البلاشفة (Bolshevik)

نشأة البلاشفة

تأسس حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي في عام 1898. كان الحزب يتبنى الماركسية، وهي نظرية سياسية واقتصادية طورها كارل ماركس وفريدريك إنجلز، والتي تدعو إلى ثورة العمال للإطاحة بالرأسمالية وإقامة مجتمع شيوعي. في عام 1903، انقسم الحزب إلى فصيلين رئيسيين خلال المؤتمر الثاني للحزب في لندن: البلاشفة (الأغلبية) والمناشفة (الأقلية).

كان الخلاف الأساسي بين الفصيلين يتعلق بتنظيم الحزب. رأى البلاشفة، بقيادة فلاديمير لينين، أن الحزب يجب أن يكون منظمًا بشكل مركزي ويقوده محترفون ثوريون. اعتقدوا أن هذا النهج ضروري لقيادة ثورة ناجحة. من ناحية أخرى، فضل المناشفة حزبًا أكثر انفتاحًا وشملًا، مع تركيز أكبر على العمل مع النقابات العمالية والمنظمات الأخرى. أيد المناشفة نهجًا تدريجيًا لتحقيق الاشتراكية.

اكتسب البلاشفة زخمًا بعد الثورة الروسية عام 1905، التي كشفت عن ضعف النظام القيصري. على الرغم من أن الثورة قمعت في النهاية، إلا أنها أظهرت الإمكانات الثورية للشعب الروسي. استخدم لينين ورفاقه هذه الفرصة لتنظيم صفوفهم وتجنيد المزيد من المؤيدين.

أيديولوجية البلاشفة

كانت أيديولوجية البلاشفة تستند إلى الماركسية ولكنها تحمل اختلافات مهمة. كان لينين يعتقد أن الماركسية في روسيا تحتاج إلى تعديل لتناسب الظروف الفريدة للبلاد. طور لينين ما يسمى بالماركسية اللينينية، والتي ركزت على النقاط التالية:

قيادة الحزب الطليعي: رأى لينين أن الحزب البلشفي يجب أن يكون الحزب الطليعي للطبقة العاملة، أي أنه يجب أن يكون في طليعة الثورة ويقودها. كان هذا الحزب يتكون من ثوريين محترفين ملتزمين بالإطاحة بالقيصرية وإقامة نظام اشتراكي.
تحالف العمال والفلاحين: أدرك لينين أن الطبقة العاملة في روسيا صغيرة نسبيًا، وأن أي ثورة ناجحة ستحتاج إلى دعم الفلاحين. دعا إلى تحالف بين العمال والفلاحين للإطاحة بالقيصرية.
الثورة الدائمة: على عكس بعض الماركسيين، الذين يعتقدون أن الثورة الاشتراكية يمكن أن تحدث فقط في البلدان ذات الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة، اعتقد لينين أن الثورة الاشتراكية يمكن أن تحدث في روسيا، على الرغم من أنها كانت دولة زراعية بشكل أساسي.
دولة العمال: بعد الثورة، أراد لينين إقامة دولة عمالية، وهي دولة يسيطر فيها العمال على وسائل الإنتاج ويحكمون المجتمع.

كانت أيديولوجية البلاشفة جذابة للعديد من الروس، خاصة أولئك الذين سئموا من النظام القيصري. وعد البلاشفة بالسلام والخبز والأرض، مما أثار حماسًا جماهيريًا كبيرًا.

صعود البلاشفة إلى السلطة

اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، مما أدى إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في روسيا. كانت الحرب مكلفة، وتسببت في خسائر فادحة في الأرواح، وأدت إلى نقص الغذاء والوقود. أدت هذه الظروف إلى ازدياد السخط العام. استغل البلاشفة هذا السخط وزادوا من شعبيتهم.

في فبراير 1917، اندلعت ثورة في بتروغراد (سانت بطرسبرغ الآن)، مما أدى إلى الإطاحة بالقيصر نيكولاس الثاني. شكلت حكومة مؤقتة، لكنها لم تكن قادرة على حل مشاكل البلاد. فشلت الحكومة المؤقتة في الانسحاب من الحرب، وواصلت السياسات الاقتصادية غير الشعبية، وأجلت الإصلاحات الزراعية. نتيجة لذلك، فقدت الحكومة المؤقتة الدعم الجماهيري.

استغل البلاشفة هذا الوضع. عاد لينين إلى روسيا في أبريل 1917، وأعلن عن “أطروحات أبريل”، والتي دعت إلى الإطاحة بالحكومة المؤقتة وإقامة دولة سوفيتية. اكتسب البلاشفة دعمًا متزايدًا بين العمال والجنود والفلاحين. بحلول الخريف، سيطر البلاشفة على السوفييتات (مجالس العمال والجنود والفلاحين) في العديد من المدن الكبرى.

