مقدمة
التبني، والمعروف أيضًا بالملكية الديناميكية، هو عقيدة لاهوتية مسيحية مبكرة غير ثالوثية، تم إحياؤها لاحقًا. يرى التبني أن يسوع لم يكن إلهيًا بطبيعته منذ الأزل، بل كان إنسانًا عاديًا تبناه الله ليصبح ابنه عند معموديته أو قيامته. يتعارض هذا الاعتقاد مع العقيدة المسيحية السائدة التي تؤكد على أن يسوع هو الله الابن، الأقنوم الثاني في الثالوث، وأنه كان موجودًا دائمًا مع الآب والروح القدس.
الجذور التاريخية للتبني
تعود جذور التبني إلى القرون الأولى للمسيحية، عندما كانت العقائد اللاهوتية لا تزال قيد التشكل والتطور. ظهرت وجهات نظر مختلفة حول طبيعة يسوع وعلاقته بالله، وكان التبني أحد هذه التفسيرات. غالبًا ما يُنظر إلى التبني على أنه محاولة للتوفيق بين الإيمان بإنسانية يسوع الكاملة والإيمان بألوهيته.
تأثر التبني بالعديد من العوامل، بما في ذلك:
- الفكر اليهودي: حيث كان التركيز على وحدانية الله المطلقة، مما جعل فكرة الألوهية المتجسدة في شخص يسوع أمرًا صعبًا على البعض.
- الفلسفة اليونانية: التي قدمت مفاهيم مختلفة عن العلاقة بين الإلهي والبشري.
- التفسيرات المتنوعة للكتاب المقدس: حيث تمسك أنصار التبني بآيات معينة تؤكد على إنسانية يسوع وتجعله تابعًا لله.
المفاهيم الأساسية للتبني
تتلخص المفاهيم الأساسية للتبني في النقاط التالية:
- يسوع إنسان: يؤكد التبني على أن يسوع ولد إنسانًا كاملاً، مثله مثل أي شخص آخر.
- التبني الإلهي: يعتقد التبنيون أن الله تبنى يسوع ليصبح ابنه في وقت لاحق من حياته، سواء كان ذلك عند معموديته في نهر الأردن أو عند قيامته من بين الأموات.
- قوة الروح القدس: يرى التبنيون أن يسوع مُلئ بالروح القدس، مما مكنه من القيام بالمعجزات والتعليم بسلطة.
- مكانة يسوع المتميزة: يؤكد التبنيون على أن يسوع، بعد تبنيه، أصبح يتمتع بمكانة متميزة وقوة عظيمة، ولكنه يظل تابعًا لله وخاضعًا له.
أشكال التبني المختلفة
ظهرت أشكال مختلفة من التبني عبر التاريخ، تختلف في تفاصيلها ولكنها تتفق في جوهرها على أن يسوع لم يكن إلهيًا منذ الأزل:
- التبني الإبيوني: وهي أقدم أشكال التبني، حيث يعتقد الإبيونيون أن يسوع كان إنسانًا بارًا اختاره الله وأعطاه قوة خاصة عند معموديته.
- التبني البولسياني: نسبة إلى بولس السميساطي أسقف أنطاكية في القرن الثالث الميلادي، الذي رأى أن يسوع كان إنسانًا مُلئ بالكلمة الإلهية (اللوغوس)، مما جعله يتمتع بعلاقة فريدة مع الله.
- التبني الأريوسي: على الرغم من أن الأريوسية تختلف عن التبني في بعض الجوانب، إلا أنها تشترك معها في إنكار ألوهية يسوع الكاملة، حيث يعتقد الأريوسيون أن يسوع مخلوق من قبل الله، وبالتالي فهو ليس مساويًا له في الجوهر.
أسباب رفض التبني
تم رفض التبني من قبل التيار الرئيسي للمسيحية لعدة أسباب، أهمها:
- تعارضه مع الكتاب المقدس: يرى معارضو التبني أن الكتاب المقدس يقدم أدلة قوية على ألوهية يسوع منذ الأزل، مثل الآيات التي تشير إلى وجوده قبل التجسد وأعماله الإلهية.
- تهديده للخلاص: يرى اللاهوتيون أن التبني يقلل من أهمية عمل المسيح الخلاصي، حيث أن خلاص البشر يتطلب أن يكون المسيح هو الله المتجسد الذي يستطيع أن يكفر عن خطاياهم.
- تأثيره على عقيدة الثالوث: يرفض التبني عقيدة الثالوث التي تعتبر أساسية في المسيحية، حيث يؤكد على أن الله واحد في ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس.
- الإجماع الكنسي: رفضت المجامع المسكونية الكبرى، مثل مجمع نيقية ومجمع القسطنطينية، التبني وأكدت على ألوهية يسوع الكاملة.
تأثير التبني على الفكر المسيحي
على الرغم من رفضه من قبل التيار الرئيسي، إلا أن التبني ترك بصمة على الفكر المسيحي، حيث ساهم في إثارة نقاشات حول طبيعة يسوع وعلاقته بالله، وحفز اللاهوتيين على تقديم حجج للدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية. كما أن بعض الجماعات المسيحية الصغيرة استمرت في تبني أفكار قريبة من التبني حتى يومنا هذا.
التبني في العصر الحديث
في العصر الحديث، ظهرت أشكال جديدة من التبني، غالبًا ما تكون مرتبطة بحركات دينية جديدة أو تفسيرات غير تقليدية للكتاب المقدس. تحاول هذه الحركات إعادة تفسير طبيعة يسوع بطريقة تتفق مع فهمها الخاص للدين والعالم.
من الأمثلة على هذه الحركات:
- الوحدويون العالميون: الذين يؤمنون بإله واحد ولا يؤمنون بالثالوث، ويعتبرون يسوع معلمًا روحيًا عظيمًا وليس إلهًا.
- بعض الجماعات المسيحية المستقلة: التي تتبنى تفسيرات غير تقليدية للكتاب المقدس وتشكك في العقائد التقليدية.
نقد التبني في العصر الحديث
يستمر اللاهوتيون المسيحيون في نقد التبني في العصر الحديث، مؤكدين على أن الكتاب المقدس يقدم أدلة قوية على ألوهية يسوع، وأن رفض هذه الحقيقة يؤدي إلى تقويض أساس الإيمان المسيحي. كما أنهم يحذرون من مخاطر التفسيرات غير التقليدية للكتاب المقدس التي قد تؤدي إلى تحريف الحقائق اللاهوتية الأساسية.
خاتمة
التبني هو عقيدة لاهوتية مسيحية قديمة ترى أن يسوع لم يكن إلهيًا منذ الأزل، بل كان إنسانًا تبناه الله ليصبح ابنه. تم رفض هذه العقيدة من قبل التيار الرئيسي للمسيحية بسبب تعارضها مع الكتاب المقدس وعقيدة الثالوث. على الرغم من ذلك، ترك التبني بصمة على الفكر المسيحي وأثار نقاشات حول طبيعة يسوع وعلاقته بالله. في العصر الحديث، ظهرت أشكال جديدة من التبني مرتبطة بحركات دينية جديدة وتفسيرات غير تقليدية للكتاب المقدس.