نشأته وبداياته العسكرية
ولد أرييل شارون في كفار ملال في فلسطين الانتدابية، لعائلة يهودية هاجرت من روسيا البيضاء. انضم إلى الهاجاناه، وهي منظمة عسكرية يهودية سرية، في سن الرابعة عشرة. خلال حرب 1948، المعروفة أيضًا باسم حرب الاستقلال الإسرائيلية أو النكبة الفلسطينية، قاد فصيلة مشاة في لواء ألكسندروني. أصيب بجروح خطيرة خلال معركة اللطرون، لكنه تعافى وعاد إلى الخدمة.
بعد حرب 1948، استمر شارون في الصعود في الرتب العسكرية. في الخمسينيات من القرن الماضي، قاد الوحدة 101، وهي وحدة كوماندوز متخصصة في عمليات الرد على الهجمات الفدائية الفلسطينية. أثارت هذه الوحدة جدلاً واسعًا بسبب أساليبها القاسية، بما في ذلك مذبحة قبية عام 1953، التي قُتل فيها عشرات المدنيين الأردنيين.
حرب 1956 وحرب 1967
خلال حرب 1956، المعروفة أيضًا باسم أزمة السويس أو العدوان الثلاثي، قاد شارون لواء مظلات في سيناء. تميزت قيادته بالجرأة والاندفاع، لكنها أدت أيضًا إلى خسائر فادحة في الأرواح. على الرغم من ذلك، فقد اكتسب شهرة كبيرة كقائد عسكري متميز.
في حرب 1967، المعروفة أيضًا باسم حرب الأيام الستة، قاد شارون فرقة مدرعة في سيناء. لعبت فرقته دورًا حاسمًا في هزيمة الجيش المصري والاستيلاء على شبه جزيرة سيناء. أظهر شارون خلال هذه الحرب قدرات قيادية استثنائية، وأصبح بطلاً قوميًا في نظر العديد من الإسرائيليين.
حرب أكتوبر 1973
تعتبر حرب أكتوبر 1973 نقطة تحول في مسيرة أرييل شارون العسكرية. خلال هذه الحرب، كان شارون قائدًا للاحتياط في الجيش الإسرائيلي. بعد الهجوم المصري والسوري المفاجئ، تم استدعاؤه للخدمة وقيادة فرقة مدرعة في سيناء. قاد شارون عملية التفاف جريئة عبر قناة السويس، مما أدى إلى تطويق الجيش المصري الثالث وساهم بشكل كبير في تغيير مجرى الحرب.
على الرغم من النجاح العسكري الذي حققه شارون في حرب أكتوبر، إلا أنه واجه انتقادات حادة بسبب عصيانه للأوامر وعدم التنسيق مع القيادة العليا. اتُهم بتعريض حياة جنوده للخطر من خلال اتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة. ومع ذلك، فقد تمكن من الحفاظ على صورته كبطل قومي في نظر الكثيرين.
دخوله الحياة السياسية
بعد حرب أكتوبر، دخل أرييل شارون الحياة السياسية. انضم إلى حزب الليكود، الذي كان في ذلك الوقت حزب المعارضة الرئيسي. شغل عدة مناصب وزارية في حكومات الليكود، بما في ذلك وزير الزراعة ووزير الدفاع ووزير البنية التحتية. خلال فترة توليه منصب وزير الدفاع، لعب دورًا رئيسيًا في غزو لبنان عام 1982.
أثار غزو لبنان عام 1982 جدلاً واسعًا في إسرائيل والعالم. كان الهدف المعلن للغزو هو القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، لكنه سرعان ما تحول إلى احتلال واسع النطاق. اتُهم شارون بالتورط في مذبحة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها ميليشيات مسيحية لبنانية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. خلصت لجنة تحقيق إسرائيلية إلى أن شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة، مما أدى إلى إقالته من منصب وزير الدفاع.
رئيسًا للوزراء
على الرغم من الجدل الذي أحاط به، استمر أرييل شارون في الصعود في الحياة السياسية. في عام 2000، أصبح زعيمًا لحزب الليكود. في عام 2001، فاز في الانتخابات العامة وأصبح رئيسًا للوزراء. خلال فترة رئاسته للوزراء، اتخذ شارون عدة قرارات جريئة، بما في ذلك الانسحاب من قطاع غزة عام 2005.
كان الانسحاب من غزة قرارًا مثيرًا للجدل داخل إسرائيل. أيد شارون الانسحاب باعتباره ضروريًا لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، بينما عارضه العديد من أعضاء حزبه وغيرهم من السياسيين اليمينيين. ومع ذلك، فقد تمكن شارون من تنفيذ الانسحاب بنجاح، على الرغم من الاحتجاجات الشديدة من قبل المستوطنين.
في عام 2005، استقال أرييل شارون من حزب الليكود وأسس حزبًا جديدًا، هو حزب كاديما. كان الهدف من تأسيس حزب كاديما هو توحيد القوى المعتدلة في السياسة الإسرائيلية ودفع عملية السلام مع الفلسطينيين إلى الأمام. كان من المتوقع أن يفوز حزب كاديما في الانتخابات العامة المقبلة، لكن شارون أصيب بجلطة دماغية في يناير 2006 ودخل في غيبوبة. بقي في غيبوبة حتى وفاته في عام 2014.
إرثه وتأثيره
ترك أرييل شارون إرثًا معقدًا ومثيرًا للجدل. يُنظر إليه كبطل قومي من قبل البعض، بينما يراه آخرون مسؤولًا عن أعمال عنف وإثارة للنزاعات. لا شك في أنه كان شخصية مؤثرة في تاريخ إسرائيل، سواء في المجال العسكري أو السياسي. لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل دولة إسرائيل وتحديد مسارها.
- إيجابياته: يعتبره الكثيرون بطلاً عسكرياً بسبب دوره في حرب 1967 وحرب 1973. يرى البعض أنه اتخذ قرارات شجاعة وصعبة كرئيس للوزراء، مثل الانسحاب من غزة.
- سلبياته: يتهمه البعض بارتكاب جرائم حرب ومذابح، مثل مذبحة قبية ومذبحة صبرا وشاتيلا. يرى البعض الآخر أن سياساته كانت عقبة أمام تحقيق السلام مع الفلسطينيين.
بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار أن أرييل شارون كان شخصية محورية في تاريخ إسرائيل. سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة الإسرائيلية والعالمية إلى الأبد.
خاتمة
كان أرييل شارون شخصية بارزة ومثيرة للجدل في تاريخ إسرائيل. مسيرته العسكرية والسياسية كانت مليئة بالإنجازات والتحديات. يعتبره البعض بطلاً قومياً، بينما يراه آخرون مسؤولاً عن أعمال عنف وإثارة للنزاعات. بغض النظر عن الرأي، لا يمكن إنكار تأثيره العميق على دولة إسرائيل والمنطقة.