أصول تجديدية العماد
تعود جذور تجديدية العماد إلى سويسرا وألمانيا في عشرينيات القرن السادس عشر. كان كونراد جريبل وفيليكس مانز من بين الشخصيات البارزة التي قادت الحركة. شعر هؤلاء القادة بأن الإصلاح الذي بدأه مارتن لوثر وأولريخ زوينجلي لم يذهب بعيدًا بما فيه الكفاية في تنقية الكنيسة من الممارسات غير الكتابية. لقد دعوا إلى العودة إلى الكنيسة كما كانت في العصر الرسولي، مع التركيز على الطاعة الشخصية ليسوع المسيح والتلمذة.
في عام 1525، قام جريبل ومانز وآخرون بإعادة تعميد بعضهم البعض في زيورخ، سويسرا، متحدين بذلك أوامر مجلس المدينة. كان هذا الحدث بمثابة بداية حركة تجديدية العماد، التي انتشرت بسرعة في جميع أنحاء أوروبا الوسطى والشمالية. واجهت تجديدية العماد معارضة شديدة من كل من السلطات الكاثوليكية والبروتستانتية، الذين اعتبروا ممارساتهم تهديدًا للنظام الاجتماعي والديني القائم.
المعتقدات الأساسية
تتميز تجديدية العماد بعدة معتقدات وممارسات أساسية، بما في ذلك:
- معمودية المؤمن: يعتقد تجديديو العماد أن المعمودية يجب أن تقتصر على أولئك الذين أعلنوا عن إيمانهم بيسوع المسيح بحرية وإدراك. إنهم يرفضون معمودية الأطفال، معتقدين أنها غير كتابية ولا تتفق مع فكرة الإيمان الشخصي.
- السلطة الكتابية: يؤمن تجديديو العماد بأن الكتاب المقدس هو السلطة النهائية في جميع الأمور المتعلقة بالإيمان والممارسة. إنهم يسعون إلى تفسير الكتاب المقدس وتطبيقه حرفيًا، مع التركيز على تعاليم يسوع المسيح وأمثاله.
- الانفصال عن العالم: يدعو تجديديو العماد إلى الانفصال عن العالم، معتقدين أن المسيحيين يجب ألا يتفقوا مع قيم وممارسات المجتمع غير المؤمن. غالبًا ما يتضمن هذا الانفصال تجنب المشاركة في السياسة والعسكرية.
- السلام واللاعنف: يؤمن تجديديو العماد بالسلام واللاعنف، معتقدين أن المسيحيين يجب ألا يستخدموا العنف أبدًا لحل النزاعات. إنهم يسعون إلى أن يكونوا صانعي سلام في جميع مجالات الحياة.
- التلمذة: يركز تجديديو العماد على أهمية التلمذة، معتقدين أن المسيحيين يجب أن يتبعوا يسوع المسيح عن كثب ويتعلموا منه. إنهم يسعون إلى العيش حياة القداسة والبر، وأن يكونوا شهودًا للمسيح في العالم.
- الكنيسة كجماعة: يؤمن تجديديو العماد بأهمية الكنيسة كمجتمع من المؤمنين. إنهم يسعون إلى بناء مجتمعات محبة وداعمة حيث يمكن للمؤمنين أن ينمووا معًا في الإيمان.
تاريخ تجديدية العماد
واجه تجديديو العماد اضطهادًا شديدًا في جميع أنحاء أوروبا. تم إعدام العديد من تجديدي العماد بسبب معتقداتهم، وتم نفيهم من مدن وبلدات. على الرغم من هذا الاضطهاد، استمرت حركة تجديدية العماد في الانتشار، وأسس تجديديو العماد مجتمعات جديدة في أماكن مثل هولندا وسويسرا وأمريكا الشمالية.
في القرن السادس عشر، ظهرت عدة مجموعات مختلفة من تجديديي العماد، بما في ذلك المينونايت والهوتريت. سميت المينونايت على اسم مينو سيمونز، وهو زعيم هولندي قام بتوحيد وتنظيم العديد من مجتمعات تجديديي العماد في شمال أوروبا. اشتهر الهوتريت بمجتمعاتهم الزراعية الشيوعية، حيث يمتلك الأعضاء كل شيء بشكل مشترك.
هاجر العديد من تجديديي العماد إلى أمريكا الشمالية في القرنين السابع عشر والثامن عشر بحثًا عن الحرية الدينية. استقروا في ولايات مثل بنسلفانيا وأوهايو وإنديانا، حيث أسسوا مجتمعات زراعية مزدهرة. لعب تجديديو العماد دورًا مهمًا في تطوير ثقافة أمريكا الشمالية، ولا يزالون موجودين اليوم كطوائف متميزة.
