مقدمة
تعتبر نظرية إزاحة الدافع من المفاهيم الهامة في علم النفس والاقتصاد الجزئي، حيث تسلط الضوء على التأثيرات غير المتوقعة للحوافز الخارجية على الدوافع الداخلية. ببساطة، تشير هذه النظرية إلى أن تقديم حوافز خارجية (مثل المكافآت المالية) لأداء مهمة ما، قد يؤدي في الواقع إلى تقليل الدافع الداخلي لدى الفرد للقيام بتلك المهمة، خاصة إذا كان الفرد مدفوعًا في الأصل بشعور بالمتعة أو الرضا أو الإحساس بالواجب.
تتحدى هذه النظرية الفكرة التقليدية القائلة بأن المزيد من الحوافز يؤدي دائمًا إلى تحسين الأداء. بدلاً من ذلك، تقترح أن العلاقة بين الحوافز والأداء أكثر تعقيدًا، وأن إدخال حوافز خارجية يمكن أن يكون له آثار سلبية على الدوافع الداخلية، مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض في الأداء أو تغيير في السلوك.
أصول نظرية إزاحة الدافع
تعود جذور نظرية إزاحة الدافع إلى أعمال علماء النفس الذين درسوا الدوافع الداخلية والخارجية. أحد أبرز هؤلاء العلماء هو إدوارد ديسي، الذي أجرى سلسلة من التجارب في سبعينيات القرن الماضي أظهرت أن تقديم مكافآت مالية للأفراد مقابل حل الألغاز أدى في الواقع إلى تقليل اهتمامهم بحل الألغاز في المستقبل، حتى عندما لم تعد المكافآت موجودة. أظهرت هذه التجارب أن الحوافز الخارجية يمكن أن “تزاح” أو تقلل من الدوافع الداخلية.
تم تطوير النظرية لاحقًا من قبل برونو فراي وغيره من الاقتصاديين، الذين قاموا بتطبيقها على مجموعة متنوعة من السياقات، بما في ذلك العمل التطوعي، والسلوك البيئي، والأداء التنظيمي. لقد جادلوا بأن فهم إزاحة الدافع أمر بالغ الأهمية لتصميم سياسات وحوافز فعالة لا تقوض الدوافع الداخلية القيمة.
آليات إزاحة الدافع
هناك عدة آليات يمكن أن تفسر كيف يمكن للحوافز الخارجية أن تزاح الدوافع الداخلية. تشمل هذه الآليات:
- تأثير التقليل من القيمة: عندما يحصل الأفراد على مكافأة مقابل القيام بمهمة ما، قد يبدأون في النظر إلى المهمة على أنها أقل متعة أو أقل أهمية جوهرية. قد يفترضون أنهم يقومون بالمهمة فقط من أجل المكافأة، وليس لأنهم يستمتعون بها أو يعتقدون أنها مهمة.
- تأثير فقدان السيطرة: يمكن أن تجعل الحوافز الخارجية الأفراد يشعرون بأنهم أقل سيطرة على سلوكهم. قد يشعرون بأنهم مدفوعون بالمكافأة بدلاً من رغباتهم أو قيمهم الداخلية. هذا الشعور بفقدان السيطرة يمكن أن يقلل من دوافعهم الداخلية.
- تأثير الإشارة: يمكن أن ترسل الحوافز الخارجية إشارات حول نوايا وقيم المنظمة. على سبيل المثال، إذا كانت المنظمة تقدم مكافآت مالية مقابل العمل التطوعي، فقد يشير ذلك إلى أن المنظمة تقدر المال أكثر من العمل الخيري الحقيقي. هذا يمكن أن يقلل من دوافع المتطوعين المحتملين.
- تأثير التقييم الذاتي: قد يؤدي تقديم الحوافز الخارجية إلى تغيير الطريقة التي يقيم بها الأفراد مهاراتهم وقدراتهم. إذا كان الفرد يحصل على مكافأة باستمرار مقابل أداء مهمة ما، فقد يبدأ في الاعتقاد بأنه ماهر فقط في تلك المهمة لأنه يحصل على مكافأة. هذا يمكن أن يقلل من دوافعه الداخلية لتحسين مهاراته أو استكشاف تحديات جديدة.
أمثلة على إزاحة الدافع
يمكن ملاحظة إزاحة الدافع في مجموعة متنوعة من السياقات. بعض الأمثلة تشمل:
- العمل التطوعي: قد يقل احتمال تطوع الأفراد إذا تم عرض مكافآت مالية عليهم مقابل ذلك. قد يعتبرون العمل التطوعي أقل نبلاً أو أقل أهمية إذا تم دفعه.
- السلوك البيئي: قد يكون الأفراد أقل عرضة لتبني سلوكيات صديقة للبيئة إذا تم عرض حوافز مالية عليهم للقيام بذلك. قد يعتبرون السلوك البيئي أقل أهمية جوهرية إذا تم دفعه.
- التعليم: قد يكون الطلاب أقل تحفيزًا للتعلم إذا كانوا يركزون فقط على الحصول على درجات جيدة. قد يعتبرون التعلم أقل متعة أو أقل أهمية إذا كان هدفهم الرئيسي هو الحصول على مكافآت خارجية.
