قانون إيميرت (Emmert’s Law)

أساسيات قانون إيميرت

يرتكز قانون إيميرت على فكرة أن حجم الصورة على شبكية العين يتناسب عكسيًا مع المسافة. بمعنى آخر، كلما كان الشيء أبعد، صغرت صورته على شبكية العين. ومع ذلك، فإننا لا ندرك الأشياء على أنها تتغير في الحجم بشكل كبير كلما تحركت بعيدًا عنا. هذا لأن الدماغ يأخذ في الاعتبار المسافة بيننا وبين الشيء عند تقدير حجمه.

لنفترض أن لديك عملة معدنية، قمت بوضعها على بعد متر واحد منك. ستظهر صورة هذه العملة على شبكية عينك بحجم معين. الآن، إذا أخذت نفس العملة المعدنية ووضعتها على بعد مترين منك، ستظهر صورتها على شبكية عينك أصغر. ومع ذلك، إذا نظرت إلى العملة المعدنية في كلا الموقفين، فمن المحتمل أن تدركها بنفس الحجم تقريبًا. هذا هو جوهر قانون إيميرت: الدماغ يصحح حجم الشيء المدرك بناءً على المسافة، مما يحافظ على إدراكنا لحجم الشيء ثابتًا نسبيًا.

العوامل المؤثرة في إدراك الحجم

يؤثر قانون إيميرت في إدراكنا للحجم بعدة طرق. على سبيل المثال، إذا رأينا شيئًا يبدو لنا مألوفًا، فإننا نعتمد على خبرتنا السابقة لتحديد حجمه. إذا عرفنا أن الشيء عادة ما يكون كبيرًا، فإننا ندركه على أنه كبير، حتى لو ظهرت صورته على شبكية العين صغيرة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الإشارات البصرية الأخرى، مثل المنظور والظلال، دورًا في إدراكنا للحجم.

المنظور هو إشارة بصرية مهمة تؤثر في إدراكنا للحجم. عندما نرى خطوطًا متوازية تتقارب في المسافة، فإننا ندرك أن هذه الخطوط تبعد عنا. هذا يساعدنا على تحديد حجم الأشياء الموجودة على طول هذه الخطوط. على سبيل المثال، يمكننا أن ندرك أن الأشجار الموجودة على طول طريق طويل تبدو أصغر كلما ابتعدت، ولكننا نعرف أنها في الواقع بنفس الحجم تقريبًا.

الظلال هي إشارة بصرية أخرى تساعدنا على إدراك الحجم. تساعدنا الظلال على تحديد شكل وحجم الأشياء، وتوفر معلومات حول المسافة. عندما نرى ظلًا كبيرًا، فإننا ندرك أن الشيء الذي يلقي الظل كبير. عندما نرى ظلًا صغيرًا، فإننا ندرك أن الشيء الذي يلقي الظل صغير.

التجارب والدراسات حول قانون إيميرت

أُجريت العديد من التجارب والدراسات لدعم قانون إيميرت. في إحدى التجارب الكلاسيكية، يُطلب من المشاركين النظر إلى دائرة مضاءة على شاشة. ثم يُطلب منهم تقدير حجم الدائرة عند مسافات مختلفة. أظهرت النتائج أن المشاركين أدركوا الدائرة على أنها أكبر كلما ابتعدت عنهم، على الرغم من أن حجم الصورة على شبكية العين كان هو نفسه. هذا يدعم فكرة أن الدماغ يصحح حجم الشيء المدرك بناءً على المسافة.

في تجربة أخرى، طُلب من المشاركين النظر إلى صورة لشخص يقف في غرفة. ثم طُلب منهم تقدير حجم الشخص. أظهرت النتائج أن المشاركين أدركوا الشخص على أنه أصغر كلما بدا أنه أبعد في الغرفة. هذا يوضح كيف يؤثر المنظور والإشارات البصرية الأخرى في إدراكنا للحجم.

التطبيقات العملية لقانون إيميرت

لقانون إيميرت تطبيقات عملية في مجالات مختلفة، بما في ذلك:

• الفن: يستخدم الفنانون قانون إيميرت لإنشاء أعمال فنية واقعية. من خلال فهم كيفية إدراك الناس للحجم، يمكن للفنانين استخدام المنظور والظلال لخلق وهم العمق والحجم.
• التصميم: يستخدم المصممون قانون إيميرت لإنشاء تصميمات فعالة. على سبيل المثال، في تصميم المواقع الإلكترونية، يمكن للمصممين استخدام حجم الخطوط والأشياء لخلق وهم بالمسافة والعمق.
• علم النفس: يساعدنا قانون إيميرت على فهم كيفية عمل الدماغ. من خلال دراسة كيفية إدراك الناس للحجم، يمكن للباحثين معرفة المزيد عن كيفية معالجة الدماغ للمعلومات البصرية.

