نشأته وتعليمه
ولد سعد الدين الشاذلي في قرية شبرا البهنسا بمحافظة الغربية في مصر. التحق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1940. خلال مسيرته العسكرية، حصل على العديد من الدورات التدريبية المتقدمة في مجالات مختلفة، بما في ذلك الاستخبارات والمشاة والمظلات. أتقن الشاذلي اللغات الإنجليزية والفرنسية، مما ساعده في التواصل والتعاون مع القادة العسكريين الأجانب.
مسيرته العسكرية
بدأ الشاذلي مسيرته العسكرية ضابطاً في سلاح المشاة، ثم انتقل إلى سلاح المظلات، حيث أسس أول وحدة مظلات في الجيش المصري. شارك في حرب فلسطين عام 1948، وأظهر شجاعة وبراعة قتالية. بعد ذلك، تولى العديد من المناصب القيادية الهامة، بما في ذلك:
- قائد الكتيبة 75 مظلات خلال العدوان الثلاثي عام 1956.
- قائد قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في الكونغو عام 1960.
- قائد اللواء الأول مشاة خلال حرب اليمن في الستينيات.
- قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية عام 1967.
أظهر الشاذلي كفاءة عالية في جميع المناصب التي شغلها، وتميز بقدرته على التخطيط والتنظيم والقيادة. كان يحظى باحترام وتقدير مرؤوسيه، وكان يعتبر نموذجاً للقائد العسكري المحترف.
رئاسة أركان حرب القوات المسلحة
في عام 1971، تم تعيين سعد الدين الشاذلي رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية. كان هذا التعيين بمثابة تتويج لمسيرته العسكرية الحافلة بالإنجازات. تولى الشاذلي هذه المسؤولية في فترة حرجة من تاريخ مصر، حيث كانت البلاد تستعد لخوض حرب استعادة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
بصفته رئيساً للأركان، قام الشاذلي بدور حاسم في التخطيط والإعداد لحرب أكتوبر. أشرف على وضع الخطط العسكرية، وتدريب القوات، وتوفير المعدات والأسلحة اللازمة. كان يؤمن بأهمية التخطيط الدقيق والتنسيق المحكم لتحقيق النصر في الحرب. وقد نجح بالفعل في بناء قوة عسكرية مصرية قادرة على مواجهة الجيش الإسرائيلي.
من بين أهم الإسهامات التي قدمها الشاذلي في الإعداد للحرب:
- وضع خطة “المآذن العالية” لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف.
- الإشراف على تدريب القوات المصرية على استخدام الأسلحة والمعدات الحديثة.
- تطوير أساليب قتالية جديدة تتناسب مع طبيعة المعركة المتوقعة.
- التنسيق مع القوات السورية لتنفيذ هجوم متزامن على الجبهتين المصرية والسورية.
حرب أكتوبر 1973
في 6 أكتوبر 1973، اندلعت حرب أكتوبر، حيث شنت القوات المصرية والسورية هجوماً مفاجئاً على إسرائيل. تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، وتحقيق مكاسب كبيرة في الأيام الأولى من الحرب. لعب سعد الدين الشاذلي دوراً محورياً في إدارة العمليات العسكرية خلال الحرب، وإصدار الأوامر والتوجيهات للقادة الميدانيين.
على الرغم من النجاحات الأولية التي حققتها القوات المصرية، إلا أن الحرب شهدت تطورات دراماتيكية في الأيام اللاحقة. تمكنت القوات الإسرائيلية من اختراق الدفاعات المصرية في منطقة الدفرسوار، والعبور إلى الضفة الغربية للقناة، مما هدد بقطع خطوط الإمداد عن القوات المصرية في سيناء.
في هذه المرحلة الحرجة، اختلف الشاذلي مع الرئيس أنور السادات حول كيفية التعامل مع الموقف. رأى الشاذلي ضرورة سحب القوات المصرية من شرق القناة لتشكيل خط دفاعي جديد في الغرب، بينما أصر السادات على البقاء في سيناء. أدى هذا الخلاف إلى إقالة الشاذلي من منصبه كرئيس للأركان في 13 ديسمبر 1973.
ما بعد الحرب
بعد إقالته من منصبه، تم تعيين سعد الدين الشاذلي سفيراً لمصر في بريطانيا، ثم في البرتغال. إلا أنه استقال من منصبه في عام 1978 احتجاجاً على اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل. اعتبر الشاذلي أن هذه الاتفاقية تضر بالمصالح العربية، وتتنازل عن الحقوق الفلسطينية.
بعد استقالته، انتقل الشاذلي إلى الجزائر، حيث عاش في المنفى لمدة 14 عاماً. خلال هذه الفترة، كتب مذكراته بعنوان “حرب أكتوبر”، والتي نشرها عام 1980. أثارت هذه المذكرات جدلاً واسعاً، حيث انتقد فيها الشاذلي سياسات الرئيس السادات، وكشف عن تفاصيل هامة حول حرب أكتوبر.
في عام 1992، عاد سعد الدين الشاذلي إلى مصر، حيث تم اعتقاله ومحاكمته بتهمة إفشاء أسرار عسكرية. صدر حكم بسجنه لمدة ثلاث سنوات، قضاها في السجن. بعد الإفراج عنه، عاش الشاذلي حياة هادئة بعيداً عن الأضواء، حتى وفاته في 10 فبراير 2011.
إرثه
على الرغم من الخلافات التي أحاطت بمسيرته، إلا أن سعد الدين الشاذلي يُعتبر أحد أبرز القادة العسكريين في التاريخ المصري الحديث. يُذكر بدوره المحوري في التخطيط والإعداد لحرب أكتوبر، وبشجاعته وإخلاصه لوطنه. تظل خططه العسكرية واستراتيجياته القتالية محل دراسة وتحليل من قبل الخبراء العسكريين حتى اليوم.
خاتمة
كان سعد الدين الشاذلي قائداً عسكرياً مصرياً فذاً، لعب دوراً حاسماً في حرب أكتوبر. على الرغم من الخلافات التي شابته مع القيادة السياسية، إلا أنه يظل رمزاً للفخر الوطني، ومثالاً للقائد العسكري المحترف. ساهمت إسهاماته في تطوير القوات المسلحة المصرية، وستظل ذكراه حية في قلوب المصريين.