<![CDATA[
مقدمة
في نظرية القرار، تعتبر قاعدة القرار “مهيمنة” على قاعدة أخرى إذا كان أداء القاعدة الأولى أفضل في بعض الحالات، وغير أسوأ في أي حالة. بمعنى آخر، القاعدة المهيمنة تقدم نتائج أفضل أو مساوية على الأقل لنتائج القاعدة الأخرى في جميع الظروف المحتملة، وتتفوق عليها بشكل واضح في بعضها.
يهدف مفهوم الهيمنة إلى تبسيط عملية اتخاذ القرار من خلال استبعاد القواعد الأقل كفاءة. فإذا كانت لدينا قاعدتان، وكانت إحداهما تهيمن على الأخرى، يمكننا استبعاد القاعدة المهيمنة عليها بأمان، والتركيز على القاعدة المهيمنة فقط. هذا يساعد في تقليل التعقيد وتبسيط عملية التحليل.
شرح المفهوم
لتوضيح مفهوم الهيمنة بشكل أفضل، دعنا نفترض أن لدينا قاعدتين للقرار، نسميهما القاعدة (أ) والقاعدة (ب). ولنفترض أننا نواجه سيناريوهين محتملين، السيناريو (1) والسيناريو (2). إذا كانت القاعدة (أ) تعطي نتائج أفضل من القاعدة (ب) في السيناريو (1)، وتعطي نتائج مساوية لها في السيناريو (2)، فإن القاعدة (أ) تهيمن على القاعدة (ب).
بشكل أكثر رسمية، يمكن تعريف الهيمنة على النحو التالي:
لتكن لدينا قاعدتا قرار: d1 و d2. ونعتبر d1 تهيمن على d2 إذا تحقق الشرطان التاليان:
- في جميع الحالات الممكنة، يكون أداء d1 على الأقل بنفس جودة أداء d2.
- في حالة واحدة على الأقل، يكون أداء d1 أفضل من أداء d2.
إذا لم يتحقق هذان الشرطان، فإن d1 لا تهيمن على d2. قد يكون d2 هو المهيمن على d1، أو قد لا توجد علاقة هيمنة بينهما على الإطلاق.
أمثلة توضيحية
مثال 1: استثمار مالي
لنفترض أن لدينا خيارين للاستثمار: السهم (أ) والسهم (ب). ونريد أن نقرر أي السهمين نختار. لنفترض أن لدينا التوقعات التالية:
- في حالة الرواج الاقتصادي، سيعطي السهم (أ) عائدًا بنسبة 15%، وسيعطي السهم (ب) عائدًا بنسبة 10%.
- في حالة الكساد الاقتصادي، سيعطي السهم (أ) عائدًا بنسبة 5%، وسيعطي السهم (ب) عائدًا بنسبة 5%.
في هذه الحالة، السهم (أ) يهيمن على السهم (ب)، لأنه يعطي عائدًا أعلى في حالة الرواج الاقتصادي، ويعطي نفس العائد في حالة الكساد الاقتصادي. بالتالي، إذا كنا نسعى لتعظيم العائد، فيجب علينا اختيار السهم (أ).
مثال 2: علاج طبي
لنفترض أن لدينا علاجين لمرض معين: العلاج (س) والعلاج (ص). ونريد أن نقرر أي العلاجين نختار. لنفترض أن لدينا المعلومات التالية:
- العلاج (س) يعالج المرض بنسبة 80% من الحالات، ويسبب آثارًا جانبية طفيفة في 10% من الحالات.
- العلاج (ص) يعالج المرض بنسبة 70% من الحالات، ويسبب آثارًا جانبية طفيفة في 5% من الحالات.
إذا كنا نركز بشكل أساسي على علاج المرض، فإن العلاج (س) يهيمن على العلاج (ص)، لأنه يعالج المرض بنسبة أعلى من الحالات. ومع ذلك، إذا كنا نولي أهمية كبيرة لتجنب الآثار الجانبية، فقد نفضل العلاج (ص)، حتى لو كان أقل فعالية في علاج المرض.
مثال 3: اختيار منتج
لنفترض أنك تقارن بين جهازين لوحيين: الجهاز اللوحي (أ) والجهاز اللوحي (ب). المواصفات كالتالي:
- الجهاز اللوحي (أ): شاشة 10 بوصة، معالج سريع، بطارية تدوم 8 ساعات، سعر 300 دولار.
- الجهاز اللوحي (ب): شاشة 10 بوصة، معالج أبطأ، بطارية تدوم 6 ساعات، سعر 300 دولار.
في هذه الحالة، الجهاز اللوحي (أ) يهيمن على الجهاز اللوحي (ب) لأنه يوفر نفس حجم الشاشة والسعر، ولكن بمعالج أسرع وعمر بطارية أطول. لا يوجد سبب منطقي لاختيار الجهاز اللوحي (ب).
