حياته المبكرة وتعليمه
ولد أدين شتاينزالتس في القدس عام 1937 لعائلة يهودية علمانية. والده، أفراهام شتاينزالتس، كان قاضيًا اشتراكيًا لديه معرفة واسعة بالتلمود والتراث اليهودي، على الرغم من خلفيته غير المتدينة. تلقى أدين تعليمه في البداية في مدرسة علمانية، لكنه بدأ في دراسة النصوص اليهودية الكلاسيكية بشكل مستقل في سن مبكرة. بحلول سن الحادية عشرة، بدأ في دراسة التلمود بمفرده، وهو إنجاز ملحوظ لطفل في مثل هذا العمر.
في سن الرابعة عشرة، انتقل إلى مدرسة دينية (يشيفا) تابعة لحركة حباد، حيث انغمس في الدراسات الدينية والتعاليم الحسيدية. هناك، تلقى تعليمًا مكثفًا في القانون اليهودي والفلسفة والأدب الحسيدي. أظهر نبوغًا استثنائيًا وقدرة على فهم النصوص المعقدة وتحليلها بعمق. لم يقتصر اهتمامه على الدراسات الدينية التقليدية؛ بل كان لديه شغف بالعلوم والرياضيات والفلسفة العامة، مما جعله شخصية فريدة في المشهد الديني الإسرائيلي.
مشروعه التلمودي الضخم
يُعتبر مشروع شتاينزالتس لترجمة وشرح التلمود البابلي إنجازًا تاريخيًا هائلاً. التلمود، وهو مجموعة ضخمة من المناقشات والتحليلات القانونية والأخلاقية والدينية، مكتوب باللغتين العبرية والآرامية، وغالبًا ما يكون صعب الفهم حتى على دارسي النصوص اليهودية المتمرسين. كان شتاينزالتس يهدف إلى جعل التلمود في متناول جمهور أوسع من خلال ترجمته إلى العبرية الحديثة وإضافة شروح واضحة وشاملة. بدأ العمل على هذا المشروع في عام 1965، واستغرق إكماله 45 عامًا، حيث نشر المجلد الأخير في عام 2010.
تضمن عمله ترجمة دقيقة للنص الأصلي، وشرحًا للمصطلحات والمفاهيم الصعبة، وتوضيحًا للسياق التاريخي والثقافي، وإضافة رسوم بيانية وخرائط لتوضيح المفاهيم المكانية والقانونية. لاقى هذا العمل استحسانًا واسعًا وأحدث ثورة في دراسة التلمود، حيث جعله في متناول الطلاب والباحثين وعامة الناس على حد سواء.
بالإضافة إلى الترجمة العبرية الحديثة، قام شتاينزالتس أيضًا بترجمة التلمود إلى لغات أخرى، بما في ذلك الإنجليزية والفرنسية والروسية، مما وسع نطاق تأثيره ليشمل جمهورًا عالميًا. لقد أتاح هذا العمل للأشخاص من خلفيات متنوعة الوصول إلى ثروة الحكمة والمعرفة الموجودة في التلمود.
مؤلفاته الأخرى وأنشطته التعليمية
بالإضافة إلى عمله الضخم على التلمود، كان شتاينزالتس مؤلفًا غزير الإنتاج، حيث كتب أكثر من 60 كتابًا عن مجموعة واسعة من الموضوعات اليهودية، بما في ذلك الفلسفة اليهودية، والتصوف، والأخلاق، والتاريخ. تشمل بعض أعماله البارزة ما يلي:
- “الوردة القرمزية”: استكشاف لمبادئ الإيمان اليهودي.
- “شخصيات في التلمود”: دراسات لسير الشخصيات الرئيسية في التلمود.
- “التوبة”: تحليل لمفهوم التوبة في الفكر اليهودي.
- “الأبجدية العبرية”: دراسة للمعاني الرمزية والحسية للحروف العبرية.
