<![CDATA[
التصميم والتطوير
بدأ تصميم الطرادات من فئة كنارياس في أواخر عشرينيات القرن العشرين، كجزء من برنامج التحديث الذي أطلقته البحرية الإسبانية بعد الحرب العالمية الأولى. كان الهدف هو الحصول على سفن قادرة على المنافسة مع القوى البحرية الأخرى، وخاصةً فرنسا وإيطاليا، اللتين كانتا تمتلكان طرادات ثقيلة متطورة. تأثر التصميم بشكل كبير بالطرادات الثقيلة الأمريكية من فئة “بينساكولا”، ولكن مع بعض التعديلات لتناسب المتطلبات الإسبانية.
تم بناء السفينتين في أحواض بناء السفن الإسبانية، مع الاستعانة ببعض الخبرات الأجنبية، وخاصةً من إيطاليا. استغرق بناء كل سفينة عدة سنوات، بسبب التعقيد التقني والتحديات الاقتصادية التي واجهتها إسبانيا في تلك الفترة. تميز التصميم بتركيز كبير على قوة النيران والحماية، مما جعل هذه السفن من بين الأقوى في فئتها.
المواصفات الفنية
كانت سفن فئة كنارياس ذات حجم كبير، حيث بلغ طول كل سفينة حوالي 194 مترًا وعرضها 20 مترًا. كان الإزاحة القياسية للسفينة حوالي 10,000 طن، بينما بلغت الإزاحة القصوى مع الحمولة الكاملة حوالي 13,000 طن. كان الطاقم يتألف من حوالي 800 إلى 900 ضابط وبحار.
التسليح الرئيسي: كان يتألف من ثمانية مدافع عيار 203 ملم (8 بوصات) مثبتة في أربعة أبراج مزدوجة. كانت هذه المدافع قادرة على إطلاق قذائف شديدة الانفجار لمسافات طويلة، مما جعل السفن قادرة على الاشتباك مع السفن المعادية على مسافات بعيدة.
التسليح الثانوي: تضمن 12 مدفعًا مضادًا للطائرات عيار 120 ملم، بالإضافة إلى عدد من المدافع الرشاشة المضادة للطائرات عيار 40 ملم و 20 ملم. كان هذا التسليح يهدف إلى توفير الحماية من الهجمات الجوية، والتي أصبحت تشكل تهديدًا متزايدًا للسفن الحربية في تلك الفترة.
الحماية: تميزت السفن بدرع سميك لحماية الهيكل والأبراج الحاملة للمدافع. كان الدرع الجانبي يبلغ سمكه حوالي 100 ملم، بينما كان درع سطح السفينة يبلغ سمكه حوالي 30 ملم. بالإضافة إلى ذلك، تم تجهيز السفن بنظام حماية تحت الماء لحمايتها من الطوربيدات.
المحركات: كانت تعمل بمحركات بخارية توربينية، مما سمح لها بالوصول إلى سرعة قصوى تبلغ حوالي 33 عقدة (61 كم/ساعة). كان لديها أيضًا مدى إبحار كبير، مما سمح لها بالعمل في المحيطات والبحار على نطاق واسع.
الخدمة في الحرب الأهلية الإسبانية
شهدت سفن فئة كنارياس الخدمة الفعلية خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). كانت السفن تابعة للقوات البحرية الموالية للقوميين بقيادة الجنرال فرانكو، ولعبت دورًا حاسمًا في السيطرة على البحر الأبيض المتوسط، وتقديم الدعم للقوات البرية القومية. قامت السفن بقصف المدن الساحلية الموالية للحكومة الجمهورية، ومرافقة السفن التي تنقل الإمدادات والجنود إلى الجبهة.
“كنارياس”: شاركت في العديد من العمليات القتالية، بما في ذلك قصف فالنسيا وقرطاجنة. كانت تعتبر السفينة الرئيسية في الأسطول القومي، وكانت تحمل علم القيادة. نجت من الحرب الأهلية، وأكملت خدمتها في البحرية الإسبانية بعد الحرب.
“بالياريس”: غرقت في مارس 1938، بعد أن أصيبت بطوربيد من قبل مدمرات جمهورية في معركة كيب بالوس. كان غرق “بالياريس” خسارة كبيرة للقوميين، وفقدت خلالها العديد من الأرواح. كانت هذه المعركة من أكبر المعارك البحرية خلال الحرب الأهلية الإسبانية.
خلال الحرب الأهلية، أظهرت السفن قوة نيرانها وقدرتها على التحمل، ولكنها عانت أيضًا من بعض المشاكل التشغيلية، مثل نقص قطع الغيار والوقود. ومع ذلك، كانت السفن حاسمة في تحقيق النصر للقوميين.
التعديلات والتحسينات
بعد الحرب الأهلية، خضعت سفينة “كنارياس” لبعض التعديلات والتحسينات لتحسين قدراتها القتالية. شملت هذه التعديلات: تحسين نظام التحكم في النيران، وإضافة المزيد من المدافع المضادة للطائرات، وتحسين نظام الرادار. استمرت السفينة في الخدمة حتى أواخر الستينيات.
