نشأة التودوزا
تأسست التودوزا في فترة نانبوكو-تشو (南北朝時代 Nanbokuchō-jidai)، وهي فترة صراع سياسي واجتماعي في اليابان (1336-1392). يعزى تأسيسها إلى البيوا هوشي، وهم مبصرون سابقًا تحولوا إلى العمى، وكانوا يجيدون العزف على آلة البيوا (biwa)، وهي آلة وترية يابانية. هؤلاء الموسيقيون المتجولون استخدموا الموسيقى ورواية القصص لكسب عيشهم. في ظل الظروف الصعبة التي سادت في ذلك الوقت، شعر البيوا هوشي بالحاجة إلى تنظيم أنفسهم لتوفير الدعم المتبادل والحماية.
تأسست التودوزا في البداية كنظام نقابي للبيوا هوشي، ولكنها سرعان ما توسعت لتشمل جميع المكفوفين، بغض النظر عن مهنتهم. أصبحت النقابة قوة مؤثرة، حيث كانت بمثابة منظمة اجتماعية واقتصادية وسياسية للمكفوفين في اليابان الإقطاعية.
هيكل التودوزا التنظيمي
كانت التودوزا منظمة هرمية، مع تسلسل قيادي صارم. كان على رأس النقابة رئيس يسمى “توجو” (Tōjō)، وكان يتمتع بسلطة واسعة على جميع الأعضاء. كان التوجو مسؤولاً عن إدارة شؤون النقابة، وتمثيلها أمام الحكومة، والبت في النزاعات بين الأعضاء. كان يتم اختيار التوجو من بين كبار أعضاء النقابة، وعادة ما كان يتمتع بخبرة واسعة في القانون والإدارة.
تحت قيادة التوجو، كان هناك عدد من المسؤولين الآخرين، مثل “زاكو” (Zakō) و”كوبو” (Kōbō). كان الزاكو مسؤولين عن إدارة شؤون النقابة المحلية، بينما كان الكوبو مسؤولين عن تدريب الأعضاء الجدد. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك عدة مستويات من الرتب داخل النقابة، بناءً على الخبرة والمهارة. كان الأعضاء الأقل رتبة يعملون عادة كمتدربين أو مساعدين للأعضاء الأكبر سنًا.
تمتع أعضاء التودوزا بحقوق وامتيازات معينة. على سبيل المثال، كان لهم الحق في السفر بحرية في جميع أنحاء البلاد، وحماية القانون، والإعفاء من بعض الضرائب. في المقابل، كان على الأعضاء الالتزام بقواعد النقابة، والتعاون مع زملائهم، والمساهمة في صندوق النقابة.
أنشطة التودوزا
مارست التودوزا مجموعة متنوعة من الأنشطة. كان النشاط الرئيسي هو تقديم الخدمات للمكفوفين. شملت هذه الخدمات التدريب المهني، وتوفير السكن، وتقديم الدعم المالي. قدمت النقابة أيضًا التعليم للمكفوفين، بما في ذلك القراءة والكتابة باستخدام نظام برايل المبكر. بالإضافة إلى ذلك، قدمت النقابة الدعم الاجتماعي للمكفوفين، وساعدتهم على الاندماج في المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، شاركت التودوزا في مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية. كان أعضاء النقابة يعملون في مجموعة متنوعة من المهن، بما في ذلك الموسيقى، والتدليك، والوخز بالإبر، والقانون، والطب. احتكرت النقابة بعض المهن، مثل التدليك والوخز بالإبر، مما سمح لها بالسيطرة على هذه الصناعات وتحقيق أرباح كبيرة. استخدمت النقابة هذه الأرباح لتمويل أنشطتها وتقديم الدعم لأعضائها.
لعبت التودوزا أيضًا دورًا سياسيًا مهمًا. كان أعضاء النقابة يتمتعون بنفوذ كبير لدى الحكومة، وكانوا قادرين على التأثير على السياسات التي تؤثر على المكفوفين. عملت النقابة كوسيط بين المكفوفين والحكومة، ودافعت عن حقوقهم ومصالحهم. في بعض الحالات، شارك أعضاء النقابة في الحكومة، وشغلوا مناصب عليا في البلاط الإمبراطوري.
