خلفية تاريخية
لنفهم أهمية مجمع هيريا، من الضروري أن ننظر إلى سياق الخلاف على الأيقونات. بدأ هذا الخلاف في أوائل القرن الثامن الميلادي، وتضمن نقاشًا حول شرعية استخدام الصور الدينية في العبادة المسيحية. كان المؤيدون للأيقونات، أو “الأيقونيون”، يؤمنون بأن الأيقونات بمثابة نوافذ إلى العالم الإلهي، مما يساعد المؤمنين على التواصل مع الله والقديسين. وعلى النقيض من ذلك، اعتبر معارضو الأيقونات، أو “أيقونوكلاست”، أن تبجيل الأيقونات شكل من أشكال الوثنية، يتعارض مع الوصية الأولى التي تحظر عبادة الصور المنحوتة. أيد الأباطرة البيزنطيون المختلفون كلا الجانبين في أوقات مختلفة، مما أدى إلى فترة طويلة من الاضطرابات والتقلبات الدينية.
كان الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث (حكم من 717 إلى 741) من أوائل الذين اتخذوا موقفًا ضد الأيقونات. في عام 726 م، أصدر مرسومًا يأمر بتدمير الأيقونات في جميع أنحاء الإمبراطورية. أشعل هذا القرار انتفاضات واسعة النطاق، حيث دافع الكثيرون عن الأيقونات بشدة. استمر هذا الصراع في عهد خلفاء ليو الثالث، وبلغ ذروته في انعقاد مجمع هيريا.
أسباب انعقاد مجمع هيريا
دعا الإمبراطور قسطنطين الخامس (حكم من 741 إلى 775)، نجل ليو الثالث، إلى انعقاد مجمع هيريا. كان قسطنطين الخامس مؤيدًا قويًا لسياسة تحطيم الأيقونات، وكان يهدف إلى الحصول على موافقة كنسية على مواقفه. اعتقد أن تبجيل الأيقونات هو السبب الرئيسي للمشاكل التي تواجه الإمبراطورية، بما في ذلك الهزائم العسكرية والصراعات الداخلية.
هدف المجمع الرئيسي كان إدانة تبجيل الأيقونات ووضع مبادئ توجيهية واضحة بشأن كيفية التعامل معها في المستقبل. أراد قسطنطين الخامس أن يضع حدًا للجدل الديني المستمر وأن يوحد الإمبراطورية تحت إيديولوجية موحدة.
أحداث مجمع هيريا
عُقد مجمع هيريا في عام 754 م في ضاحية هيريا بالقرب من القسطنطينية. ادعى المجمع أنه مسكوني، أي أنه يمثل جميع الكنائس المسيحية. ومع ذلك، لم يحضره سوى أساقفة ورجال دين مؤيدون لتحطيم الأيقونات، بينما رفض الكثير من الأساقفة الآخرين، وخاصة في الغرب، الاعتراف به.
اتخذ المجمع موقفًا حازمًا ضد الأيقونات، وأعلن أنها وثنية وتعترض سبيل العبادة الحقيقية لله. جادل أعضاء المجمع بأن الأيقونات لا يمكن أن تمثل طبيعة يسوع الإلهية، وبالتالي فهي غير مقبولة. وصدرت قرارات صارمة بحظر الأيقونات، وأمر بتدميرها في جميع أنحاء الإمبراطورية. أُمر المؤمنون بالتخلي عن تبجيل الأيقونات، وتوبيخ أولئك الذين استمروا في ممارستها.
في المجمع، تمت إدانة العديد من المؤيدين الرئيسيين للأيقونات، بما في ذلك القديس يوحنا الدمشقي، اللاهوتي البارز الذي دافع بقوة عن استخدام الأيقونات. كما أُعلنت هرطقة أولئك الذين آمنوا بالأيقونات. تميزت فترة انعقاد المجمع بالاضطهاد، حيث تعرض مؤيدو الأيقونات للسجن والتعذيب والموت. حُكم على الكثيرين بالسجن أو النفي بسبب إيمانهم.