تجديدية العماد اليوم
اليوم، توجد مجتمعات تجديدية العماد في جميع أنحاء العالم. لا تزال المينونايت والهوتريت هم أكبر مجموعتين تجديدية عمادية، لكن هناك أيضًا العديد من المجموعات الأخرى، مثل جماعة الإخوة في المسيح والأميش. تحافظ هذه المجموعات على العديد من المعتقدات والممارسات الأساسية لتجديدية العماد، لكنها تختلف في بعض التفاصيل.
تجديدية العماد اليوم معروفة بالتزامها بالسلام والعدالة الاجتماعية والخدمة. غالبًا ما يشاركون في أعمال الإغاثة الإنسانية والتنمية المجتمعية، ويدافعون عن حقوق المهمشين والمظلومين. كما أنهم ملتزمون بالتعليم، ويدعمون المدارس والكليات التي تعلم من منظور تجديدي العماد.
على الرغم من أنها كانت في السابق حركة هامشية مضطهدة، فقد أثرت تجديدية العماد بشكل كبير على المسيحية الغربية. لقد تحدت الافتراضات السائدة حول الكنيسة والسلطة والعلاقة بين الإيمان والحياة، وساهمت في تطوير مفاهيم مثل الحرية الدينية والفصل بين الكنيسة والدولة واللاعنف.
الاختلافات بين تجديدية العماد والبروتستانتية
على الرغم من أن تجديدية العماد ظهرت في نفس الفترة الزمنية للإصلاح البروتستانتي، إلا أنها تختلف عن البروتستانتية في عدة جوانب رئيسية:
- المعمودية: كما ذكرنا سابقًا، يرفض تجديديو العماد معمودية الأطفال ويمارسون معمودية المؤمن فقط، بينما تمارس معظم الطوائف البروتستانتية معمودية الأطفال.
- العلاقة مع الدولة: يدعو تجديديو العماد إلى الانفصال الكامل بين الكنيسة والدولة، ويرفضون المشاركة في السياسة أو الخدمة العسكرية. في المقابل، غالبًا ما كانت الكنائس البروتستانتية التقليدية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالدولة، وتسعى إلى التأثير على السياسة من خلال القنوات السياسية.
- اللاعنف: يؤمن تجديديو العماد باللاعنف المطلق، ويرفضون استخدام العنف لأي سبب من الأسباب. بينما يؤمن بعض البروتستانت باللاعنف، يسمح آخرون باستخدام العنف في ظروف معينة، مثل الدفاع عن النفس أو الحرب العادلة.
- تفسير الكتاب المقدس: يميل تجديديو العماد إلى تفسير الكتاب المقدس بشكل حرفي أكثر من العديد من البروتستانت، مع التركيز بشكل خاص على تعاليم يسوع المسيح.
- التلمذة: يركز تجديديو العماد بشدة على أهمية التلمذة والعيش حياة القداسة والبر، بينما قد يركز بعض البروتستانت بشكل أكبر على العقيدة والإيمان وحده.
تأثير تجديدية العماد
على الرغم من أنها كانت حركة صغيرة نسبيًا، فقد كان لتجديدية العماد تأثير كبير على المسيحية والعالم. لقد ساهمت في تطوير مفاهيم مثل الحرية الدينية والفصل بين الكنيسة والدولة واللاعنف، وألهمت العديد من الحركات الاجتماعية والإنسانية.
كما أثرت تجديدية العماد على العديد من الطوائف المسيحية الأخرى، مثل الكويكرز والمعمدانيين. تبنت هذه الطوائف بعضًا من معتقدات وممارسات تجديدية العماد، مثل معمودية المؤمن واللاعنف.
اليوم، لا تزال تجديدية العماد تلعب دورًا نشطًا في العالم، حيث تعمل على تعزيز السلام والعدالة والخدمة. غالبًا ما يشاركون في أعمال الإغاثة الإنسانية والتنمية المجتمعية، ويدافعون عن حقوق المهمشين والمظلومين.
خاتمة
تجديدية العماد هي حركة مسيحية نشأت في القرن السادس عشر، وتتميز بمعمودية المؤمن، والسلطة الكتابية، والانفصال عن العالم، والسلام واللاعنف، والتلمذة، والكنيسة كجماعة. واجهت تجديدية العماد اضطهادًا شديدًا في تاريخها، لكنها استمرت في الانتشار والتأثير على المسيحية والعالم. اليوم، توجد مجتمعات تجديدية العماد في جميع أنحاء العالم، وتشتهر بالتزامها بالسلام والعدالة الاجتماعية والخدمة.