تاريخ ونشأة المفهوم
ظهر مصطلح “مسار الأمومة” في أوائل الثمانينيات، مع تزايد مشاركة المرأة في سوق العمل وفي الوقت نفسه تزايد الضغوط المجتمعية عليها للاعتناء بالأطفال. صاغ هذا المصطلح للمرة الأولى الباحثتان في جامعة هارفارد فيرونيكا أوليغ و فيليس روزر. نشأ المفهوم كطريقة لوصف الترتيبات الوظيفية التي تسمح للمرأة بالجمع بين العمل والأمومة. في البداية، غالبًا ما كان يُنظر إلى هذا المسار على أنه “مسار ثانوي” أو “خيار ثانوي” للمرأة، مما قد يؤدي إلى تباطؤ الترقية أو انخفاض الأجور مقارنة بمسار وظيفي تقليدي. كان الهدف الأساسي للمفهوم هو توفير خيارات للمرأة العاملة التي ترغب في تخصيص وقت لأطفالها دون الحاجة إلى التخلي عن حياتها المهنية.
مع مرور الوقت، تطور فهم مسار الأمومة. في حين أن بعض النساء اخترن هذا المسار بسبب رغبتهن في قضاء المزيد من الوقت مع أطفالهن، فقد اختارته أخريات بسبب نقص الدعم من أرباب العمل أو عدم وجود خيارات رعاية أطفال بأسعار معقولة. كما أثار المفهوم جدلاً حول المساواة بين الجنسين في مكان العمل، حيث اتُهم بعض الشركات بتطبيق مسار الأمومة بشكل غير عادل، مما أدى إلى التمييز ضد النساء.
أسباب اختيار مسار الأمومة
هناك عدة أسباب تجعل المرأة تختار مسار الأمومة، وتشمل هذه الأسباب:
- رغبة في رعاية الأطفال بشكل مباشر: ترغب العديد من الأمهات في قضاء أكبر قدر ممكن من الوقت مع أطفالهن في سنواتهم الأولى، حيث يعتقدن أن هذا الأمر مهم لتكوين روابط قوية وتوفير الرعاية الشخصية.
- المرونة في الوقت: يوفر مسار الأمومة مرونة في الوقت، مما يسمح للأمهات بتلبية احتياجات أطفالهن، مثل حضور الفعاليات المدرسية، أو اصطحابهم من وإلى المدرسة.
- ضغوط اجتماعية وثقافية: في بعض المجتمعات، هناك ضغوط اجتماعية وثقافية على الأمهات لرعاية أطفالهن بأنفسهن، بدلاً من الاعتماد على مقدمي الرعاية الآخرين.
- صعوبة الحصول على رعاية أطفال ذات جودة عالية: قد يكون من الصعب العثور على رعاية أطفال ذات جودة عالية بأسعار معقولة، مما يجعل مسار الأمومة خيارًا عمليًا للعديد من الأمهات.
- الرغبة في التوازن بين العمل والحياة: يتيح مسار الأمومة للنساء تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية، مما يقلل من التوتر ويحسن الرفاهية العامة.
خيارات مسار الأمومة
يتضمن مسار الأمومة مجموعة متنوعة من الخيارات، وتشمل:
- الأمومة بدوام كامل: الاختيار الأكثر تقليدية، حيث تتوقف الأم عن العمل خارج المنزل لتركز بشكل كامل على رعاية الأطفال.
- العمل بدوام جزئي: العمل لعدد ساعات أقل من المعتاد، مما يتيح المزيد من الوقت للأطفال مع الاستمرار في كسب الدخل والحفاظ على المهارات المهنية.
- العمل المرن: يشمل هذا الخيار العمل من المنزل، أو تحديد ساعات عمل مرنة، أو تقاسم الوظائف مع شخص آخر.
- بدء عمل تجاري خاص: يسمح هذا الخيار للأمهات بتحديد ساعات عملهن والعمل من المنزل، مما يوفر مرونة كبيرة.
- الاستقالة المؤقتة: أخذ إجازة من العمل لفترة من الوقت، ثم العودة إلى العمل لاحقًا.
إيجابيات وسلبيات مسار الأمومة
الإيجابيات:
- قضاء المزيد من الوقت مع الأطفال: هذه هي الفائدة الأكثر وضوحًا، حيث تسمح للأمهات بالمشاركة بشكل مباشر في تربية أطفالهن.
- تحسين التوازن بين العمل والحياة: يقلل من التوتر ويحسن الرفاهية العامة.
- المرونة في الوقت: القدرة على تلبية احتياجات الأطفال بشكل أفضل.
- تطوير مهارات جديدة: يمكن للأمهات تطوير مهارات جديدة من خلال العمل بدوام جزئي أو بدء عمل خاص.
السلبيات:
- انخفاض الدخل: غالبًا ما يؤدي إلى انخفاض الدخل مقارنة بالمسارات الوظيفية التقليدية.
- صعوبة التقدم الوظيفي: قد يؤدي إلى تباطؤ الترقية أو فقدان الفرص الوظيفية.