عواقب مجمع هيريا
لم يؤد مجمع هيريا إلى إنهاء الخلاف على الأيقونات؛ بل على العكس، فقد عمّق الانقسام في الإمبراطورية. على الرغم من جهود قسطنطين الخامس لقمع المعارضة، استمرت المقاومة السرية لسياساته. احتفظ الكثيرون بالأيقونات في منازلهم أو عبدوها سرًا.
بعد وفاة قسطنطين الخامس، أُعيدت الأيقونات في النهاية إلى مكانتها. في عام 787 م، دعا الإمبراطورة إيرين إلى انعقاد مجمع مسكوني آخر، وهو المجمع المسكوني الثاني في نيقية. عكس هذا المجمع قرارات مجمع هيريا، وأعاد الأيقونات إلى مكانتها في العبادة المسيحية. تم إدانة مجمع هيريا على أنه غير شرعي وهرطقي.
أثرت قرارات مجمع هيريا على عدة جوانب من الحياة في الإمبراطورية البيزنطية:
- الفن والعمارة: شهدت الفترة التي أعقبت المجمع تدمير العديد من الأيقونات والأعمال الفنية الدينية. استُبدلت الزخرفة الدينية في الكنائس بتصميمات أكثر تجريدًا أو غير تصويرية.
- العلاقات الكنسية: أدى المجمع إلى تفاقم الانقسام بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية. رفض البابا والكنائس الغربية الأخرى الاعتراف بالمجمع أو قراراته، مما أدى إلى مزيد من التوتر بين الشرق والغرب.
- الحياة الاجتماعية والسياسية: أدت الصراعات الدينية إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية داخل الإمبراطورية. كان هناك اضطهاد واسع النطاق لمؤيدي الأيقونات، وتوفي الكثيرون بسبب معتقداتهم.
تراث مجمع هيريا
يُنظر إلى مجمع هيريا على أنه فصل مهم في تاريخ الكنيسة المسيحية والإمبراطورية البيزنطية. إنه بمثابة تذكير بالخلافات العقائدية التي يمكن أن تنشأ داخل الدين وكيف يمكن أن تؤثر على السياسة والمجتمع. يمثل المجمع أيضًا أهمية الأيقونات في الثقافة المسيحية الشرقية. لا يزال موضوع الأيقونات موضوعًا مهمًا في الدين والفن حتى اليوم.
على الرغم من أن مجمع هيريا لم يكن ناجحًا على المدى الطويل في القضاء على تبجيل الأيقونات، إلا أنه ترك إرثًا دائمًا. لقد سلط الضوء على أهمية التقاليد، واللاهوت، وقوة الإيمان. كما أظهر مرونة الشعب المسيحي وقدرته على الصمود في مواجهة الاضطهاد.
أهمية دراسة مجمع هيريا
تساعدنا دراسة مجمع هيريا على فهم تاريخ المسيحية والإمبراطورية البيزنطية بشكل أفضل. إنه يوفر نظرة ثاقبة حول:
- تطور العقيدة المسيحية: يوضح كيف طورت الكنيسة عقيدتها على مر القرون وكيف تفاعلت مع وجهات النظر المختلفة.
- العلاقات بين الكنيسة والدولة: يوضح الدور الذي لعبته الدولة في الشؤون الدينية وكيف يمكن للدين أن يؤثر على السياسة.
- الفن والثقافة: يلقي الضوء على التغيرات في الفن والعمارة التي حدثت نتيجة للخلاف على الأيقونات.
خاتمة
كان مجمع هيريا حدثًا محوريًا في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، حيث أدان تبجيل الأيقونات وأمر بتدميرها. على الرغم من أنه اعتُبر مسكونيًا من قبل مؤيديه، فقد رُفض في النهاية من قبل الكنيسة المسيحية. أدى المجمع إلى صراع ديني وسياسي عميق في جميع أنحاء الإمبراطورية، مما أثر على الفن والعمارة والعلاقات الكنسية والحياة الاجتماعية. على الرغم من فشله في القضاء على تبجيل الأيقونات، إلا أن مجمع هيريا ترك إرثًا دائمًا، وسلط الضوء على أهمية التقاليد واللاهوت وقوة الإيمان. إن دراسة مجمع هيريا ضرورية لفهم تاريخ المسيحية والإمبراطورية البيزنطية بشكل أفضل.