سيمفونية شوبرت الثامنة في مقام سي مينور
تعتبر سيمفونية فرانز شوبرت الثامنة في مقام سي مينور، والمعروفة أيضًا باسم “السيمفونية غير المكتملة”، واحدة من أشهر الأعمال الموسيقية غير المكتملة في التاريخ. بدأ شوبرت في تأليف هذه السيمفونية عام 1822، لكنه أكمل حركتين فقط: الألجرو المعتدل والأندانت كون موتو. بالإضافة إلى ذلك، قام بتدوين جزء من حركة ثالثة (السكرتزو)، لكنه لم يكملها. على الرغم من أن شوبرت عاش ست سنوات أخرى بعد البدء في هذه السيمفونية، إلا أنه لم يعد إليها أبدًا لإكمالها.
الأسباب المحتملة لعدم إكمال شوبرت للسيمفونية:
- المرض: عانى شوبرت من مشاكل صحية خطيرة خلال الفترة التي كان يعمل فيها على السيمفونية، مما قد يكون أعاقه عن إكمالها.
- الإحباط: ربما شعر شوبرت بالإحباط بسبب الصعوبات التي واجهها في تأليف الحركة الثالثة، أو ربما لم يكن راضيًا عن النتيجة التي وصل إليها.
- التحول الأسلوبي: يعتقد بعض الباحثين أن شوبرت كان يمر بمرحلة تحول أسلوبي في ذلك الوقت، وأن السيمفونية غير المكتملة تمثل نقطة تحول في أسلوبه الموسيقي.
- أسباب غير معروفة: في النهاية، لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين سبب عدم إكمال شوبرت للسيمفونية. قد تكون هناك أسباب أخرى غير معروفة لنا.
تأثير السيمفونية غير المكتملة:
على الرغم من أنها غير مكتملة، إلا أن سيمفونية شوبرت الثامنة تعتبر تحفة فنية. إنها تتميز بجمالها الميلودي وعمقها العاطفي وقدرتها على إثارة مجموعة واسعة من المشاعر لدى المستمع. غالبًا ما تُعتبر مثالًا نموذجيًا على الموسيقى الرومانسية، وقد أثرت في العديد من المؤلفين الموسيقيين اللاحقين.
تم اكتشاف السيمفونية غير المكتملة بعد وفاة شوبرت، وتم عرضها لأول مرة في عام 1865. منذ ذلك الحين، أصبحت واحدة من أشهر السيمفونيات وأكثرها أداءً في العالم. لا تزال تثير إعجاب المستمعين بجمالها وغموضها، وتثير تساؤلات حول ما كان يمكن أن يكون لو أكملها شوبرت.
سيمفونية جوستاف مالر العاشرة
تعد سيمفونية جوستاف مالر العاشرة مثالًا آخر على العمل الموسيقي غير المكتمل الذي يحظى بشهرة كبيرة. بدأ مالر في تأليف هذه السيمفونية عام 1910، لكنه توفي في العام التالي قبل أن يتمكن من إكمالها بشكل كامل. ترك مالر مخطوطة مفصلة للغاية للسيمفونية، بما في ذلك مسودات كاملة لبعض الحركات وأجزاء كبيرة من الحركات الأخرى. ومع ذلك، لم يتمكن مالر من مراجعة وتنقيح العمل بالكامل قبل وفاته.
حالة اكتمال السيمفونية:
تعتبر سيمفونية مالر العاشرة غير مكتملة بمعنى أن مالر لم يقم بتنقيحها أو إكمالها بالكامل قبل وفاته. ومع ذلك، فقد تم بذل العديد من المحاولات لإكمال السيمفونية بناءً على مسودات مالر. أشهر هذه المحاولات هي تلك التي قام بها ديريك كوك. قام كوك بتجميع نسخة كاملة من السيمفونية بناءً على مخطوطة مالر، وقد تم أداء هذه النسخة وتسجيلها على نطاق واسع.
الجدل حول إكمال السيمفونية:
هناك جدل كبير حول ما إذا كان من المناسب إكمال سيمفونية مالر العاشرة. يجادل البعض بأنه لا ينبغي لأحد أن يلمس عملًا فنيًا تركه المؤلف غير مكتمل، وأنه يجب ترك السيمفونية كما هي، كشهادة على عبقرية مالر ومأساته. يجادل آخرون بأنه من حق الموسيقيين والموسيقيين محاولة إكمال عمل مالر، وأن نسخة كوك تمثل إضافة قيمة إلى تراث مالر الموسيقي.
أهمية سيمفونية مالر العاشرة:
بغض النظر عن الجدل الدائر حول إكمالها، فإن سيمفونية مالر العاشرة تعتبر عملًا مهمًا ومؤثرًا. إنها تعكس أفكار مالر ومشاعره في السنوات الأخيرة من حياته، وتتميز بعمقها العاطفي وتعقيدها الموسيقي. غالبًا ما يُنظر إليها على أنها واحدة من أعظم أعمال مالر، وقد أثرت في العديد من المؤلفين الموسيقيين اللاحقين.
أعمال فنية أخرى غير مكتملة
بالإضافة إلى سيمفونيات شوبرت ومالر، هناك العديد من الأعمال الفنية الأخرى غير المكتملة التي تستحق الذكر. تشمل هذه الأعمال:
- رواية “إدوين درود” لتشارلز ديكنز: توفي ديكنز قبل أن يتمكن من إكمال هذه الرواية الغامضة، مما أدى إلى العديد من النظريات حول كيفية انتهاء القصة.
- تمثال “أبولو وديفني” لجان لورينزو برنيني: ترك برنيني هذا التمثال غير مكتمل بسبب انتقاله إلى فرنسا.
- العديد من اللوحات لليوناردو دا فينشي: ترك دا فينشي العديد من اللوحات غير مكتملة، بما في ذلك “عبادة المجوس”.
تثير الأعمال الفنية غير المكتملة العديد من الأسئلة حول عملية الإبداع وأهمية الكمال الفني. غالبًا ما تدعونا هذه الأعمال إلى التفكير في ما كان يمكن أن يكون، وإلى تقدير الجمال والغموض الذي يمكن أن يوجد في الأعمال غير المكتملة.
لماذا تهمنا الأعمال غير المكتملة؟
تثير الأعمال الفنية غير المكتملة فضولنا لأنها تمنحنا لمحة عن العملية الإبداعية للمؤلف. إنها تسمح لنا بالتفكير في الاحتمالات الممكنة والاتجاهات المختلفة التي كان يمكن أن تتخذها العمل. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تحمل الأعمال غير المكتملة إحساسًا خاصًا بالغموض والحنين، لأنها تذكرنا بالقيود المفروضة على الحياة والإبداع.
خاتمة
إن مفهوم “غير مكتمل” (Unvollendete) يحمل دلالات فنية وتاريخية مهمة، خاصة في مجال الموسيقى. سواء كانت سيمفونية شوبرت الثامنة أو سيمفونية مالر العاشرة، تظل هذه الأعمال شهادة على عبقرية المؤلفين، وتثير فينا مشاعر الإعجاب والغموض. كما أنها تذكرنا بأن الإبداع عملية مستمرة، وأن الكمال ليس دائمًا هو الهدف.