آلية عمل التوقعات التكيفية
جوهر التوقعات التكيفية يكمن في فكرة “التعلم من الأخطاء”. لنفترض أن لديك توقعات حول معدل التضخم للعام المقبل. وفقًا للتوقعات التكيفية، فإن توقعاتك ستعتمد بشكل كبير على معدل التضخم الذي شهدته في الماضي القريب. فإذا كان التضخم مرتفعًا في السنوات الأخيرة، فمن المرجح أن تتوقع تضخمًا مرتفعًا في المستقبل. وعلى العكس من ذلك، إذا كان التضخم منخفضًا، فستتوقع على الأرجح تضخمًا منخفضًا.
ولكن، الأهم من ذلك، أن التوقعات التكيفية تفترض أن الأفراد لا يغيرون توقعاتهم بشكل فوري وكامل عند ظهور معلومات جديدة. بل يقومون بتعديل توقعاتهم تدريجيًا. على سبيل المثال، إذا كان معدل التضخم الفعلي أعلى مما توقعته، فلن ترفع توقعاتك لمعدل التضخم المستقبلي بنفس القدر الذي كان عليه الخطأ. بدلاً من ذلك، ستعدل توقعاتك جزئيًا فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك عوامل أخرى قد تؤثر على التضخم في المستقبل.
رياضيًا، يمكن تمثيل التوقعات التكيفية بالمعادلة التالية:
Et[Pt+1] = Et-1[Pt] + λ(Pt – Et-1[Pt])
حيث أن:
- Et[Pt+1] هو التوقع بمعدل التضخم في الفترة t+1، المتشكل في الفترة t.
- Et-1[Pt] هو التوقع بمعدل التضخم في الفترة t، المتشكل في الفترة t-1.
- Pt هو معدل التضخم الفعلي في الفترة t.
- λ هو معامل التكيف، والذي يتراوح بين 0 و 1.
يشير معامل التكيف (λ) إلى مدى سرعة استجابة الأفراد للأخطاء في توقعاتهم. فإذا كان λ قريبًا من 1، فإن الأفراد يغيرون توقعاتهم بسرعة كبيرة. وإذا كان λ قريبًا من 0، فإن الأفراد يغيرون توقعاتهم ببطء شديد.
مثال توضيحي
لنفترض أنك تحاول توقع أسعار البنزين. في العام الماضي، كان متوسط سعر البنزين 2.00 ريال للتر. بناءً على هذه الخبرة، تتوقع أن يكون متوسط سعر البنزين في هذا العام 2.00 ريال للتر أيضًا. ولكن، مع مرور الأشهر، تلاحظ أن أسعار البنزين آخذة في الارتفاع. في نهاية العام، كان متوسط سعر البنزين الفعلي 2.20 ريال للتر.
وفقًا للتوقعات التكيفية، لن ترفع توقعاتك لأسعار البنزين في العام المقبل بشكل كامل لتعكس هذا الارتفاع. بدلاً من ذلك، ستعدل توقعاتك جزئيًا فقط. فإذا كان معامل التكيف الخاص بك هو 0.5، فإن توقعاتك لمتوسط سعر البنزين في العام المقبل ستكون:
Et[Pt+1] = 2.00 + 0.5 (2.20 – 2.00) = 2.10 ريال للتر
وهذا يعني أنك تتوقع أن يكون متوسط سعر البنزين في العام المقبل 2.10 ريال للتر، وهو أعلى من توقعاتك للعام الماضي، ولكنه لا يعكس الارتفاع الكامل في الأسعار الفعلية.
انتقادات للتوقعات التكيفية
على الرغم من أن التوقعات التكيفية تقدم تفسيرًا بسيطًا وبديهيًا لكيفية تشكيل الأفراد لتوقعاتهم، إلا أنها تعرضت لعدد من الانتقادات:
- التخلف: تفترض التوقعات التكيفية أن الأفراد ينظرون فقط إلى الماضي لتوقع المستقبل، ويتجاهلون أي معلومات أخرى قد تكون ذات صلة. وهذا يعني أنهم يرتكبون أخطاء يمكن تجنبها. على سبيل المثال، إذا أعلنت الحكومة عن تغيير في السياسة النقدية من المتوقع أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم، فإن الأفراد الذين يعتمدون على التوقعات التكيفية سيستغرقون بعض الوقت لإدراك هذا التأثير ورفع توقعاتهم للتضخم.
- عدم الكفاءة: بالنظر إلى التخلف المذكور، تعتبر التوقعات التكيفية غير كافية من الناحية الاقتصادية. فإذا كان الأفراد يرتكبون أخطاء قابلة للتجنب، فهذا يعني أنهم لا يستخدمون جميع المعلومات المتاحة لهم لاتخاذ قرارات مستنيرة.
- صعوبة التوفيق مع السلوك الرشيد: تفترض التوقعات التكيفية أن الأفراد يتصرفون بعقلانية، أي أنهم يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة. ومع ذلك، فإن ارتكاب أخطاء قابلة للتجنب يبدو غير متوافق مع هذا الافتراض.
