أصل التسمية والتاريخ
جاءت تسمية “الديكابوليس” من الكلمة اليونانية “ديكا” (δέκα) وتعني “عشرة”، و “بوليس” (πόλις) وتعني “مدينة”. ظهر هذا المصطلح في القرن الأول الميلادي للإشارة إلى هذه المجموعة المميزة من المدن. تعود جذور هذه المدن إلى الفترة الهلنستية، بعد فتوحات الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد. خلال هذه الفترة، تأسست العديد من المدن الجديدة أو أُعيد بناؤها على النمط اليوناني، وأصبحت مراكز للحضارة والثقافة الهلنستية في المنطقة.
بعد أن ضم الرومان المنطقة في القرن الأول قبل الميلاد، ازدهرت هذه المدن تحت الحكم الروماني، وتمتعت بقدر كبير من الاستقلال الذاتي والحكم الذاتي. استفادت الديكابوليس من السلام الروماني (Pax Romana) والتجارة المزدهرة، وأصبحت مراكز تجارية وثقافية مهمة. بُنيت فيها المسارح والملاعب والحمامات الرومانية، وشُيدت الطرق والجسور لربطها ببقية أنحاء الإمبراطورية.
مدن الديكابوليس
تختلف المصادر التاريخية في تحديد المدن العشر التي كانت تشكل الديكابوليس، ولكن القائمة الأكثر شيوعًا تتضمن المدن التالية:
- فيلادلفيا (Philadelphia): وهي مدينة عمّان الحديثة، عاصمة الأردن.
- جرش (Gerasa): تقع في الأردن، وتعتبر واحدة من أفضل المدن الرومانية المحفوظة في العالم.
- جدارا (Gadara): تقع في الأردن، وتُعرف اليوم باسم أم قيس.
- بيلا (Pella): تقع في الأردن، وتشتهر بآثارها التي تعود إلى العصر البرونزي والعصر الروماني.
- ديون (Dion): موقعها غير مؤكد تمامًا، ولكن يُعتقد أنها تقع في الأردن أو سوريا.
- هيبوس (Hippos): تقع في فلسطين المحتلة، وتطل على بحيرة طبريا.
- دِمشق (Damascus): عاصمة سوريا وأقدم مدينة مأهولة في العالم.
- رافانا (Raphana): موقعها غير مؤكد، ولكن يُعتقد أنها تقع في الأردن.
- سكيثوبوليس (Scythopolis): تقع في فلسطين المحتلة، وتُعرف اليوم باسم بيسان.
- كاناثا (Kanatha): تقع في سوريا، وتُعرف اليوم باسم القنوات.
من المهم ملاحظة أن هذه القائمة ليست نهائية، وأن بعض المصادر قد تذكر مدنًا أخرى بدلاً من بعض المدن المذكورة أعلاه. ومع ذلك، فإن هذه المدن العشر تمثل النواة الأساسية للديكابوليس.
الخصائص المشتركة
على الرغم من أن مدن الديكابوليس لم تكن كيانًا سياسيًا موحدًا، إلا أنها تشاركت في العديد من الخصائص المشتركة، بما في ذلك:
- الثقافة الهلنستية: تأثرت هذه المدن بشكل كبير بالثقافة اليونانية، وكانت مراكز مهمة للغة والأدب والفلسفة اليونانية.
- الحكم الذاتي: تمتعت مدن الديكابوليس بقدر كبير من الحكم الذاتي تحت الحكم الروماني، وكان لها مجالسها المحلية وقوانينها الخاصة.
- الاقتصاد المشترك: كانت مدن الديكابوليس مراكز تجارية مهمة، واعتمدت على التجارة والزراعة في اقتصادها.
- الموقع الاستراتيجي: كانت مدن الديكابوليس تقع على طرق التجارة الرئيسية، وكانت بمثابة نقاط وصل بين الشرق والغرب.
- العمارة الرومانية: شهدت هذه المدن ازدهاراً معمارياً في العصر الروماني، حيث بُنيت المسارح والملاعب والحمامات الرومانية والمعابد وغيرها من المباني العامة.
أهمية الديكابوليس
كانت الديكابوليس منطقة مهمة في العالم القديم لأسباب عديدة، منها:
- مركز للحضارة الهلنستية والرومانية: لعبت مدن الديكابوليس دورًا مهمًا في نشر الحضارة اليونانية والرومانية في المنطقة.
- مركز للتجارة: كانت مدن الديكابوليس مراكز تجارية مهمة، وربطت بين الشرق والغرب.
- أهمية استراتيجية: كانت مدن الديكابوليس تقع على الحدود الشرقية للإمبراطورية الرومانية، ولعبت دورًا مهمًا في الدفاع عن الإمبراطورية.
- ذكرها في الإنجيل: ذُكرت منطقة الديكابوليس في العهد الجديد من الكتاب المقدس، حيث قام يسوع المسيح بالعديد من المعجزات في هذه المنطقة.
تراجع الديكابوليس
بدأ نفوذ الديكابوليس في التراجع في القرون اللاحقة، بسبب عدة عوامل منها:
- الاضطرابات السياسية: شهدت المنطقة اضطرابات سياسية وحروبًا في القرون اللاحقة، مما أثر سلبًا على مدن الديكابوليس.
- الزلزال الكبير عام 749 م: دمر هذا الزلزال العديد من مدن الديكابوليس، وأدى إلى تدهورها.
- الفتح الإسلامي: أدى الفتح الإسلامي للمنطقة في القرن السابع الميلادي إلى تغييرات كبيرة في المنطقة، وتراجع أهمية مدن الديكابوليس.
على الرغم من تراجعها، ظلت مدن الديكابوليس مدنًا مأهولة، ولعبت دورًا في التاريخ الإسلامي للمنطقة. اليوم، تُعد آثار مدن الديكابوليس من أهم المعالم السياحية في المنطقة، وتشهد إقبالًا كبيرًا من السياح من جميع أنحاء العالم.
الديكابوليس في العهد الجديد
ورد ذكر الديكابوليس في العهد الجديد من الكتاب المقدس (إنجيل متى 4: 25، إنجيل مرقس 5: 20، 7: 31) كمنطقة شهدت خدمة يسوع المسيح وتعليمه. يُذكر أن يسوع قام بالعديد من المعجزات في هذه المنطقة، مثل شفاء الأعمى والأخرس والمشلول. وقد أثرت هذه المعجزات في سكان المنطقة، وجعلت الكثيرين يؤمنون به.
يُشير ذكر الديكابوليس في الإنجيل إلى أن رسالة يسوع لم تقتصر على اليهود فقط، بل امتدت لتشمل الأمم الأخرى. وقد ساهم هذا في انتشار المسيحية في المنطقة وخارجها.
أمثلة على مدن الديكابوليس اليوم
بعض مدن الديكابوليس لا تزال موجودة ومأهولة حتى اليوم، بينما البعض الآخر تحول إلى مواقع أثرية. إليك بعض الأمثلة:
- عمّان (فيلادلفيا): العاصمة الأردنية الحديثة، وهي مدينة كبيرة ومزدهرة.
- جرش (Gerasa): مدينة أثرية محفوظة بشكل جيد، تجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
- أم قيس (جدارا): موقع أثري يوفر إطلالات خلابة على بحيرة طبريا وهضبة الجولان.
- بيسان (سكيثوبوليس): مدينة أثرية تحتوي على آثار رومانية وبيزنطية وإسلامية.
- دمشق (Damascus): عاصمة سوريا، وهي مدينة تاريخية ذات أهمية ثقافية كبيرة.
تُعد هذه المدن شاهدة على تاريخ طويل ومزدهر، وتُذكرنا بأهمية الديكابوليس في العالم القديم.
خاتمة
الديكابوليس هي مجموعة من عشر مدن كانت تتمتع بموقع استراتيجي واقتصاد مشترك على الحدود الشرقية للإمبراطورية الرومانية. ازدهرت هذه المدن تحت الحكم الروماني وأصبحت مراكز تجارية وثقافية مهمة. على الرغم من تراجعها في القرون اللاحقة، إلا أن آثارها لا تزال موجودة حتى اليوم، وتشهد على تاريخ طويل ومزدهر. ذُكرت الديكابوليس في العهد الجديد من الكتاب المقدس كمنطقة شهدت خدمة يسوع المسيح وتعليمه.