نشأته وتعليمه
ولد برانكو هورفات في مدينة بيترينيا الكرواتية في 24 يوليو 1928. تلقى تعليمه الأولي في كرواتيا، ثم واصل دراساته العليا في مجال الاقتصاد. حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بلغراد، حيث بدأ مسيرته الأكاديمية والبحثية.
مسيرته الأكاديمية والبحثية
كرّس هورفات جزءًا كبيرًا من حياته للبحث العلمي والتدريس الجامعي. عمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة بلغراد، حيث أشرف على العديد من الرسائل العلمية وأسهم في تكوين جيل من الاقتصاديين الكرواتيين واليوغوسلافيين. تميزت أبحاثه بالعمق والتحليل الدقيق للقضايا الاقتصادية، مما جعله مرجعًا هامًا في مجاله.
اهتم هورفات بشكل خاص بنظام التخطيط الاقتصادي اللامركزي، وقدم العديد من الدراسات والمقترحات لتطوير هذا النظام وتحسين أدائه. كان يعتقد أن التخطيط اللامركزي يمكن أن يكون بديلاً فعالاً عن التخطيط المركزي الشمولي، الذي كان سائدًا في العديد من الدول الاشتراكية في ذلك الوقت.
مساهماته النظرية في علم الاقتصاد
قدم برانكو هورفات العديد من المساهمات الهامة في مجال الاقتصاد، من أبرزها:
- نظرية المؤسسة الاشتراكية ذات الإدارة الذاتية: تعتبر هذه النظرية من أهم إسهامات هورفات، حيث طور نموذجًا مفصلاً لكيفية عمل المؤسسات الاشتراكية التي تدار ذاتيًا من قبل العاملين فيها. كان يعتقد أن هذا النموذج يمكن أن يحقق كفاءة اقتصادية أعلى وعدالة اجتماعية أكبر.
- تحليل دور النقابات العمالية في الاقتصاد الاشتراكي: رأى هورفات أن النقابات العمالية يجب أن تلعب دورًا هامًا في حماية حقوق العمال والدفاع عن مصالحهم، ولكن يجب أيضًا أن تكون مسؤولة عن المساهمة في تحسين أداء المؤسسات التي يعملون فيها.
- دراسات حول التوزيع العادل للدخل والثروة: اهتم هورفات بقضية التوزيع العادل للدخل والثروة، وقدم العديد من المقترحات لتحقيق توزيع أكثر عدالة، بما في ذلك فرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة وتوفير خدمات اجتماعية شاملة.
- تطوير نماذج اقتصادية لقياس الأداء الاقتصادي: عمل هورفات على تطوير نماذج اقتصادية لقياس الأداء الاقتصادي، مع التركيز على مؤشرات مثل الإنتاجية والربحية والقدرة التنافسية.
نشاطه السياسي
لم يقتصر نشاط هورفات على المجال الأكاديمي والبحثي، بل انخرط أيضًا في العمل السياسي. كان من المؤيدين للإصلاحات الاقتصادية والسياسية في يوغوسلافيا في الثمانينيات، ودعا إلى إقامة نظام ديمقراطي واقتصاد سوق اجتماعي. أسس حزبًا سياسيًا يدعو إلى هذه الإصلاحات، لكنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا في الانتخابات.
بعد تفكك يوغوسلافيا، لعب هورفات دورًا هامًا في صياغة السياسات الاقتصادية في كرواتيا المستقلة. كان من المؤيدين لسياسة الخصخصة، لكنه حذر من مخاطر الخصخصة السريعة وغير المنظمة. دعا إلى إقامة نظام اقتصادي مختلط يجمع بين القطاع العام والقطاع الخاص، مع دور قوي للدولة في تنظيم الاقتصاد وحماية المصالح العامة.
