نشأته وبداياته المهنية
ولد سيرجي كروغلوف في قرية أوسيترا في محافظة تفير (كالينين الآن)، في روسيا. انضم إلى الحزب الشيوعي السوفيتي في عام 1928. بدأ حياته المهنية في جهاز الأمن، وشغل مناصب مختلفة في المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية (NKVD) في الثلاثينيات. اكتسب كروغلوف خبرة كبيرة في عمل أجهزة الأمن، وتسلق سلم القيادة بسرعة نظرًا لولائه ومهاراته التنظيمية.
خلال فترة التطهيرات الكبرى في أواخر الثلاثينيات، شارك كروغلوف في قمع المعارضين السياسيين وتنفيذ عمليات الإعدام. كان له دور فعال في حملة التطهير التي قام بها نيكولاي يي تشوف، رئيس المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية في ذلك الوقت. هذا النشاط أكسبه تقديرًا من السلطات، ومهد الطريق لصعوده السريع في التسلسل الهرمي للقيادة.
صعوده إلى السلطة
في عام 1939، تم تعيين كروغلوف نائبًا لوزير الداخلية، لافرينتي بيريا، الذي كان يعتبر أحد أقوى الشخصيات في الاتحاد السوفيتي. كان هذا التعيين بمثابة اعتراف بقدراته ومهاراته الإدارية. وخلال الحرب العالمية الثانية، لعب كروغلوف دورًا حيويًا في إدارة جهاز الأمن في الاتحاد السوفيتي، حيث كان مسؤولًا عن حماية الأمن الداخلي ومكافحة التجسس. كما أشرف على عمليات الترحيل الجماعي للأقليات العرقية التي يشتبه في أنها تتعاون مع الألمان، مثل التتار القرم، والشيشان، والإنجوش.
بعد وفاة ستالين في عام 1953، تم اعتقال لافرينتي بيريا وإعدامه، مما أدى إلى إعادة تنظيم قيادة وزارة الداخلية. في مارس 1953، أُقيل كروغلوف من منصبه كوزير للداخلية، وعُين نائبًا لوزير الداخلية. في عام 1956، تم فصله من الحزب الشيوعي، وتقاعد لاحقًا. توفي في عام 1977.
وزير الداخلية (1946-1953)
شهدت فترة تولي كروغلوف منصب وزير الداخلية تنفيذ عدد من الإجراءات والسياسات القمعية. خلال هذه الفترة، زادت عمليات الاعتقال والإعدام والإبعاد. كان كروغلوف مسؤولاً عن إدارة شبكة معسكرات العمل (الغولاغ)، التي احتجزت ملايين السجناء في ظروف قاسية. وقد لعب دورًا كبيرًا في قمع المعارضة السياسية والسيطرة على المجتمع السوفيتي.
من أبرز الأحداث التي شهدتها فترة ولايته:
- حملة مكافحة “أعداء الشعب”: استمرت هذه الحملة في استهداف الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم يمثلون تهديدًا للدولة، سواء كانوا معارضين سياسيين أو أفرادًا متهمين بالتعاون مع الأجانب.
- ترحيل الجماعات العرقية: استمرت عمليات ترحيل الجماعات العرقية، مثل الأوكرانيين، والبلطيقيين، والكوريين، إلى مناطق نائية من الاتحاد السوفيتي.
- مكافحة “الصهيونية”: في أواخر عهد ستالين، بدأت حملة مناهضة للسامية، استهدفت اليهود السوفييت. لعب كروغلوف دورًا في هذه الحملة، حيث اتهم العديد من اليهود بالعمالة لصالح الولايات المتحدة و”الصهيونية العالمية”.
