خلفية تاريخية
ولد فيلنا غاون (1720-1797) في فيلنيوس، ليتوانيا، وكان عالمًا يهوديًا بارزًا ومشهورًا بمعرفته الواسعة بالتوراة والتلمود والكابالا. كان له تأثير كبير على اليهودية الليتوانية، وأثرت تعاليمه في العديد من أتباعه. بعد وفاته، استمر تلاميذه في نشر أفكاره، وشكلوا نواة حركة الپروشيم.
كانت أوروبا الشرقية في بداية القرن التاسع عشر تشهد تحولات كبيرة. تأثر اليهود في المنطقة بالعديد من العوامل، بما في ذلك التنوير اليهودي (Haskalah) والحركات الاجتماعية الجديدة. في هذا السياق، ظهرت الحاجة إلى الحفاظ على التقاليد اليهودية القديمة وتجديدها. هنا برز دور الپروشيم كقوة محافظة سعت إلى الحفاظ على الأرثوذكسية اليهودية في مواجهة التغييرات العصرية.
النشأة والمعتقدات
تأسست حركة الپروشيم على يد تلاميذ فيلنا غاون الذين رأوا في تعاليمه طريقًا للحياة اليهودية الصحيحة. اعتقدوا بضرورة العودة إلى الدراسة المكثفة للتوراة والتلمود والالتزام الصارم بالوصايا الدينية. كان هؤلاء التلاميذ ملتزمين بشدة بتجنب التأثيرات الخارجية، مثل تلك التي جلبتها حركة التنوير. سعوا إلى الحفاظ على “الأسس” التقليدية لليهودية.
ركز الپروشيم على عدة قيم أساسية:
- الدراسة المكثفة للتوراة: اعتبروا الدراسة اليومية للتوراة والتلمود أمرًا ضروريًا للحياة اليهودية.
- الالتزام الصارم بالوصايا الدينية: حرصوا على الالتزام الدقيق بالقوانين والتقاليد اليهودية.
- الزهد والبساطة: رفضوا البذخ والترف، وفضلوا العيش البسيط.
- الحياة المجتمعية: شددوا على أهمية التعاون والتكافل داخل المجتمع اليهودي.
- الحب لأرض إسرائيل: اعتقدوا بقدسية أرض إسرائيل، واعتبروا الهجرة إليها فريضة دينية.
الهجرة إلى فلسطين
كانت الهجرة إلى فلسطين جزءًا أساسيًا من رؤية الپروشيم. في بداية القرن التاسع عشر، بدأت مجموعات صغيرة من الپروشيم بالهجرة من ليتوانيا إلى فلسطين، التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. كان دافعهم الرئيسي هو الإقامة في الأرض المقدسة، والعيش بالقرب من الأماكن المقدسة، وإحياء الحياة اليهودية في فلسطين. كان ذلك بمثابة استعادة الوجود اليهودي النشط في الأرض المقدسة.
واجه المهاجرون صعوبات كبيرة. كانت الظروف المعيشية صعبة، وكانت هناك تحديات اقتصادية وصحية وأمنية. ومع ذلك، استمر الپروشيم في القدوم إلى فلسطين، وأنشأوا مجتمعات جديدة في القدس وصفد وطبريا والخليل. ساهموا في بناء المؤسسات اليهودية في فلسطين، مثل المدارس والمعابد والمؤسسات الخيرية.
تأسيس المجتمعات في فلسطين
عند وصولهم إلى فلسطين، قام الپروشيم بتأسيس مجتمعات جديدة، تميزت بالحياة الدينية المكثفة والالتزام الشديد بالتقاليد اليهودية. بنوا المعابد والمدارس الدينية، وأسسوا المؤسسات الخيرية لدعم المحتاجين. لعبوا دورًا مهمًا في الحفاظ على الحياة اليهودية في فلسطين وتنميتها. كان لهم تأثير كبير على المجتمع اليهودي في فلسطين.
