نشأته وتعليمه
ولد وليام فوغي في منطقة دي موين، بولاية أيوا. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة باسيفيك اللوثرية، ثم حصل على شهادة الطب من جامعة واشنطن في عام 1961. بعد تخرجه، أكمل إقامته في الطب الباطني في مركز جامعة سياتل الطبي. خلال فترة إقامته، عمل فوغي لفترة وجيزة كطبيب في مهمة كنسية في جنوب شرق آسيا، حيث رأى عن كثب تأثير الأمراض المعدية على السكان.
المسيرة المهنية وبداية الاهتمام بالوبائيات
بدأ اهتمام فوغي بالوبائيات في أوائل الستينيات عندما بدأ في التحقيق في تفشي الحصبة في نيجيريا. كان يعمل في ذلك الوقت كطبيب في خدمة الصحة العامة الأمريكية. خلال هذه الفترة، ابتكر ما أصبح يُعرف باسم “استراتيجية التطويق” (ring vaccination)، وهي استراتيجية تهدف إلى احتواء تفشي الأمراض المعدية عن طريق تطعيم الأشخاص الذين كانوا على اتصال مباشر مع الحالات المصابة. هذه الاستراتيجية أثبتت فعاليتها بشكل كبير في مكافحة الحصبة، وأصبحت فيما بعد أداة حاسمة في القضاء على الجدري.
القضاء على الجدري
في عام 1966، انضم فوغي إلى المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC). في ذلك الوقت، كان الجدري يمثل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة في جميع أنحاء العالم. أدرك فوغي الإمكانات الكبيرة للقضاء على هذا المرض، وبدأ في تطوير استراتيجية عالمية للقيام بذلك. استندت هذه الاستراتيجية إلى عدة عناصر رئيسية:
- التطعيم الشامل: تعزيز برامج التطعيم للوصول إلى أكبر عدد ممكن من السكان.
- التطعيم الحلقي: كما ذكرنا، هذه التقنية تستهدف الأشخاص المحيطين بالمصابين لمنع انتشار المرض.
- الترصد النشط: تتبع الحالات الجديدة للمرض بسرعة وعزلها.
- التعاون الدولي: العمل مع الحكومات والمنظمات الدولية لتنسيق الجهود.
بقيادة فوغي، تعاونت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها مع منظمة الصحة العالمية (WHO) والعديد من البلدان لتنفيذ هذه الاستراتيجية. بدأ العمل الميداني المكثف في السبعينيات، مع التركيز على البلدان التي كان فيها الجدري متوطنًا. تضمنت هذه الجهود حملات تطعيم واسعة النطاق، وتدريب العاملين الصحيين، وتحسين آليات الترصد. بفضل هذه الجهود، تم الإعلان عن القضاء على الجدري في عام 1980، وهو إنجاز تاريخي في مجال الصحة العامة. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها القضاء على مرض بشري في جميع أنحاء العالم.
العمل في منظمة الصحة العالمية و “أيام الإحصاء”
بعد القضاء على الجدري، شغل فوغي منصب كبير المستشارين العلميين في منظمة الصحة العالمية. في هذا الدور، واصل العمل على القضاء على الأمراض الأخرى، ودعم برامج التحصين العالمية. خلال فترة عمله في منظمة الصحة العالمية، ساعد في تطوير مفهوم “أيام الإحصاء” (mop-up days)، وهي أيام يتم فيها تطعيم جميع الأطفال في منطقة معينة ضد الأمراض المعدية. كان هذا المفهوم فعالًا بشكل خاص في مكافحة شلل الأطفال.
العمل في مؤسسة كارتر
في عام 1986، أصبح فوغي المدير التنفيذي لمؤسسة كارتر، وهي منظمة غير ربحية أسسها الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر. خلال فترة عمله في المؤسسة، عمل فوغي على مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالصحة العامة، بما في ذلك القضاء على الأمراض، والتنمية الزراعية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. لعب دورًا أساسيًا في دعم جهود القضاء على دودة غينيا، وهي طفيلي يسبب مرضًا معوقًا في أجزاء من أفريقيا وآسيا. كما عمل على دعم جهود مكافحة الأمراض الأخرى، مثل شلل الأطفال والملاريا.