- الشعور بالعزلة: قد تشعر الأمهات اللاتي يبقين في المنزل بالعزلة الاجتماعية.
- صعوبة العودة إلى العمل: قد يكون من الصعب العودة إلى العمل بعد فترة غياب طويلة.
- التحيز والتمييز: قد تواجه بعض النساء تحيزًا أو تمييزًا في مكان العمل بسبب اختيارهن لمسار الأمومة.
تأثير مسار الأمومة على التطور الوظيفي
يمكن أن يكون لمسار الأمومة تأثير كبير على التطور الوظيفي للمرأة. قد يؤدي اختيار مسار الأمومة إلى:
- تباطؤ الترقية: قد يتم النظر إلى النساء اللاتي اخترن مسار الأمومة على أنهن أقل تفانيًا في العمل، مما قد يؤدي إلى تباطؤ الترقية أو فقدان الفرص الوظيفية.
- انخفاض الأجور: قد تحصل النساء في مسار الأمومة على أجور أقل من نظرائهن اللاتي لم يخترن هذا المسار، حتى لو كان لديهن نفس المؤهلات والخبرة.
- فقدان المهارات: قد تفقد النساء اللاتي يبقين في المنزل لفترة طويلة مهاراتهن المهنية، مما قد يجعل من الصعب عليهن العودة إلى العمل في المستقبل.
- تأثير سلبي على المعاشات التقاعدية: قد يؤدي انخفاض الدخل وعدم الاستقرار الوظيفي إلى تأثير سلبي على المعاشات التقاعدية.
ومع ذلك، هناك أيضًا جوانب إيجابية لتأثير مسار الأمومة على التطور الوظيفي. على سبيل المثال، يمكن للأمهات اللاتي يعملن بدوام جزئي أو مرن الحفاظ على مهاراتهن المهنية وتطوير مهارات جديدة. كما يمكنهن بناء شبكات علاقات مهنية من خلال الحفاظ على تواصلهن مع الزملاء السابقين.
مسار الأمومة والتمييز بين الجنسين
أثار مفهوم مسار الأمومة جدلاً حول المساواة بين الجنسين في مكان العمل. يرى البعض أن مسار الأمومة يعزز التمييز بين الجنسين، حيث إنه يضع النساء في وضع غير موات مقارنة بالرجال. يجادلون بأن مسار الأمومة يعتمد على افتراض أن النساء هن المسؤولات الأساسيات عن رعاية الأطفال، مما يضع عبئًا غير متناسب عليهن. كما يجادلون بأن مسار الأمومة قد يؤدي إلى انخفاض الأجور والفرص الوظيفية للنساء، مما يساهم في اتساع الفجوة بين الجنسين في الأجور.
من ناحية أخرى، يرى البعض أن مسار الأمومة هو خيار شخصي للمرأة يجب احترامه. يجادلون بأنه يوفر للنساء المرونة اللازمة لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. كما يجادلون بأن مسار الأمومة يمكن أن يكون مفيدًا للمرأة، حيث يسمح لها بقضاء المزيد من الوقت مع أطفالها وتكوين روابط قوية معهم.
من أجل معالجة هذه القضايا، يجب على الشركات والمجتمع ككل اتخاذ خطوات لتعزيز المساواة بين الجنسين في مكان العمل. وتشمل هذه الخطوات:
- توفير سياسات عمل مرنة: يجب على الشركات توفير سياسات عمل مرنة، مثل العمل من المنزل، وتحديد ساعات عمل مرنة، وتقاسم الوظائف، لمساعدة الآباء والأمهات على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
- توفير إجازات أبوة مدفوعة الأجر: يجب على الشركات توفير إجازات أبوة مدفوعة الأجر للرجال والنساء، مما يسمح للآباء والأمهات بقضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم.
- القضاء على التحيز والتمييز: يجب على الشركات القضاء على التحيز والتمييز في مكان العمل، والتأكد من أن النساء يتمتعن بفرص متساوية للتقدم الوظيفي والأجور.
- دعم رعاية الأطفال بأسعار معقولة: يجب على الحكومات والشركات دعم رعاية الأطفال بأسعار معقولة، مما يسهل على الآباء والأمهات العودة إلى العمل.
مسار الأمومة في العصر الحديث
في العصر الحديث، شهد مسار الأمومة تطورات كبيرة. مع تزايد الوعي بأهمية التوازن بين العمل والحياة، بدأت العديد من الشركات في تقديم سياسات عمل أكثر مرونة، مثل العمل من المنزل والعمل بدوام جزئي. كما أصبح الآباء أكثر مشاركة في رعاية الأطفال، مما أدى إلى تغيير الأدوار التقليدية بين الجنسين.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه النساء اللاتي يخترن مسار الأمومة. لا يزال التمييز في مكان العمل موجودًا، ولا تزال هناك فجوة في الأجور بين الجنسين. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب على الأمهات العودة إلى العمل بعد فترة غياب طويلة، خاصة إذا لم يكن لديهن المهارات والخبرة المطلوبة.