كان شتاينزالتس أيضًا معلمًا ومحاضرًا مشهورًا، حيث سافر على نطاق واسع حول العالم لإلقاء محاضرات وتقديم دروس حول مجموعة متنوعة من الموضوعات اليهودية. كان لديه قدرة فريدة على تبسيط المفاهيم المعقدة وجعلها في متناول الجمهور، مما جعله شخصية محبوبة ومحترمة في المجتمع اليهودي العالمي. أسس شبكة من المدارس والمؤسسات التعليمية في إسرائيل وخارجها، تهدف إلى تعزيز المعرفة اليهودية والتعليم.
رؤيته الفلسفية والاجتماعية
تميزت رؤية شتاينزالتس الفلسفية والاجتماعية بالتزامه العميق بالتراث اليهودي ورغبته في التفاعل مع العالم الحديث. كان يؤمن بأن التراث اليهودي لديه الكثير ليقدمه للعالم المعاصر، وأنه من الضروري جعل المعرفة اليهودية في متناول الجميع، بغض النظر عن خلفيتهم أو مستوى تعليمهم. كان يدعو إلى الحوار والتفاهم بين مختلف الجماعات الدينية والثقافية، وكان يعتقد أن التعليم هو المفتاح لبناء مجتمع أكثر عدلاً وتسامحًا.
كان شتاينزالتس أيضًا ناقدًا صريحًا للمجتمع الإسرائيلي، حيث دعا إلى إصلاحات في مجالات التعليم والعدالة الاجتماعية والعلاقات بين العلمانيين والمتدينين. كان يعتقد أن إسرائيل لديها القدرة على أن تكون منارة للأمم، لكنها تحتاج إلى معالجة مشاكلها الداخلية وتحقيق إمكاناتها الكاملة.
كان ينظر إلى التعليم على أنه أداة قوية للتغيير الاجتماعي، وأنه من خلال تزويد الناس بالمعرفة والمهارات اللازمة، يمكنهم تمكينهم من اتخاذ قرارات مستنيرة والمساهمة بشكل إيجابي في المجتمع. كان يعتقد أيضًا أن التعليم يجب أن يكون شاملاً ومتاحًا للجميع، بغض النظر عن خلفيتهم أو وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.
الجوائز والتكريمات
حصل أدين شتاينزالتس على العديد من الجوائز والتكريمات طوال حياته المهنية، تقديرًا لمساهماته الهامة في التعليم اليهودي والثقافة. تشمل بعض الجوائز البارزة التي حصل عليها ما يلي:
- جائزة إسرائيل (1988): أعلى جائزة تمنحها دولة إسرائيل، تقديرًا لإنجازاته في مجال الفكر اليهودي.
- وسام رئيس الوزراء (1991): تقديرًا لخدمته المتميزة لدولة إسرائيل.
- جائزة بياليق (2012): جائزة مرموقة في الأدب العبري.
- الدكتوراه الفخرية من جامعة يشيفا: تقديرًا لإسهاماته في التعليم اليهودي.
وفاته وإرثه
توفي أدين شتاينزالتس في 7 أغسطس 2020، عن عمر يناهز 83 عامًا. ترك وراءه إرثًا دائمًا كواحد من أبرز المفكرين والمعلمين اليهود في العصر الحديث. سيستمر عمله على التلمود ومؤلفاته الأخرى في إلهام وتثقيف الأجيال القادمة. لقد لعب دورًا حاسمًا في جعل المعرفة اليهودية في متناول جمهور أوسع، وتعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف الجماعات الدينية والثقافية. ستظل رؤيته الفلسفية والاجتماعية مصدر إلهام لأولئك الذين يسعون إلى بناء عالم أكثر عدلاً وتسامحًا.
خاتمة
كان أدين شتاينزالتس شخصية بارزة في عالم الفكر والثقافة اليهودية. من خلال ترجمته وشرحه للتلمود، ومؤلفاته العديدة، وأنشطته التعليمية، ترك بصمة لا تُمحى على المجتمع اليهودي العالمي. لقد سعى جاهدًا لجعل المعرفة اليهودية في متناول الجميع، وتعزيز الحوار والتفاهم، والإلهام من أجل التغيير الاجتماعي الإيجابي. سيستمر إرثه في إلهام الأجيال القادمة من الطلاب والباحثين والقادة.