خلفية الكتاب والمؤلفين
صدر الكتاب عام 2004، وهو استمرار لسلسلة أفكار بدأها نيغري وهاردت في كتابهما السابق “الإمبراطورية” (Empire) الذي نُشر عام 2000. يمثل الكتابان معًا مشروعًا فكريًا طموحًا يهدف إلى فهم طبيعة السلطة في العصر الحديث، وكيفية عملها وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات. أنطونيو نيغري، فيلسوف سياسي إيطالي، معروف بأعماله في الفلسفة الماركسية والسياسة، وهو أيضًا ناشط سياسي لعب دورًا بارزًا في الحركات الاجتماعية في إيطاليا في السبعينيات. أما مايكل هاردت، فهو ناقد أدبي وفيلسوف أمريكي، متخصص في الفلسفة السياسية والثقافة.
مفهوم الإمبراطورية
يستخدم الكتاب مصطلح “الإمبراطورية” للإشارة إلى نظام عالمي جديد يختلف عن الإمبريالية التقليدية. وفقًا لنيغري وهاردت، لا تقوم الإمبراطورية على دولة واحدة مسيطرة، بل على شبكة معقدة من السلطات المتداخلة، بما في ذلك الدول القومية والمنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات. تتسم الإمبراطورية بالمرونة واللامركزية، وهي قادرة على التكيف مع التغيرات السريعة في الاقتصاد والسياسة والثقافة.الإمبراطورية بالنسبة لهما، ليست مجرد نظام سياسي، بل هي أيضًا نظام ثقافي واجتماعي يفرض هيمنته على جميع جوانب الحياة.
الحرب في عصر الإمبراطورية
يرى الكتاب أن الحرب في عصر الإمبراطورية تختلف عن الحروب التقليدية. لم تعد الحروب تقتصر على الصراعات بين الدول القومية، بل أصبحت جزءًا من آلية عمل الإمبراطورية. تستخدم الإمبراطورية الحرب كأداة للسيطرة وإعادة التوازن، وكوسيلة لإدارة الأزمات. يركز الكتاب على ما يسميه “الحرب الكونية“، وهي حرب دائمة ضد كل ما يعارض الإمبراطورية، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة والحركات الاجتماعية.
يحلل الكتاب أيضًا دور التقنيات الجديدة في الحرب. مع تطور التكنولوجيا، أصبحت الحروب أكثر دقة وقدرة على الوصول إلى أهدافها، مما يزيد من تعقيدها ويصعب مهمة فهمها. يؤكد الكتاب على أهمية فهم طبيعة الحرب في عصر الإمبراطورية من أجل مواجهة تحدياتها.
الديمقراطية والجموع
يقدم الكتاب مفهوم “الجموع” كبديل للديمقراطية التقليدية. يرى نيغري وهاردت أن الجموع هي قوة اجتماعية صاعدة تتشكل من الأفراد والجماعات التي ترفض الخضوع للإمبراطورية. تتسم الجموع بالتنوع والتعاون والقدرة على المقاومة. الديمقراطية، كما يراها الكتاب، يجب أن تكون ديمقراطية “من الأسفل إلى الأعلى”، أي تعتمد على المشاركة الفعالة للجميع في اتخاذ القرارات. يركز الكتاب على أهمية بناء تحالفات واسعة بين الجماعات المختلفة لتحقيق التغيير.
الجمهور هنا ليس مجرد تكتل من الأفراد، بل هو كيان سياسي واجتماعي قادر على ممارسة السلطة وتحدي الإمبراطورية. يرى الكتاب أن الجموع تمتلك القدرة على إعادة تشكيل العالم من خلال ممارسة الديمقراطية بطرق جديدة وغير تقليدية. يركز الكتاب على أهمية الحركات الاجتماعية والشبكات الرقمية في تمكين الجموع.
المقاومة والتحرر
يدعو الكتاب إلى المقاومة والتحرر من هيمنة الإمبراطورية. يقدم الكتاب استراتيجيات مختلفة للمقاومة، بما في ذلك:
- إعادة التفكير في مفهوم المواطنة: يجب على الأفراد أن يدركوا أنهم ليسوا مجرد مواطنين للدول القومية، بل هم أيضًا مواطنون عالميون.
- بناء تحالفات واسعة: يجب على الجماعات المختلفة أن تتعاون معًا لتحقيق أهداف مشتركة.