التأثير الثقافي والاجتماعي للتودوزا
كان للتودوزا تأثير كبير على المجتمع الياباني. ساهمت النقابة في تغيير تصور المجتمع للمكفوفين. قبل تأسيس التودوزا، كان المكفوفون غالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم معوزون أو منحطون. من خلال تنظيم أنفسهم وتوفير الخدمات والدعم، ساعدت التودوزا على تغيير هذه التصورات. أثبتت النقابة أن المكفوفين يمكن أن يكونوا أعضاء منتجين في المجتمع، وأنهم قادرون على المساهمة في الثقافة والاقتصاد.
ساهمت التودوزا في الحفاظ على الثقافة اليابانية. كان البيوا هوشي، وهم أعضاء رئيسيون في النقابة، مسؤولين عن الحفاظ على التقاليد الموسيقية والقصصية. قاموا بنقل الحكايات والقصص التاريخية من جيل إلى جيل، مما ساعد على الحفاظ على التراث الثقافي لليابان. بالإضافة إلى ذلك، قدمت النقابة الدعم للفنون الأخرى، مثل الشعر والخط.
أثرت التودوزا أيضًا على تطوير التعليم والرعاية الاجتماعية. وفرت النقابة التعليم والتدريب للمكفوفين، مما ساعدهم على اكتساب المهارات والمعرفة التي يحتاجونها للنجاح في الحياة. بالإضافة إلى ذلك، قدمت النقابة الرعاية الاجتماعية للمكفوفين، وساعدتهم على الحصول على المساعدة التي يحتاجونها. كان لتأثير التودوزا على التعليم والرعاية الاجتماعية تأثير دائم على المجتمع الياباني.
تراجع التودوزا
شهدت التودوزا تراجعًا في قوتها وتأثيرها خلال فترة ميجي (1868-1912)، وهي الفترة التي شهدت تحديث اليابان. مع صعود الحكومة المركزية الحديثة، فقدت النقابة الكثير من نفوذها السياسي. بدأت الحكومة في التدخل في شؤون النقابة، وفرضت قيودًا على أنشطتها. بالإضافة إلى ذلك، أدت التغييرات الاجتماعية والاقتصادية إلى تراجع الطلب على خدمات النقابة.
في نهاية المطاف، تم حل التودوزا في عام 1871. ومع ذلك، استمر إرثها في التأثير على المجتمع الياباني. ساهمت النقابة في تحسين حياة المكفوفين في اليابان، وساعدت على تغيير تصور المجتمع لهم. أثرت النقابة أيضًا على تطوير التعليم والرعاية الاجتماعية في اليابان. استمرت جهودها في دعم المكفوفين، وتوفير الفرص لهم، وتعزيز المساواة والاندماج.
إرث التودوزا
على الرغم من زوالها، تركت التودوزا إرثًا دائمًا. كانت النقابة نموذجًا لمنظمة اجتماعية ناجحة للمكفوفين، وألهمت إنشاء منظمات مماثلة في جميع أنحاء العالم. كان لتأثيرها على التعليم والرعاية الاجتماعية تأثير دائم على المجتمع الياباني. ساهمت في تغيير تصور المجتمع للمكفوفين، وأثبتت أنهم قادرون على أن يكونوا أعضاء منتجين في المجتمع. استمرت جهودها في دعم المكفوفين، وتوفير الفرص لهم، وتعزيز المساواة والاندماج.
اليوم، يُنظر إلى التودوزا على أنها رمز للتضامن والتمكين للمكفوفين. يذكرنا تاريخها بأهمية توفير الدعم والفرص للأشخاص ذوي الإعاقة. تلهم التودوزا الأجيال القادمة من المكفوفين على السعي لتحقيق أحلامهم والعيش حياة كاملة ومثمرة.
خاتمة
كانت التودوزا نقابة يابانية للمكفوفين، لعبت دورًا محوريًا في حياة المكفوفين في اليابان الإقطاعية. تأسست في القرن الرابع عشر، ووفرت النقابة الحماية الاجتماعية والتعليم والفرص الاقتصادية للأعضاء. من خلال تنظيم أنفسهم، ساعدت التودوزا على تغيير تصور المجتمع للمكفوفين، والحفاظ على الثقافة اليابانية، والمساهمة في تطوير التعليم والرعاية الاجتماعية. على الرغم من زوالها، تركت التودوزا إرثًا دائمًا، وهي اليوم رمز للتضامن والتمكين للمكفوفين.
المراجع
- Tudoza – Britannica
- Tōdōza – Wikipedia
- A Social History of Blindness in Japan
- Blindness in Early Modern Japan: The Political Economy of Disability
“`