شملت التعديلات أيضًا تحسينات في الإقامة لطاقم السفينة، وتحسين نظام التكييف، وتوفير مساحة إضافية لتخزين المؤن والإمدادات. كانت هذه التحسينات تهدف إلى زيادة راحة وكفاءة الطاقم خلال العمليات الطويلة.
الخدمة بعد الحرب العالمية الثانية
بعد الحرب العالمية الثانية، بقيت “كنارياس” في الخدمة كجزء من البحرية الإسبانية. شاركت في العديد من التدريبات والمناورات مع القوات البحرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو). كانت السفينة تمثل رمزًا للقوة البحرية الإسبانية، وكانت تستخدم في استعراض العلم في الموانئ الأجنبية.
على الرغم من التقدم التكنولوجي في مجال تصميم السفن الحربية، إلا أن “كنارياس” ظلت في الخدمة لفترة طويلة نسبيًا. تم سحبها من الخدمة في عام 1975، وتم تفكيكها في وقت لاحق.
الأهمية التاريخية
تعتبر سفن فئة كنارياس من بين أهم السفن الحربية في تاريخ البحرية الإسبانية. لعبت دورًا حاسمًا في الحرب الأهلية الإسبانية، وساهمت في تشكيل مسار الحرب. كانت السفن تمثل أيضًا تقدمًا كبيرًا في تصميم السفن الحربية الإسبانية، وكانت بمثابة رمز للفخر الوطني. لا تزال هذه السفن تحظى بتقدير كبير في إسبانيا، ويتم تذكرها في العديد من المتاحف والاحتفالات.
تمثل سفن فئة كنارياس مثالًا على التطورات التي شهدتها تصميمات السفن الحربية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وتجسد التوازن بين قوة النيران والحماية والسرعة. إنها تذكير بالدور الهام الذي لعبته البحرية في تاريخ إسبانيا.
المقارنة مع الطرادات الأخرى
عند مقارنة طرادات فئة كنارياس بالطرادات الثقيلة الأخرى في تلك الفترة، نجد أنها كانت في مستوى جيد من حيث التسليح والحماية. على سبيل المثال، كانت مدافعها عيار 203 ملم مماثلة لتلك المستخدمة في الطرادات الأمريكية والبريطانية والإيطالية. ومع ذلك، كان لديها بعض العيوب، مثل سرعة أقل مقارنة ببعض الطرادات الأخرى.
بالمقارنة مع الطرادات الأمريكية من فئة “بينساكولا”، التي استند إليها تصميم كنارياس، كانت كنارياس تتمتع بحماية أفضل، ولكنها كانت أبطأ. بالمقارنة مع الطرادات الإيطالية، كانت كنارياس تتمتع بتسليح مماثل، ولكنها كانت أقل سرعة.
بشكل عام، كانت طرادات فئة كنارياس تمثل قوة بحرية كبيرة، وكانت قادرة على المنافسة مع الطرادات الثقيلة الأخرى في تلك الفترة.
التأثير والتراث
تركت سفن فئة كنارياس إرثًا دائمًا في تاريخ البحرية الإسبانية. لا تزال صورها ونماذجها معروضة في المتاحف البحرية الإسبانية، وهي جزء من الثقافة الشعبية في إسبانيا. تمثل السفن رمزًا للقوة البحرية الإسبانية والفخر الوطني.
لقد ألهمت هذه السفن العديد من الكتاب والفنانين، ولا تزال تحظى باهتمام واسع من قبل هواة التاريخ البحري. يتم البحث عن صور ووثائق هذه السفن، وتستخدم كنماذج في العديد من الألعاب والأفلام الوثائقية.
التفاصيل الإضافية
“كنارياس” (Canarias): تم إطلاقها في عام 1931، ودخلت الخدمة في عام 1936. نجت من الحرب الأهلية الإسبانية، واستمرت في الخدمة حتى عام 1975. شاركت في العديد من العمليات، بما في ذلك مرافقة القوافل خلال الحرب العالمية الثانية.
“بالياريس” (Baleares): تم إطلاقها في عام 1928، ودخلت الخدمة في عام 1930. غرقت في معركة كيب بالوس في عام 1938، بعد أن أصيبت بطوربيد. كان غرقها خسارة كبيرة للقوات القومية.
شهدت سفن فئة كنارياس العديد من التغييرات والتعديلات على مدار خدمتها، بهدف تحسين أدائها وقدرتها على البقاء. تم تركيب أنظمة رادار جديدة، وتحسين أنظمة التحكم في النيران، وإضافة مدافع مضادة للطائرات أكثر فعالية.
خاتمة
تمثل الطرادات من فئة كنارياس حقبة مهمة في تاريخ البحرية الإسبانية. كانت هذه السفن من بين الأقوى في فئتها، ولعبت دورًا حاسمًا في الحرب الأهلية الإسبانية. على الرغم من خسارة “بالياريس”، إلا أن “كنارياس” نجت وأكملت خدمتها، تاركة إرثًا دائمًا في تاريخ إسبانيا البحري. تعتبر هذه السفن مثالًا على التطورات في تصميم السفن الحربية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وتجسد التوازن بين قوة النيران والحماية والسرعة.