أنواع الهيمنة
هناك أنواع مختلفة من الهيمنة في نظرية القرار، منها:
- الهيمنة المطلقة: تحدث عندما تكون قاعدة القرار أفضل من قاعدة أخرى في جميع الحالات الممكنة. هذا النوع من الهيمنة هو الأقوى، وإذا وجد، فإنه يجعل عملية اتخاذ القرار سهلة للغاية.
- الهيمنة الضعيفة: تحدث عندما تكون قاعدة القرار أفضل من قاعدة أخرى في بعض الحالات، وعلى الأقل بنفس جودتها في جميع الحالات الأخرى. هذا النوع من الهيمنة أكثر شيوعًا من الهيمنة المطلقة.
- الهيمنة الاحتمالية: تأخذ في الاعتبار احتمالات حدوث الحالات المختلفة. قاعدة القرار تهيمن على قاعدة أخرى احتماليًا إذا كان لديها قيمة متوقعة أعلى.
تطبيقات الهيمنة
تستخدم الهيمنة على نطاق واسع في مجالات مختلفة، بما في ذلك:
- الاقتصاد: تستخدم الهيمنة لتحليل الخيارات الاستثمارية، وتسعير المنتجات، وتصميم السياسات الاقتصادية.
- التمويل: تستخدم الهيمنة لتقييم الأصول المالية، وإدارة المخاطر، واتخاذ قرارات الاستثمار.
- الطب: تستخدم الهيمنة لتقييم العلاجات الطبية، وتحديد أفضل مسار للعلاج، واتخاذ قرارات بشأن الرعاية الصحية.
- الهندسة: تستخدم الهيمنة لتصميم الأنظمة الهندسية، وتحسين الأداء، وتقليل التكاليف.
- علوم الحاسوب: تستخدم الهيمنة لتصميم الخوارزميات، وتحسين الأداء، وحل المشكلات المعقدة.
محددات الهيمنة
على الرغم من أن الهيمنة هي مفهوم مفيد، إلا أنها ليست دائمًا كافية لاتخاذ القرارات. هناك بعض المحددات التي يجب أخذها في الاعتبار:
- صعوبة تحديد جميع الحالات الممكنة: في العديد من الحالات الواقعية، قد يكون من الصعب تحديد جميع الحالات الممكنة، واحتمالات حدوثها. هذا يمكن أن يجعل من الصعب تحديد ما إذا كانت قاعدة القرار تهيمن على قاعدة أخرى.
- تفضيلات مختلفة: قد يكون لدى الأفراد تفضيلات مختلفة، مما يعني أن ما يعتبر “أفضل” نتيجة قد يختلف من شخص لآخر. على سبيل المثال، قد يفضل شخص ما تجنب المخاطرة، حتى لو كان ذلك يعني الحصول على عائد أقل.
- المعلومات غير الكاملة: غالبًا ما نتخذ القرارات بناءً على معلومات غير كاملة أو غير دقيقة. هذا يمكن أن يجعل من الصعب تحديد ما إذا كانت قاعدة القرار تهيمن على قاعدة أخرى.
استخدام الهيمنة في اتخاذ القرارات المعقدة
في القرارات المعقدة، غالبًا ما يكون من الصعب العثور على قاعدة قرار تهيمن على جميع القواعد الأخرى. في هذه الحالات، يمكن استخدام الهيمنة كأداة لتضييق نطاق الخيارات المتاحة. يمكننا استبعاد القواعد التي تهيمن عليها قواعد أخرى، والتركيز على مجموعة أصغر من القواعد الواعدة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الهيمنة لتحديد المفاضلات بين الخيارات المختلفة. على سبيل المثال، قد نجد أن القاعدة (أ) أفضل من القاعدة (ب) في بعض الحالات، ولكن القاعدة (ب) أفضل من القاعدة (أ) في حالات أخرى. في هذه الحالة، يجب علينا أن نزن الفوائد والمخاطر المرتبطة بكل قاعدة، ونختار القاعدة التي تناسب تفضيلاتنا وأهدافنا.
خاتمة
تعتبر قاعدة القرار المهيمنة مفهومًا أساسيًا في نظرية القرار، حيث تساعد في تبسيط عملية اتخاذ القرار من خلال استبعاد الخيارات الأقل كفاءة. ومع ذلك، يجب استخدام الهيمنة بحذر، مع الأخذ في الاعتبار المحددات المختلفة التي يمكن أن تؤثر على عملية اتخاذ القرار. في القرارات المعقدة، يمكن استخدام الهيمنة كأداة لتضييق نطاق الخيارات المتاحة، وتحديد المفاضلات بين الخيارات المختلفة.