إلى تقديم مسرح حيوي ومثير، يثير التفكير ويلامس القلوب. استخدم تقنيات إخراجية متنوعة، بما في ذلك استخدام الموسيقى والإضاءة والديكور لخلق أجواء مسرحية فريدة. كان يؤمن بأهمية التفاعل بين الممثلين والجمهور، ويسعى دائمًا إلى خلق تجارب مسرحية غامرة.
كان هاندز يهتم بتفاصيل الشخصيات، ويعمل على إبراز الجوانب الإنسانية فيها. كان يوجه الممثلين للبحث عن أعماق الشخصيات، وتقديم أداء يجمع بين الدقة والعاطفة. كما كان يهتم بالتواصل البصري، واستخدام الألوان والإضاءة لخلق تأثيرات درامية قوية.
كان أسلوبه الإخراجي يتسم بالمرونة والتكيف، وقدرته على التعامل مع مختلف النصوص والأنماط المسرحية. سواء كان يعمل على مسرحيات شكسبير الكلاسيكية أو على أعمال معاصرة، كان يحرص على تقديم رؤية فنية جديدة ومبتكرة.
إرثه وتأثيره
ترك تيري هاندز إرثًا فنيًا عظيمًا، وأثرًا كبيرًا على عالم المسرح. يعتبر واحدًا من أبرز المخرجين المسرحيين في القرن العشرين، وساهم في تطوير المسرح البريطاني والعالمي. ألهمت أعماله العديد من المخرجين والممثلين، الذين استلهموا من أسلوبه الإبداعي ورؤيته الفنية.
لا يزال تأثيره ملموسًا في المسارح حول العالم. تستمر الفرق المسرحية في تقديم أعماله، وتستفيد من رؤيته الإخراجية المتميزة. كما أن العديد من طلابه وتلاميذه يواصلون مسيرته في مجال المسرح، ويعملون على نشر رؤيته الفنية.
يعتبر تيري هاندز مثالًا للمخرج المبدع الذي كرس حياته للفن، وساهم في إثراء الثقافة الإنسانية. كان شخصية مؤثرة ومحترمة في عالم المسرح، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ.
وفاته
توفي تيري هاندز في 4 فبراير 2020 عن عمر يناهز 79 عامًا. فقد المسرح العالمي واحدًا من أبرز رواده، وترك رحيله فراغًا كبيرًا في عالم الفن. لكن إرثه الفني سيظل حيًا، وستظل أعماله تلهم الأجيال القادمة.
خاتمة
تيرنس ديفيد هاندز، المخرج المسرحي الإنجليزي المتميز، ترك بصمة لا تُمحى في عالم المسرح. من خلال تأسيسه لـ”ليفربول إيفنينج” وقيادته للجمعية الملكية للشكسبير، قدم هاندز إسهامات كبيرة في تطوير المسرح الحديث. تميزت أعماله بالإبداع والابتكار، وإعادة تقديم الكلاسيكيات والمعاصرات بأساليب فريدة. أسلوبه الإخراجي الجريء وإصراره على البحث عن العمق الإنساني، جعلا منه شخصية مؤثرة ومحترمة في عالم الفن. إرثه الفني سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.