أحد أبرز إنجازات الپروشيم هو تأسيس “يشيفات” (مدارس دينية) في فلسطين. كانت هذه المدارس بمثابة مراكز للتعلم والتأثير، حيث درس فيها الطلاب التوراة والتلمود والكابالا. ساهمت هذه المدارس في الحفاظ على المعرفة اليهودية ونقلها إلى الأجيال القادمة. كما قاموا بتأسيس دور العبادة حيث اجتمع اليهود للصلاة والدراسة.
التأثير والتراث
ترك الپروشيم إرثًا دائمًا في تاريخ اليهودية. لقد ساهموا في إحياء الدراسة الدينية، وإعادة بناء المجتمعات اليهودية في فلسطين. كان لجهودهم تأثير كبير على تطور الحركة الصهيونية الدينية. كما أنهم قدّموا نموذجًا للحياة اليهودية المتفانية والملتزمة، التي ألهمت العديد من اليهود في جميع أنحاء العالم.
أثرت أفكار الپروشيم على العديد من الحركات اليهودية اللاحقة. يعتبرون روادًا في الحركة الصهيونية الدينية، التي جمعت بين الالتزام الديني والرغبة في إقامة دولة يهودية في فلسطين. استمر تأثيرهم في المجتمعات اليهودية الأرثوذكسية حتى يومنا هذا.
الفروقات عن الحاخامات الحسيديم
من الضروري المقارنة بين الپروشيم والحسيديم، وهي حركة يهودية أخرى ظهرت في أوروبا الشرقية في نفس الفترة تقريبًا. في حين أن الپروشيم ركزوا على الدراسة المكثفة للتوراة والتلمود والالتزام الصارم بالوصايا الدينية، ركز الحسيديم على التجربة الروحية العميقة والتواصل المباشر مع الله من خلال الصلاة والموسيقى والرقص. بينما كان الپروشيم يتبنون نهجًا أكثر محافظة، كان الحسيديم يميلون إلى نهج أكثر صوفية.
نشأت توترات في بعض الأحيان بين الپروشيم والحسيديم، بسبب اختلافاتهم في الممارسات والآراء الدينية. ومع ذلك، فقد أثرت الحركتان على بعضهما البعض، وساهمتا في تشكيل المشهد اليهودي في أوروبا الشرقية.
الپروشيم في العصر الحديث
على الرغم من أن الپروشيم كحركة منظمة لم تعد موجودة بالمعنى الأصلي، إلا أن إرثهم لا يزال حيًا في المجتمعات اليهودية الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم. تواصل المدارس الدينية التي أسسوها في فلسطين تقديم التعليم الديني، وتستمر أفكارهم في التأثير على الحياة اليهودية. لا يزال أفراد المجتمع اليهودي الأرثوذكسي يتأثرون بتعاليم الپروشيم، وخاصة فيما يتعلق بالدراسة والالتزام الديني والمسؤولية المجتمعية.
في العصر الحديث، يمكن رؤية تأثير الپروشيم في العديد من جوانب الحياة اليهودية، من الممارسات الدينية إلى القضايا السياسية. يستمر الباحثون في دراسة تاريخهم وإرثهم، ومحاولة فهم تأثيرهم على تطور اليهودية.
خاتمة
يمثل الپروشيم فصلًا هامًا في تاريخ اليهودية. لقد لعبوا دورًا محوريًا في إحياء الدراسة الدينية، وتأسيس المجتمعات اليهودية في فلسطين، والمساهمة في تطور الحركة الصهيونية الدينية. على الرغم من أنهم لم يعودوا موجودين كحركة مستقلة، إلا أن إرثهم لا يزال حيًا في المجتمعات اليهودية الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم. لقد تركوا بصمة دائمة على التاريخ اليهودي، ولا يزال تأثيرهم ملموسًا حتى اليوم.
المراجع
- Jewish Virtual Library – Perushim
- My Jewish Learning – Perushim
- Encyclopaedia Britannica – Perushim
- Sefaria – Biblical References
“`