الإنجازات والتقدير
حصل وليام فوغي على العديد من الجوائز والأوسمة لعمله في مجال الصحة العامة. حصل على وسام الحرية الرئاسي في عام 1996، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة. حصل أيضًا على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من الجامعات المرموقة. ألف العديد من المقالات والكتب حول الصحة العامة والوبائيات، بما في ذلك كتاب “القضاء على الجدري: قصة انتصار” (Smallpox Eradication: The Story of a Triumph)، والذي يصف بالتفصيل الجهود المبذولة للقضاء على الجدري.
إسهاماته في الصحة العالمية
يعتبر عمل فوغي في مجال الصحة العالمية ذا أهمية كبيرة. لقد أحدث فرقًا كبيرًا في حياة الملايين من الناس حول العالم من خلال:
- قيادة الجهود الناجحة للقضاء على الجدري: هذا الإنجاز أنقذ حياة الملايين من الناس، وأتاح تحرير موارد كبيرة كانت تُنفق على مكافحة المرض.
- تطوير استراتيجيات مبتكرة لمكافحة الأمراض: مثل استراتيجية التطويق، التي أثبتت فعاليتها في السيطرة على تفشي الأمراض المعدية.
- المشاركة في برامج التحصين العالمية: ساعد في زيادة تغطية التطعيمات، مما أدى إلى خفض معدلات الإصابة بالأمراض القابلة للوقاية باللقاحات.
- دعم جهود القضاء على الأمراض الأخرى: مثل دودة غينيا وشلل الأطفال.
- رفع الوعي بأهمية الصحة العامة: من خلال كتاباته ومحاضراته، ساعد في زيادة الوعي بأهمية الصحة العامة، والحاجة إلى الاستثمار فيها.
التأثير المستمر
يستمر تأثير وليام فوغي في مجال الصحة العامة حتى اليوم. لا يزال يعمل كمستشار للعديد من المنظمات الصحية، ويشارك في جهود القضاء على الأمراض ومكافحتها. يستمر عمله في إلهام الأجيال الجديدة من الأطباء وعلماء الأوبئة والعاملين في مجال الصحة العامة.
الرؤية الأخلاقية
بالإضافة إلى إنجازاته العلمية والتقنية، اشتهر فوغي برؤيته الأخلاقية. آمن بأن الصحة الجيدة هي حق من حقوق الإنسان الأساسية، وعمل بلا كلل لضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية اللازمة. دعا إلى العدالة الصحية، والعمل على معالجة أوجه عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية.
القيادة والإلهام
يعتبر فوغي قائدًا ملهمًا في مجال الصحة العامة. أظهر قدرة استثنائية على رؤية الصورة الكبيرة، ووضع استراتيجيات فعالة لمواجهة التحديات الصحية المعقدة. ألهم العديد من الأشخاص للعمل في مجال الصحة العامة، وألهمهم لإحداث فرق في العالم.
التحديات المستقبلية
على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في مجال الصحة العامة، لا يزال هناك العديد من التحديات التي تواجه العالم. تشمل هذه التحديات الأمراض الناشئة، والتغيرات المناخية، وأوجه عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية. يعتقد فوغي أن مواجهة هذه التحديات تتطلب التعاون الدولي، والابتكار العلمي، والالتزام بالعدالة الصحية.
خاتمة
يُعد وليام فوغي شخصية محورية في تاريخ الصحة العامة. من خلال قيادته البارزة واستراتيجيته المبتكرة، لعب دورًا حاسمًا في القضاء على الجدري، وهو إنجاز غير مسبوق. بالإضافة إلى ذلك، فقد ساهم في تطوير استراتيجيات فعالة لمكافحة الأمراض الأخرى، ودعم برامج التحصين العالمية. يستمر إرثه في إلهام العاملين في مجال الصحة العامة في جميع أنحاء العالم، وتقديم مساهمات كبيرة في تحسين صحة الإنسان ورفاهيته.
المراجع
- The Lancet: Smallpox eradication: the story of a triumph
- The Carter Center: William H. Foege
- CDC: William H. Foege
- Encyclopaedia Britannica: William H. Foege
“`