أهم مؤلفاته
ترك برانكو هورفات وراءه العديد من المؤلفات الهامة في مجال الاقتصاد، من أبرزها:
- “الاقتصاد السياسي للاشتراكية” (The Political Economy of Socialism): يعتبر هذا الكتاب من أهم أعمال هورفات، حيث يقدم فيه تحليلًا شاملاً للاقتصاد الاشتراكي، مع التركيز على نظام الإدارة الذاتية.
- “الاقتصاد اليوغوسلافي” (The Yugoslav Economic System): يقدم هذا الكتاب وصفًا وتحليلًا للنظام الاقتصادي اليوغوسلافي، مع التركيز على نقاط القوة والضعف فيه.
- “العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية” (Social Justice and Economic Development): يتناول هذا الكتاب العلاقة بين العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، ويقدم مقترحات لتحقيق توزيع أكثر عدالة للدخل والثروة.
- “أزمة الاشتراكية” (The Crisis of Socialism): يحلل هذا الكتاب أسباب الأزمة التي واجهها النظام الاشتراكي في أواخر القرن العشرين، ويقدم مقترحات للخروج من هذه الأزمة.
جوائز وتكريمات
حصل برانكو هورفات على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته في مجال الاقتصاد والسياسة، من بينها:
- جائزة الجمهورية الكرواتية للعلوم
- جائزة مدينة زغرب
- الدكتوراه الفخرية من جامعة ريجيكا
تأثيره وإرثه
لا يزال فكر برانكو هورفات مؤثرًا حتى اليوم، حيث تعتبر أفكاره حول الإدارة الذاتية والتخطيط اللامركزي والتوزيع العادل للدخل ذات صلة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة. يعتبر هورفات من أبرز الاقتصاديين الكرواتيين واليوغوسلافيين في القرن العشرين، وقد ترك إرثًا غنيًا من الأبحاث والدراسات التي لا تزال تمثل مرجعًا هامًا للباحثين والسياسيين.
لقد كان برانكو هورفات شخصية متعددة الجوانب، فقد كان اقتصاديًا بارعًا وسياسيًا ملتزمًا ومثقفًا واسع المعرفة. جمع بين النظرية والتطبيق، وسعى دائمًا إلى ترجمة أفكاره إلى واقع ملموس. لقد ترك بصمة واضحة في تاريخ كرواتيا ويوغوسلافيا، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأجيال القادمة.
تحديات واجهها
واجه برانكو هورفات العديد من التحديات خلال مسيرته المهنية والسياسية. في الحقبة الاشتراكية، تعرض لانتقادات من قبل بعض المسؤولين بسبب أفكاره الإصلاحية ودعوته إلى التخطيط اللامركزي والإدارة الذاتية. بعد تفكك يوغوسلافيا، واجه صعوبات في إقناع السياسيين بتطبيق أفكاره حول الخصخصة المنظمة والاقتصاد المختلط.
على الرغم من هذه التحديات، لم يتخل هورفات عن مبادئه وقناعاته. استمر في الدفاع عن أفكاره ونشرها، وظل يؤمن بأنها تمثل أفضل طريق لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
نظرة مستقبلية
يمكن القول إن أفكار برانكو هورفات لا تزال ذات صلة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة. في ظل تزايد الاهتمام بقضايا العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، يمكن أن تكون أفكاره حول التوزيع العادل للدخل والإدارة الذاتية والتخطيط اللامركزي مصدر إلهام للباحثين والسياسيين الذين يسعون إلى إيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه العالم اليوم.
إن إرث برانكو هورفات يمثل دعوة إلى التفكير النقدي والابتكار والإصلاح. إنه تذكير بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الجمع بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية.
خاتمة
كان برانكو هورفات اقتصاديًا وسياسيًا كرواتيًا بارزًا، اشتهر بمساهماته في نظرية المؤسسة الاشتراكية ذات الإدارة الذاتية ودوره في الدعوة إلى الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في يوغوسلافيا وكرواتيا. ترك إرثًا غنيًا من الأبحاث والدراسات التي لا تزال تمثل مرجعًا هامًا للباحثين والسياسيين المهتمين بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية.