نشأتها وبدايات مسيرتها المهنية
ولدت غيرتا كيلر في سويسرا، وانتقلت في وقت لاحق إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراساتها العليا. حصلت على درجة البكالوريوس والماجستير من جامعة زيورخ، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ستانفورد في عام 1978. بدأت مسيرتها المهنية في التدريس والبحث في جامعة برينستون، حيث أمضت سنوات عديدة في دراسة علم الأحفوريات والجيولوجيا. خلال هذه الفترة، بدأت في تطوير اهتمامها الخاص بالانقراض الجماعي، وهو الموضوع الذي سيحدد مسيرتها المهنية.
أعمالها وأبحاثها الرئيسية
تركزت أبحاث كيلر بشكل أساسي على دراسة الحدث الذي وقع في نهاية العصر الطباشيري، والذي أدى إلى انقراض الديناصورات وغيرها من الكائنات الحية. على الرغم من أن فرضية ألفاريز، التي افترضت أن اصطدام نيزك كبير بالأرض هو السبب الرئيسي لهذا الانقراض، كانت مقبولة على نطاق واسع، إلا أن كيلر قدمت أدلة تدعم وجهة نظر بديلة. وهي ترى أن الاصطدام لم يكن السبب الوحيد، بل ربما لم يكن السبب الرئيسي للانقراض. جادلت بأن هناك عوامل أخرى ساهمت في هذه الكارثة، بما في ذلك النشاط البركاني المكثف والظروف البيئية المتغيرة.
أحد أبرز مساهمات كيلر هو بحثها في حفرة تشيكشولوب في شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك، والتي يعتقد أنها موقع اصطدام النيزك. قامت كيلر وزملاؤها بتحليل عينات من الرواسب من هذه الحفرة، ووجدوا أدلة على أن الاصطدام ربما لم يكن متزامناً بشكل دقيق مع الانقراض. كما أظهروا أن هناك فترة من التغيرات البيئية المعقدة التي سبقت الانقراض، مما يشير إلى أن الاصطدام كان مجرد عامل واحد من بين عدة عوامل أدت إلى الكارثة.
بالإضافة إلى دراساتها حول حفرة تشيكشولوب، أجرت كيلر أبحاثاً مكثفة حول التسلسل الطبقي للصخور في مواقع مختلفة حول العالم، بما في ذلك أوروبا وأمريكا الشمالية. سمحت لها هذه الدراسات بتحديد التغيرات في الغطاء النباتي وتنوع الأحياء البحرية في الفترة التي سبقت الانقراض وأثناءه وبعده. وقد بينت هذه الأبحاث أن الانقراض لم يكن حدثاً مفاجئاً، بل كان عملية معقدة استغرقت وقتاً طويلاً. قدمت هذه الأبحاث أدلة قوية على أن التغيرات البيئية، مثل التغيرات في درجة الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، لعبت دوراً مهماً في الانقراض.
الخلاف حول فرضية كيلر
أثارت أبحاث كيلر جدلاً كبيراً في المجتمع العلمي. فقد عارضت بشدة فرضية ألفاريز، التي كانت مقبولة على نطاق واسع، مما أدى إلى انتقادات واسعة لأعمالها. اتهمها بعض العلماء بعدم تقديم أدلة كافية لدعم ادعاءاتها، واتهموها بالتحيز ضد فرضية الاصطدام. ومع ذلك، استمرت كيلر في الدفاع عن وجهات نظرها، وقدمت المزيد من الأدلة لدعم فرضيتها.
أحد النقاط الرئيسية في جدال كيلر هو تحديد التوقيت الدقيق للاصطدام والانقراض. جادلت بأن الاصطدام ربما لم يكن متزامناً مع الانقراض، وأن هناك فترة من التغيرات البيئية التي سبقت الانقراض. تعتمد حجتها على تحليلها للعينات من حفرة تشيكشولوب، وعلى دراساتها للتسلسل الطبقي للصخور في مواقع مختلفة حول العالم. ومع ذلك، يرى بعض العلماء أن الأدلة التي قدمتها كيلر غير حاسمة، وأن فرضية الاصطدام لا تزال هي التفسير الأكثر ترجيحاً للانقراض.
على الرغم من الجدل، ساهمت أبحاث كيلر بشكل كبير في فهمنا للانقراض الجماعي. قدمت وجهة نظر بديلة حول أسباب الانقراض، وشجعت العلماء على إعادة النظر في الأدلة الموجودة. أدت أبحاثها إلى مزيد من الدراسة والبحث، مما ساعد على تحسين فهمنا للعمليات الجيولوجية والبيولوجية التي حدثت في نهاية العصر الطباشيري.
مساهمات أخرى
بالإضافة إلى أبحاثها حول الانقراض الجماعي، قدمت كيلر مساهمات مهمة في مجالات أخرى من علم الجيولوجيا وعلم الأحفوريات. شاركت في العديد من المشاريع البحثية حول تاريخ الأرض، وقدمت مساهمات في فهمنا للتغيرات المناخية، وتطور الحياة، والعمليات الجيولوجية. كما أنها مؤلفة للعديد من المقالات والمنشورات العلمية، وقدمت عروضاً في مؤتمرات وندوات علمية في جميع أنحاء العالم.
تعتبر كيلر أيضاً ناشطة في مجال التعليم والتوعية العامة. شاركت في العديد من البرامج التعليمية، وقدمت محاضرات وورش عمل للطلاب والجمهور العام. تهدف جهودها إلى زيادة الوعي بأهمية العلوم الجيولوجية وعلم الأحفوريات، وتشجيع الشباب على دراسة هذه المجالات. كما أنها تعمل على تعزيز أهمية البحث العلمي وتقدير أهميته في المجتمع.
التقدير والجوائز
حصلت غيرتا كيلر على العديد من الجوائز والأوسمة تقديراً لمساهماتها في مجال العلوم. تم انتخابها كعضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، وهي واحدة من أعلى التكريمات التي يمكن أن يحصل عليها عالم في الولايات المتحدة. كما حصلت على العديد من الجوائز الأخرى، بما في ذلك جائزة ألفريد ب. سلوين من جمعية الجيولوجيا الأمريكية.
يعتبر عملها مثالاً على أهمية البحث العلمي المستقل، وقدرة العلماء على تحدي النظريات السائدة. ساهمت أبحاثها في تغيير فهمنا للعمليات الجيولوجية والبيولوجية التي شكلت تاريخ الأرض، وتستمر في إلهام الأجيال القادمة من العلماء.
الأهمية العلمية
تكمن أهمية عمل غيرتا كيلر في عدة جوانب. أولاً، ساهمت في تحدي الفهم السائد للانقراض الجماعي في نهاية العصر الطباشيري، مما أدى إلى إعادة تقييم الأدلة الموجودة. ثانياً، قدمت أدلة على أن الانقراض كان عملية معقدة، شاركت فيها عوامل متعددة. ثالثاً، أثارت جدلاً علمياً مهماً، مما أدى إلى زيادة البحث والتنقيب في هذا المجال. رابعاً، شجعت على أهمية التفكير النقدي والبحث عن أدلة جديدة.
أدت أبحاثها إلى تغيير الطريقة التي يفكر بها العلماء في الانقراض الجماعي. ساهمت في توسيع نطاق فهمنا للعمليات الجيولوجية والبيولوجية، وأبرزت أهمية التفاعل بين العوامل البيئية والكوارث الطبيعية. تعتبر أعمالها بمثابة تذكير بأهمية البحث العلمي، وقدرة العلماء على تحدي النظريات السائدة، والبحث عن الحقيقة.
التأثير المستمر
يستمر تأثير أبحاث غيرتا كيلر في مجال العلوم حتى اليوم. لا تزال أفكارها موضع نقاش ونقاش في المجتمع العلمي. إن التحدي الذي وجهته لفرضية الاصطدام قد فتح الباب أمام مزيد من البحث والتحقيق، وأدى إلى اكتشافات جديدة. يلهم عملها العلماء في جميع أنحاء العالم لمواصلة استكشاف أسرار تاريخ الأرض، وتحدي الافتراضات، والبحث عن إجابات جديدة.
إن إسهامات كيلر ليست مقصورة على المجال العلمي فحسب، بل تمتد أيضاً إلى مجال التعليم والتوعية العامة. ساهمت في زيادة الوعي بأهمية العلوم الجيولوجية، وألهمت الشباب لمتابعة مسيرة مهنية في هذا المجال. إن عملها يمثل مثالاً على قوة البحث العلمي في تغيير فهمنا للعالم من حولنا.