بدائل للتوقعات التكيفية
نظرًا للانتقادات الموجهة للتوقعات التكيفية، فقد تم تطوير عدد من النماذج البديلة التي تسعى إلى تقديم تفسير أكثر واقعية لكيفية تشكيل الأفراد لتوقعاتهم. من بين هذه النماذج:
- التوقعات الرشيدة: تفترض التوقعات الرشيدة أن الأفراد يستخدمون جميع المعلومات المتاحة لهم لتوقع المستقبل، ويتوقعون المستقبل بأفضل ما يمكن. وبعبارة أخرى، تفترض التوقعات الرشيدة أن الأفراد لا يرتكبون أخطاء منهجية في توقعاتهم.
- التعلم العقلاني: يجمع التعلم العقلاني بين عناصر التوقعات التكيفية والتوقعات الرشيدة. يفترض هذا النموذج أن الأفراد يبدأون بتوقعات مبنية على الخبرة السابقة، ولكنهم يتعلمون تدريجيًا من أخطائهم ويعدلون توقعاتهم بمرور الوقت.
- التوقعات المحدودة الرشادة: تدرك هذه النظرية أن الأفراد لديهم قدرات معرفية محدودة، وأنهم لا يستطيعون دائمًا معالجة جميع المعلومات المتاحة لهم. لذلك، يعتمدون على قواعد بسيطة أو اختصارات ذهنية لتشكيل توقعاتهم.
أهمية التوقعات التكيفية
على الرغم من الانتقادات الموجهة إليها، لا تزال التوقعات التكيفية تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد. إنها تقدم تفسيرًا بسيطًا وبديهيًا لكيفية تشكيل الأفراد لتوقعاتهم، وتساعد على فهم بعض الظواهر الاقتصادية، مثل التضخم المستمر. كما أنها تشكل نقطة انطلاق لتطوير نماذج أكثر تعقيدًا وواقعية للتوقعات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التوقعات التكيفية لا تزال ذات صلة في بعض الحالات التي يكون فيها الوصول إلى المعلومات محدودًا أو مكلفًا. على سبيل المثال، قد يعتمد المزارعون في المناطق النائية على التوقعات التكيفية لتوقع أسعار المحاصيل، حيث قد لا يكون لديهم إمكانية الوصول إلى معلومات السوق في الوقت الفعلي.
تطبيقات التوقعات التكيفية
تُستخدم التوقعات التكيفية في مجموعة متنوعة من المجالات الاقتصادية، بما في ذلك:
- السياسة النقدية: يستخدم البنوك المركزية نماذج تعتمد على التوقعات التكيفية لتقييم تأثير قرارات السياسة النقدية على التضخم والنمو الاقتصادي.
- السياسة المالية: تستخدم الحكومات نماذج تعتمد على التوقعات التكيفية لتقييم تأثير الضرائب والإنفاق الحكومي على الاقتصاد.
- الاستثمار: يستخدم المستثمرون نماذج تعتمد على التوقعات التكيفية لاتخاذ قرارات استثمارية.
- التسعير: تستخدم الشركات نماذج تعتمد على التوقعات التكيفية لتحديد أسعار منتجاتها وخدماتها.
التوقعات التكيفية مقابل التوقعات الرشيدة
يكمن الاختلاف الرئيسي بين التوقعات التكيفية والتوقعات الرشيدة في الافتراضات حول المعلومات المتاحة للأفراد وقدرتهم على معالجتها. تفترض التوقعات التكيفية أن الأفراد يعتمدون فقط على الخبرة السابقة ويقومون بتعديل توقعاتهم تدريجيًا، بينما تفترض التوقعات الرشيدة أن الأفراد يستخدمون جميع المعلومات المتاحة ويتوقعون المستقبل بأفضل ما يمكن.
في الواقع، من المحتمل أن يكون السلوك الفعلي للأفراد يقع في مكان ما بين هذين النقيضين. قد يبدأ الأفراد بتوقعات مبنية على الخبرة السابقة، ولكنهم يتعلمون تدريجيًا من أخطائهم ويعدلون توقعاتهم بمرور الوقت. ومع ذلك، قد لا يكون لديهم دائمًا إمكانية الوصول إلى جميع المعلومات ذات الصلة، أو قد لا يكون لديهم القدرة على معالجتها بشكل كامل. لذلك، قد يعتمدون على قواعد بسيطة أو اختصارات ذهنية لتشكيل توقعاتهم.
خاتمة
التوقعات التكيفية هي نموذج اقتصادي مهم يشرح كيفية تشكيل الأفراد لتوقعاتهم بناءً على خبراتهم السابقة. على الرغم من وجود انتقادات لهذا النموذج، إلا أنه يظل أداة مفيدة لفهم الظواهر الاقتصادية واتخاذ القرارات. كما قدمت أساسًا لتطوير نماذج أكثر تطوراً للتوقعات، مثل التوقعات الرشيدة والتعلم العقلاني، والتي تحاول معالجة أوجه القصور في التوقعات التكيفية. في نهاية المطاف، فهم كيفية تشكيل الأفراد لتوقعاتهم أمر بالغ الأهمية لواضعي السياسات والاقتصاديين والمستثمرين على حد سواء، لأنه يؤثر بشكل كبير على القرارات الاقتصادية والنتائج.