أمثلة على قانون إيميرت في الحياة اليومية

يمكن ملاحظة قانون إيميرت في العديد من المواقف في الحياة اليومية:

• عندما نرى طائرة تطير في السماء، فإننا ندرك أنها كبيرة على الرغم من أن صورتها على شبكية العين صغيرة جدًا. هذا لأننا نعرف أن الطائرات كبيرة، والدماغ يأخذ في الاعتبار المسافة.
• عندما ننظر إلى قطار يتحرك بعيدًا عنا، فإننا ندرك أن حجمه لا يتغير بشكل كبير، على الرغم من أن صورته على شبكية العين تصغر. هذا لأن الدماغ يأخذ في الاعتبار المسافة.
• عندما نرى شخصًا يمشي في الشارع، فإننا ندرك أنه بنفس الحجم تقريبًا بغض النظر عن المسافة. هذا لأن الدماغ يعوض عن التغيرات في حجم الصورة على شبكية العين بناءً على المسافة.

العلاقة بين قانون إيميرت والخدع البصرية

يلعب قانون إيميرت دورًا مهمًا في العديد من الخدع البصرية. على سبيل المثال، في خداع “غرفة إيمز”، تبدو الأشياء الموجودة في الغرفة ذات الشكل غير المنتظم بالحجم الطبيعي، على الرغم من أن أحجامها الفعلية مختلفة. يعود هذا إلى أن الغرفة مصممة لخداع الدماغ، مما يجعله يعتقد أن الأشياء على مسافات مختلفة عندما تكون في الواقع على نفس المسافة. يؤثر قانون إيميرت هنا من خلال التلاعب بالإشارات البصرية (مثل المنظور) لخداع الدماغ.

هناك خدع بصرية أخرى تعتمد على قانون إيميرت، مثل خداع القمر. يبدو القمر أكبر عندما يكون بالقرب من الأفق منه عندما يكون في السماء في منتصف النهار. هذا يرجع إلى أن الدماغ يقارن القمر بالأشياء الموجودة على الأرض، مثل الأشجار والمباني، والتي تعطي إشارات حول المسافة.

العلاقة مع مفاهيم أخرى في علم النفس

يرتبط قانون إيميرت بمفاهيم أخرى في علم النفس الإدراكي، مثل إدراك العمق وثبات الإدراك. يساعدنا إدراك العمق على تقدير المسافة بيننا وبين الأشياء، بينما يساعدنا ثبات الإدراك على إدراك الأشياء على أنها ثابتة في الحجم والشكل واللون على الرغم من التغيرات في الإشارات الحسية. قانون إيميرت هو مثال على ثبات الإدراك، حيث يتيح لنا إدراك حجم الأشياء ثابتًا نسبيًا على الرغم من التغيرات في حجم الصورة على شبكية العين.

كما يرتبط قانون إيميرت بنظرية الإدراك الحسي، والتي تشير إلى أن إدراكنا للعالم يعتمد على المعلومات التي تجمعها الحواس، بالإضافة إلى المعرفة والخبرة السابقة. يوضح قانون إيميرت كيف يجمع الدماغ بين المعلومات الحسية (مثل حجم الصورة على شبكية العين) والمعرفة السابقة (مثل حجم الأشياء المألوفة) لإنشاء إدراكنا للحجم.

حدود قانون إيميرت

على الرغم من أن قانون إيميرت يقدم شرحًا مفيدًا لكيفية إدراكنا للحجم، إلا أنه لا يفسر جميع جوانب إدراك الحجم. هناك عوامل أخرى يمكن أن تؤثر في إدراكنا للحجم، مثل:

• الحالة النفسية: يمكن أن تؤثر المشاعر والحالات النفسية الأخرى في إدراكنا للحجم.
• الإضاءة: يمكن أن تؤثر الإضاءة على كيفية إدراكنا للحجم. على سبيل المثال، قد تبدو الأشياء في الإضاءة الخافتة أكبر مما تبدو عليه في الإضاءة الساطعة.
• الخبرة السابقة: يمكن أن تؤثر خبرتنا السابقة مع الأشياء في إدراكنا للحجم.

خاتمة

قانون إيميرت هو مبدأ أساسي في علم النفس الإدراكي يفسر كيف ندرك حجم الأشياء بناءً على بعدها عنا. يوضح هذا القانون كيف يصحح الدماغ حجم الشيء المدرك بناءً على المسافة، مما يتيح لنا إدراك حجم الأشياء ثابتًا نسبيًا. يوضح القانون دور الدماغ في تفسير المعلومات البصرية، وكيفية استخدامنا للإشارات البصرية مثل المنظور والظلال لتقدير الحجم. لقانون إيميرت تطبيقات عملية في الفن والتصميم وعلم النفس، ويلعب دورًا في الخدع البصرية. على الرغم من أنه لا يفسر جميع جوانب إدراك الحجم، إلا أنه يوفر فهمًا قيمًا للعلاقة المعقدة بين الرؤية والإدراك.

المراجع

• Emmert’s law – Wikipedia
• Emmert’s Law – Simply Psychology
• Emmert’s law – Britannica
• Emmert’s Law – iResearchNet

“`