في 25 أكتوبر 1917 (7 نوفمبر في التقويم الغربي)، قاد البلاشفة ثورة في بتروغراد، واستولوا على السلطة. أطاحت الثورة البلشفية بالحكومة المؤقتة وأسست أول دولة شيوعية في العالم. أصبح لينين رئيسًا لمجلس مفوضي الشعب، وهو الهيئة التنفيذية الجديدة للدولة.

الحرب الأهلية الروسية

بعد استيلائهم على السلطة، واجه البلاشفة معارضة من عدة قوى. اندلعت حرب أهلية في روسيا في عام 1918، بين البلاشفة (الحمر) والقوى المناهضة للشيوعية (البيض). دعمت العديد من الدول الأجنبية البيض، مما أدى إلى تفاقم الصراع. كانت الحرب الأهلية دموية، وتسببت في ملايين الوفيات.

تمكن البلاشفة من الفوز بالحرب الأهلية في عام 1922، وذلك لعدة أسباب. كان لديهم قيادة موحدة وقوية تحت قيادة لينين وليون تروتسكي (الذي قاد الجيش الأحمر). سيطر البلاشفة على المناطق الأكثر سكانًا في روسيا، والتي وفرت لهم الموارد اللازمة للحرب. استغل البلاشفة أيضًا الدعاية بفعالية لكسب الدعم الشعبي.

أدت الحرب الأهلية إلى تدمير الاقتصاد الروسي، لكن البلاشفة تمكنوا من الحفاظ على السلطة. بعد انتهاء الحرب، بدأوا في بناء دولة شيوعية، والتي تضمنت تأميم الصناعات، وتجميع الزراعة، وإقامة نظام الحزب الواحد.

تأثير البلاشفة

كان للبلاشفة تأثير كبير على العالم. فقد أقاموا أول دولة شيوعية، مما ألهم الحركات الثورية في جميع أنحاء العالم. شكلت أيديولوجية البلاشفة الأساس للشيوعية السوفيتية، والتي انتشرت في جميع أنحاء أوروبا الشرقية والصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا وغيرها من البلدان. أدت سياساتهم إلى تحولات جذرية في المجتمعات، مع تأثيرات كبيرة على الاقتصاد والسياسة والثقافة.

كان للاتحاد السوفيتي، الذي أنشأه البلاشفة، دور كبير في الحرب العالمية الثانية، حيث هزموا النازيين في الجبهة الشرقية. بعد الحرب، أصبح الاتحاد السوفيتي قوة عظمى، وتنافس مع الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. ساهمت أفكار البلاشفة في تشكيل العالم الحديث، سواء من خلال تأثيرها المباشر على الدول الشيوعية أو من خلال تأثيرها على الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى.

كما أثرت أيديولوجية البلاشفة على الحركات السياسية والاجتماعية الأخرى. ألهمت أفكارهم حركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والتي سعت إلى إنهاء الاستعمار وتحقيق الاستقلال. قدمت أفكارهم أيضًا مساهمات مهمة في مجال حقوق المرأة، وحقوق العمال، والحقوق المدنية.

الميراث

ترك البلاشفة إرثًا معقدًا. فقد قاموا بتحويل روسيا إلى قوة عالمية، لكنهم فعلوا ذلك من خلال العنف والقمع. تسببت سياساتهم في معاناة كبيرة للعديد من الناس. اليوم، لا يزال البلاشفة موضوعًا للنقاش والجدل.

يدافع المؤيدون عن إنجازاتهم في تحديث روسيا، وتحسين أوضاع العمال، ومحاربة الظلم الاجتماعي. ينتقد المعارضون أساليبهم الاستبدادية، وإراقة الدماء التي تسببت فيها سياساتهم، وفشلهم في بناء مجتمع عادل حقًا. بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار أن البلاشفة كانوا قوة رئيسية في القرن العشرين، وأن تأثيرهم لا يزال محسوسًا حتى اليوم.

خاتمة

البلاشفة كانوا فصيلًا ثوريًا داخل حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، والذي استولى على السلطة في عام 1917 وأقام أول دولة شيوعية في العالم. استندت أيديولوجيتهم إلى الماركسية، ولكنها تضمنت تعديلات لينينية. لعبوا دورًا حاسمًا في الثورة الروسية والحرب الأهلية الروسية. كان للبلاشفة تأثير كبير على العالم، وألهموا الحركات الثورية في جميع أنحاء العالم، وشكلوا أيديولوجية الشيوعية السوفيتية. ترك البلاشفة إرثًا معقدًا، ولا يزال تأثيرهم محسوسًا حتى اليوم.

المراجع

“`