لمواجهة هذه التحديات، يجب على النساء اللاتي يخترن مسار الأمومة اتخاذ خطوات لحماية مصالحهن المهنية. وتشمل هذه الخطوات:
- الحفاظ على المهارات المهنية: يجب على النساء الحفاظ على مهاراتهن المهنية من خلال حضور الدورات التدريبية، أو الحصول على الشهادات، أو العمل بدوام جزئي أو مرن.
- بناء شبكات علاقات مهنية: يجب على النساء بناء شبكات علاقات مهنية من خلال الحفاظ على تواصلهن مع الزملاء السابقين، أو الانضمام إلى المنظمات المهنية.
- الدفاع عن حقوقهن: يجب على النساء الدفاع عن حقوقهن في مكان العمل، والإبلاغ عن أي تمييز أو تحيز يواجهنه.
- البحث عن الدعم: يجب على النساء البحث عن الدعم من العائلة والأصدقاء، أو الانضمام إلى مجموعات دعم للأمهات العاملات.
دور المجتمع والسياسات الحكومية
تلعب كل من المجتمع والسياسات الحكومية دورًا حاسمًا في تشكيل مسار الأمومة وتأثيره. على سبيل المثال، يمكن للمجتمع أن يؤثر على اختيارات المرأة من خلال:
- تغيير الأعراف الاجتماعية: من خلال تغيير الأعراف الاجتماعية المتعلقة بأدوار الجنسين، يمكن للمجتمع أن يشجع على تقاسم المسؤوليات بين الآباء والأمهات، مما يجعل مسار الأمومة خيارًا أكثر سهولة للنساء.
- توفير الدعم: يمكن للمجتمع توفير الدعم للأمهات من خلال توفير مرافق رعاية الأطفال بأسعار معقولة، وبرامج دعم الأمومة، وتوفير شبكات دعم اجتماعي.
- تثقيف الجمهور: يمكن للمجتمع تثقيف الجمهور حول قضايا المساواة بين الجنسين وأهمية دعم الأمهات العاملات.
تلعب السياسات الحكومية دورًا أيضًا من خلال:
- سن القوانين واللوائح: يمكن للحكومات سن قوانين ولوائح لحماية حقوق المرأة في مكان العمل، مثل قوانين الإجازة الوالدية، والقوانين التي تحظر التمييز على أساس الجنس.
- توفير الدعم المالي: يمكن للحكومات توفير الدعم المالي لرعاية الأطفال، والبرامج التدريبية، والخدمات الأخرى التي تدعم الأمهات العاملات.
- تشجيع الشركات: يمكن للحكومات تشجيع الشركات على توفير سياسات عمل مرنة، مثل العمل من المنزل، وتحديد ساعات عمل مرنة.
التحديات المستقبلية
في المستقبل، سيواجه مسار الأمومة تحديات جديدة. مع تزايد التغيرات التكنولوجية والتحولات في سوق العمل، ستواجه النساء تحديات جديدة في التوفيق بين العمل والأمومة. وتشمل هذه التحديات:
- المرونة في العمل: مع تزايد الطلب على المرونة في العمل، ستحتاج النساء إلى إيجاد طرق للتوفيق بين متطلبات العمل المتغيرة واحتياجات الأطفال.
- المهارات الجديدة: ستحتاج النساء إلى اكتساب مهارات جديدة لمواكبة التغيرات التكنولوجية في سوق العمل.
- التعامل مع التمييز: سيستمر التمييز في مكان العمل، وستحتاج النساء إلى إيجاد طرق للتعامل معه.
لمواجهة هذه التحديات، يجب على النساء الاستعداد للتغيير، والبحث عن الدعم من العائلة والأصدقاء، والتعاون مع الشركات والحكومات لتحسين ظروف العمل للأمهات.
خاتمة
مسار الأمومة هو خيار شخصي يؤثر على حياة المرأة بشكل كبير، فهو يمثل مسارًا يجمع بين الأمومة والعمل، ويتيح للنساء تحديد الأولويات والتوفيق بين التزاماتهن المهنية والشخصية. يتطلب هذا المسار دراسة متأنية للعوامل الشخصية والاجتماعية والمهنية، بالإضافة إلى فهم واضح للتحديات والفرص. من خلال التخطيط المسبق والبحث عن الدعم المناسب، يمكن للمرأة أن تجعل مسار الأمومة تجربة إيجابية ومجزية، سواء اختارت البقاء في المنزل أو العودة إلى العمل بدوام كامل أو جزئي. يجب على المجتمع والسياسات الحكومية دعم هذه الخيارات من خلال توفير بيئة عمل مرنة وسياسات تحترم حقوق المرأة وتعزز المساواة بين الجنسين.
المراجع
- The Mommy Track and Corporate Equity – Harvard Business Review
- What Is the “Mommy Track” and Does It Matter? – Verywell Family
- Mommy Track – Investopedia
- Mommy Track – Oxford Reference
“`