- استخدام التكنولوجيا: يمكن استخدام التكنولوجيا لتعزيز التواصل والتنظيم والمقاومة.
- تطوير أشكال جديدة من الديمقراطية: يجب على الأفراد أن يبحثوا عن طرق جديدة لممارسة الديمقراطية، مثل الديمقراطية المباشرة والديمقراطية التشاركية.
يرى الكتاب أن المقاومة يجب أن تكون شاملة، وتشمل جميع جوانب الحياة. يجب على الأفراد أن يقاوموا الإمبراطورية في حياتهم اليومية، وفي عملهم، وفي ثقافتهم، وفي سياستهم. يركز الكتاب على أهمية الأمل والإيمان بالقدرة على تحقيق التغيير.
نقد وتحليل
لاقى كتاب “الجموع” ترحيبًا واسعًا، ولكنه تعرض أيضًا لانتقادات. يرى البعض أن الكتاب مفرط في التفاؤل، وأنه يبالغ في تقدير قوة الجموع. ينتقد آخرون الكتاب لعدم تقديمه حلولًا عملية للمشاكل التي يطرحها. ومع ذلك، يعتبر الكتاب عملًا فكريًا مهمًا، ساهم في إثراء النقاش حول طبيعة السلطة والديمقراطية في العصر الحديث.
من أهم الانتقادات الموجهة للكتاب:
- الغموض: يستخدم الكتاب لغة معقدة ومجردة، مما يجعل من الصعب فهم أفكاره.
- التفاؤل المفرط: يرى البعض أن الكتاب يبالغ في تقدير قوة الجموع وقدرتها على تحقيق التغيير.
- الافتقار إلى الحلول العملية: ينتقد آخرون الكتاب لعدم تقديمه حلولًا عملية للمشاكل التي يطرحها.
على الرغم من هذه الانتقادات، يعتبر كتاب “الجموع” عملًا فكريًا مهمًا. لقد ساهم الكتاب في إثراء النقاش حول طبيعة السلطة والديمقراطية في العصر الحديث. لقد ألهم الكتاب العديد من الحركات الاجتماعية والسياسية حول العالم.
أهمية الكتاب وتأثيره
يُعد كتاب “الجموع” من الأعمال الفكرية التي تركت بصمة واضحة في الفكر السياسي المعاصر. لقد أثر الكتاب في العديد من الحركات الاجتماعية والسياسية حول العالم، وقدم رؤية جديدة لكيفية مواجهة تحديات الإمبراطورية. ساهم الكتاب في إعادة التفكير في مفهوم الديمقراطية، وفي البحث عن أشكال جديدة من المقاومة والتحرر. كما أن الكتاب يعزز من أهمية دور الفرد والجماعات في صنع التغيير.
من خلال استكشاف مفاهيم الإمبراطورية، والحرب، والديمقراطية، والجموع، يقدم الكتاب رؤية شاملة للعالم في بداية القرن الحادي والعشرين. يشجع الكتاب على التفكير النقدي والتحليل العميق للأحداث الجارية، ويحث القراء على المشاركة الفعالة في بناء عالم أكثر عدالة وإنصافًا. إن فهم أفكار نيغري وهاردت يساعد على فهم التحديات التي تواجهها المجتمعات في العصر الحديث.
خاتمة
يقدم كتاب “الجموع: الحرب والديمقراطية في عصر الإمبراطورية” تحليلًا ثاقبًا للتغيرات التي يشهدها العالم في ظل الإمبراطورية. يدعو الكتاب إلى التفكير النقدي في طبيعة السلطة والديمقراطية، ويحث على المقاومة والتحرر من خلال بناء تحالفات واسعة وتطوير أشكال جديدة من الديمقراطية. على الرغم من بعض الانتقادات، يظل الكتاب عملًا فكريًا مهمًا، يساهم في فهم التحديات التي تواجه المجتمعات في العصر الحديث، ويشجع على المشاركة الفعالة في بناء عالم أفضل.
المراجع
- Hardt, Michael, and Antonio Negri. Multitude: War and Democracy in the Age of Empire. Penguin Books, 2004.
- Hardt, Michael, and Antonio Negri. Empire. Harvard University Press, 2000.
- Bove, Michael. “Antonio Negri.” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.).
- “The Oxford Handbook of Political Theology.” Edited by Anna Peterson and Michael C. Williams. Oxford University Press, 2012.
“`