نشأته وتعليمه
ولد جيلبرت فوليوت في أوائل القرن الثاني عشر، على الأرجح حوالي عام 1110. لا يُعرف الكثير عن أصوله، ولكن يُعتقد أنه نشأ في عائلة نبيلة. تلقى تعليمه في كلية العلوم الليبرالية، وأظهر ذكاءً وقدرة مبكرة. بعد ذلك، انضم إلى دير كلوني في فرنسا، والذي كان مركزًا هامًا للإصلاح الرهباني. في دير كلوني، تلقى فوليوت تعليمًا دينيًا عميقًا، واكتسب معرفة واسعة بالقانون الكنسي والفلسفة.
رئيس دير غلوستر
في عام 1139، عُين جيلبرت فوليوت رئيسًا لدير غلوستر. خلال فترة رئاسته، عمل على تعزيز الانضباط الرهباني وتحسين الأوضاع الاقتصادية للدير. قام ببناء مبانٍ جديدة، وأعاد تنظيم إدارة الدير، وأدخل إصلاحات على الحياة الرهبانية. أظهر فوليوت قدرة إدارية عالية، وسعى جاهدًا لتعزيز سمعة الدير ومكانته.
أسقف هيريفورد
في عام 1148، عُين جيلبرت فوليوت أسقفًا لهيريفورد. شغل هذا المنصب لمدة خمس سنوات. خلال فترة أسقفيته في هيريفورد، واصل عمله في الإصلاح الديني، وعمل على تحسين التعليم الديني في أبرشيته. كما شارك في القضايا السياسية في عصره، وأظهر ولاءه للملك ستيفن. في عام 1153، لعب دورًا في المصالحة بين الملك ستيفن وهنري الثاني.
أسقف لندن
في عام 1163، أصبح جيلبرت فوليوت أسقفًا للندن، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته. كان هذا المنصب من أهم المناصب الكنسية في إنجلترا، وأعطاه نفوذًا سياسيًا كبيرًا. خلال فترة أسقفيته في لندن، شارك فوليوت بنشاط في الصراعات بين الكنيسة والدولة في عهد الملك هنري الثاني. كان يعتبر من أشد المؤيدين للملك، وعارض بشدة محاولات توماس بيكيت، رئيس أساقفة كانتربري، للدفاع عن حقوق الكنيسة.
الصراع مع توماس بيكيت
كان الصراع بين جيلبرت فوليوت وتوماس بيكيت من أبرز أحداث عهديهما. نشأ هذا الصراع حول مسألة سلطة الكنيسة والدولة. أراد هنري الثاني السيطرة على الكنيسة الإنجليزية، بينما سعى بيكيت إلى الحفاظ على استقلال الكنيسة. وقف فوليوت إلى جانب الملك، ودعم محاولاته لإخضاع الكنيسة لسلطة الدولة. لعب فوليوت دورًا في محاكمة بيكيت في عام 1164، وأيد قرار الملك بإدانة بيكيت.
بعد اغتيال توماس بيكيت في عام 1170، تعرض فوليوت لانتقادات شديدة من قبل الكنيسة والشعب. اتهم بأنه كان متواطئًا في مقتل بيكيت، وأنه ساهم في خلق المناخ الذي أدى إلى هذه المأساة. على الرغم من هذه الانتقادات، ظل فوليوت مخلصًا للملك هنري الثاني، واستمر في أداء واجباته كأسقف للندن.
موقفه من الملك هنري الثاني
كان جيلبرت فوليوت من المقربين للملك هنري الثاني، وأيد سياسته في معظم الأحيان. اعتقد فوليوت أن الملك هو الحاكم الشرعي لإنجلترا، وأن الكنيسة يجب أن تخضع لسلطة الدولة. على الرغم من دعمه للملك، لم يتردد فوليوت في انتقاده عندما اعتقد أنه ارتكب أخطاء. في بعض الأحيان، دافع عن حقوق الكنيسة ضد تدخلات الملك، ولكنه كان دائمًا يسعى إلى إيجاد حلول وسط.
إرثه
ترك جيلبرت فوليوت إرثًا معقدًا. كان رجلًا ذكيًا ومثقفًا، يتمتع بمعرفة واسعة بالقانون الكنسي والفلسفة. كان أيضًا رجل دولة ماهرًا، ولعب دورًا هامًا في الصراعات السياسية والدينية في عصره. ومع ذلك، فقد تعرض لانتقادات شديدة بسبب موقفه من توماس بيكيت، واتهم بأنه كان متواطئًا في مقتله. على الرغم من هذه الانتقادات، يعتبر فوليوت شخصية مهمة في تاريخ إنجلترا في العصور الوسطى، ولا يزال يُنظر إليه على أنه رجل دين قوي التأثير.
أعماله
ترك جيلبرت فوليوت وراءه عددًا من الأعمال المكتوبة، بما في ذلك المراسلات والخطب والرسائل. تعطي هذه الأعمال نظرة ثاقبة على أفكاره وآرائه، وتساعد على فهم دوره في الأحداث التاريخية في عصره. تشمل أعماله المكتوبة: الرسائل، والمواعظ، والمقالات القانونية. ساهمت كتاباته في إثراء الفكر الديني والقانوني في عصره.
السنوات الأخيرة والوفاة
أمضى جيلبرت فوليوت السنوات الأخيرة من حياته في منصب أسقف لندن. على الرغم من تقدمه في السن، استمر في المشاركة في الشؤون الدينية والسياسية. توفي في 18 فبراير 1187، ودفن في كاتدرائية القديس بولس في لندن. تركت وفاته فراغًا في الحياة الدينية والسياسية في إنجلترا.
تحليل شخصيته
يصعب تحديد شخصية جيلبرت فوليوت بشكل قاطع بسبب المواقف المتناقضة التي اتخذها. كان رجلًا متعلمًا يتمتع بذكاء كبير، وقدرة على التفكير المنطقي. في نفس الوقت، كان يتمتع بشخصية قوية، وعناد، وسلطة. لقد كان يتمتع بولاء كبير للملك هنري الثاني، ولكنه لم يكن خائفًا من التعبير عن آرائه المستقلة. يرى البعض أنه كان براغماتيًا، وكان يعطي الأولوية للاستقرار السياسي على حساب المبادئ الدينية. يراه آخرون أنه كان رجلاً مخلصًا، ومدافعًا عن سلطة الملك. بغض النظر عن الرأي، فإن جيلبرت فوليوت كان شخصية معقدة، تركت بصمة واضحة في تاريخ إنجلترا.
الأهمية التاريخية
تكمن أهمية جيلبرت فوليوت في دوره في صراعات الكنيسة والدولة في القرن الثاني عشر. كان شخصية مركزية في هذا الصراع، ولعب دورًا حاسمًا في الأحداث التي أدت إلى مقتل توماس بيكيت. من خلال دراسة حياة فوليوت، يمكننا فهم أعمق للعلاقات المعقدة بين السلطة الدينية والسياسية في العصور الوسطى، وكذلك تأثير هذه الصراعات على المجتمع الإنجليزي.
خاتمة
كان جيلبرت فوليوت شخصية مهمة في إنجلترا في العصور الوسطى، حيث شغل مناصب رئيسية في الكنيسة وشارك في الأحداث السياسية البارزة. على الرغم من الجدل المحيط بدوره في قضية توماس بيكيت، فقد ترك إرثًا دائمًا في تاريخ إنجلترا، كشخصية ذات نفوذ في صراعات الكنيسة والدولة في عهد هنري الثاني.