- الأداء التنظيمي: قد يكون الموظفون أقل إنتاجية أو أقل إبداعًا إذا كانوا يركزون فقط على الحصول على مكافآت مالية. قد يعتبرون عملهم أقل أهمية جوهرية إذا كان هدفهم الرئيسي هو الحصول على مكافآت خارجية.
الآثار المترتبة على السياسات والحوافز
إن فهم نظرية إزاحة الدافع له آثار مهمة على تصميم السياسات والحوافز. عند تصميم السياسات والحوافز، من المهم مراعاة التأثيرات المحتملة على الدوافع الداخلية. بشكل عام، من الأفضل تجنب استخدام الحوافز الخارجية إذا كانت هناك طريقة لتحفيز السلوك المطلوب من خلال الدوافع الداخلية. على سبيل المثال، بدلاً من تقديم مكافآت مالية مقابل العمل التطوعي، قد يكون من الأفضل التركيز على تسليط الضوء على الفوائد الاجتماعية للعمل التطوعي أو خلق شعور بالمجتمع بين المتطوعين.
عندما يكون من الضروري استخدام الحوافز الخارجية، من المهم تصميمها بعناية لتقليل خطر إزاحة الدافع. بعض الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها تشمل:
- استخدام حوافز غير مالية: يمكن أن تكون الحوافز غير المالية، مثل الاعتراف العام أو فرص التدريب، أقل عرضة لإزاحة الدوافع الداخلية من الحوافز المالية.
- تأطير الحوافز كملاحظات: بدلاً من تقديم الحوافز كمكافآت، يمكن تأطيرها كملاحظات حول الأداء. هذا يمكن أن يساعد الأفراد على رؤية الحوافز كمعلومات حول تقدمهم بدلاً من حافز للقيام بالمهمة.
- إشراك الأفراد في تصميم الحوافز: يمكن أن يساعد إشراك الأفراد في تصميم الحوافز على ضمان أن تكون الحوافز متوافقة مع دوافعهم الداخلية.
- التركيز على الدوافع الجوهرية: يجب أن تركز المنظمات على تعزيز الدوافع الجوهرية للموظفين، مثل توفير فرص للنمو والتطور، وخلق بيئة عمل إيجابية وداعمة.
دراسات حالة
أظهرت العديد من الدراسات أن الحوافز الخارجية يمكن أن تزاح الدوافع الداخلية. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على معلمي المدارس أن تقديم مكافآت مالية للمعلمين مقابل تحسين درجات الطلاب أدى في الواقع إلى انخفاض في أداء الطلاب في بعض الحالات. ووجدت الدراسة أن المعلمين أصبحوا يركزون بشكل أكبر على تدريس الطلاب لاجتياز الاختبارات بدلاً من مساعدة الطلاب على التعلم حقًا.
وجدت دراسة أخرى أجريت على المتطوعين أن تقديم مكافآت مالية للمتطوعين مقابل عملهم أدى إلى انخفاض في عدد الساعات التي تطوع بها المتطوعون. ووجدت الدراسة أن المتطوعين بدأوا في رؤية عملهم على أنه أقل أهمية جوهرية بمجرد حصولهم على أموال مقابل ذلك.
انتقادات لنظرية إزاحة الدافع
على الرغم من وجود أدلة كبيرة تدعم نظرية إزاحة الدافع، إلا أن هناك بعض الانتقادات للنظرية. أحد الانتقادات هو أن النظرية بسيطة للغاية. يجادل النقاد بأن العلاقة بين الحوافز والدوافع أكثر تعقيدًا مما تقترحه النظرية، وأن هناك عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على الدوافع، مثل الشخصية والثقافة والسياق الاجتماعي.
انتقاد آخر هو أن النظرية تستند في الغالب إلى الدراسات المعملية. يجادل النقاد بأنه من الصعب تعميم نتائج الدراسات المعملية على مواقف العالم الحقيقي. يجادلون بأنه في العالم الحقيقي، قد يكون الأفراد أقل عرضة لإزاحة الدافع لأن لديهم مجموعة متنوعة من الدوافع المختلفة.
خاتمة
نظرية إزاحة الدافع هي مفهوم مهم في علم النفس والاقتصاد الجزئي. تشير النظرية إلى أن تقديم حوافز خارجية لأداء مهمة ما يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تقليل الدافع الداخلي لدى الفرد للقيام بتلك المهمة. إن فهم إزاحة الدافع أمر بالغ الأهمية لتصميم سياسات وحوافز فعالة لا تقوض الدوافع الداخلية القيمة. على الرغم من وجود بعض الانتقادات للنظرية، إلا أن هناك أدلة كبيرة تدعمها.
المراجع
- Punished by Rewards: The Trouble with Gold Stars, Incentive Plans, A’s, Praise, and Other Bribes by Alfie Kohn
- Intrinsic Motivation, Extrinsic Motivation, and Self-Determination in Behavior by Edward L. Deci
- The Hidden Costs of Reward by Mark R. Lepper, David Greene, Richard E. Nisbett
- Does Motivation Crowding Out Government Intervention Endanger the Power of Voice? by Bruno S. Frey