دوره في قضية الأطباء
في عام 1952، بدأت حملة “مؤامرة الأطباء”، حيث اتُهم عدد من الأطباء اليهود بالتخطيط لقتل القادة السوفيتيين. لعب كروغلوف دورًا رئيسيًا في هذه القضية، حيث أشرف على التحقيقات واعتقال الأطباء. كانت هذه القضية بمثابة ذروة القمع الستاليني، وأدت إلى تدهور كبير في العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والغرب. بعد وفاة ستالين، تم الكشف عن أن قضية الأطباء كانت ملفقة، وتمت تبرئة جميع المتهمين.
تأثيره وإرثه
كان سيرجي كروغلوف شخصية مثيرة للجدل في التاريخ السوفيتي. لقد كان أداة فعالة في يد ستالين، ونفذ سياسات القمع والترهيب التي أدت إلى معاناة ملايين الأشخاص. على الرغم من أنه لم يكن بنفس أهمية لافرينتي بيريا، إلا أن دوره في جهاز الدولة السوفيتية كان كبيرًا. إرثه مرتبط بالظلم والانتهاكات التي ارتكبت في ظل حكم ستالين.
بعد إقالته من منصبه كوزير للداخلية، لم يلعب كروغلوف دورًا سياسيًا كبيرًا. ومع ذلك، فإن تأثيره على الأمن السوفيتي والسياسات القمعية لا يزال محسوسًا.
الخلافات والجدل
ظل دور كروغلوف في قمع المعارضة السياسية والاضطهاد العرقي موضوع جدل مستمر. يرى البعض أنه كان مجرد منفذ لأوامر ستالين، في حين يرى آخرون أنه كان مسؤولاً عن الأفعال التي ارتكبها جهاز الأمن تحت قيادته. بغض النظر عن وجهة النظر، فإن الحقائق تشير إلى مشاركته الفعالة في سياسات القمع في عهد ستالين.
تقييم شخصيته
كان سيرجي كروغلوف بيروقراطيًا محترفًا، يتمتع بمهارات تنظيمية عالية. كان يتمتع بالولاء المطلق للحزب والدولة، وكان مستعدًا لتنفيذ أي أوامر تصدر له. كان يُعرف بأنه شخص صامت وكفء، ولم يكن لديه أي تردد في استخدام القوة لتحقيق أهداف الدولة. كان دوره كوزير للداخلية بمثابة تجسيد للظلم والترهيب اللذين شهدهما الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين.
السنوات اللاحقة والوفاة
بعد إقالته من منصب وزير الداخلية، شغل كروغلوف مناصب ثانوية في الحكومة السوفيتية. في عام 1953، وبعد وفاة ستالين، بدأ الاتحاد السوفيتي في إجراء بعض الإصلاحات والتحولات في سياساته. ومع ذلك، ظل إرث كروغلوف مرتبطًا بالسنوات الأكثر قتامة في التاريخ السوفيتي.
توفي سيرجي كروغلوف في 6 يوليو 1977، عن عمر يناهز 69 عامًا. ترك إرثًا معقدًا، حيث يرتبط اسمه بالظلم والترهيب، ولكنه يمثل أيضًا جزءًا من تاريخ الاتحاد السوفيتي.
خاتمة
كان سيرجي كروغلوف شخصية مركزية في جهاز الدولة السوفيتية خلال فترة حكم جوزيف ستالين. بصفته وزير الداخلية، أشرف على تنفيذ العديد من العمليات القمعية والترحيل الواسع النطاق، ولعب دورًا رئيسيًا في قمع المعارضة السياسية والسيطرة على المجتمع السوفيتي. إرثه مرتبط بالظلم والانتهاكات التي ارتكبت في ظل حكم ستالين، ولا يزال موضوع جدل مستمر حول دوره ومسؤوليته. كان كروغلوف بيروقراطيًا كفؤًا ومخلصًا للحزب والدولة، لكن أفعاله ساهمت في معاناة ملايين الأشخاص.
المراجع
- Sergei Kruglov | Soviet official | Britannica
- Sergei Kruglov – Wikipedia
- The official website of Sergei Kruglov (باللغة الروسية)
- The Kruglov Case: The Role of the MVD in the Execution of the Physicians’ Plot
“`