مقدمة
كارل إدوارد بيريتير (مواليد 1930) هو باحث تربوي أمريكي وأستاذ فخري في معهد أونتاريو للدراسات التربوية التابع لجامعة تورنتو. يُعرف بيريتير على نطاق واسع بأعماله الرائدة في مجالات الإبداع المعرفي، ونظرية المعرفة الإجرائية، وفهم الكتابة كلغة تفكير، وتصميم بيئات التعلم المعرفية. ساهمت أبحاثه بشكل كبير في فهمنا لعمليات التعلم والتفكير، وقدمت رؤى قيمة لتصميم المناهج وطرق التدريس الفعالة.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد كارل بيريتير في الولايات المتحدة عام 1930. أظهر اهتمامًا مبكرًا بالتعليم وعلم النفس، مما دفعه إلى متابعة دراسته في هذه المجالات. حصل على درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة ويسكونسن ماديسون، ثم حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس التربوي من جامعة ويسكونسن أيضًا. خلال دراسته، تأثر بيريتير بالعديد من العلماء البارزين، بمن فيهم بنجامين بلوم، الذي كان له تأثير كبير على تفكيره في نظرية الأهداف التعليمية.
المسيرة الأكاديمية
بعد حصوله على درجة الدكتوراه، انضم بيريتير إلى هيئة التدريس في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، حيث عمل كأستاذ مساعد في علم النفس التربوي. في عام 1967، انتقل إلى معهد أونتاريو للدراسات التربوية (OISE) التابع لجامعة تورنتو، حيث أمضى معظم حياته المهنية. في OISE، شغل بيريتير منصب أستاذ ورئيس قسم علم النفس التطبيقي. تقاعد من OISE في عام 1995، لكنه استمر في نشاطه في مجال البحث والكتابة.
الإبداع المعرفي
يُعد مفهوم الإبداع المعرفي من أهم مساهمات كارل بيريتير في مجال التعليم. يرى بيريتير أن الإبداع ليس مجرد موهبة فطرية، بل هو مهارة يمكن تطويرها وتعزيزها من خلال الممارسة والتدريب. يركز الإبداع المعرفي على تطوير القدرة على توليد أفكار جديدة ومبتكرة، وحل المشكلات بطرق إبداعية، والتفكير خارج الصندوق. يعتقد بيريتير أن التعليم يجب أن يركز على تنمية هذه المهارات لدى الطلاب، بدلاً من مجرد التركيز على حفظ الحقائق والمعلومات.
وفقًا لبيريتير، يتضمن الإبداع المعرفي عدة عناصر أساسية، بما في ذلك:
- الطلاقة: القدرة على توليد عدد كبير من الأفكار في وقت قصير.
- المرونة: القدرة على تغيير وجهة النظر والتفكير في المشكلات بطرق مختلفة.
- الأصالة: القدرة على توليد أفكار جديدة وغير تقليدية.
- التفصيل: القدرة على تطوير الأفكار وتفصيلها بشكل كامل.
يقترح بيريتير أن المدرسين يمكنهم تعزيز الإبداع المعرفي لدى الطلاب من خلال توفير فرص للتفكير الإبداعي، وتشجيعهم على طرح الأسئلة، وتقييم أفكارهم بشكل إيجابي، وتوفير بيئة تعليمية داعمة ومحفزة.
نظرية المعرفة الإجرائية
تعتبر نظرية المعرفة الإجرائية من المفاهيم الرئيسية الأخرى التي طورها كارل بيريتير. تركز هذه النظرية على فهم كيفية اكتساب المعرفة وتطبيقها في سياقات عملية. يرى بيريتير أن المعرفة ليست مجرد مجموعة من الحقائق والمعلومات، بل هي أيضًا مجموعة من المهارات والإجراءات التي تمكننا من حل المشكلات واتخاذ القرارات.
وفقًا لبيريتير، تتكون المعرفة الإجرائية من عنصرين أساسيين:
- المعرفة التصريحية: وهي المعرفة بالحقائق والمعلومات.
- المعرفة الإجرائية: وهي المعرفة بكيفية القيام بشيء ما، أي معرفة المهارات والإجراءات اللازمة لإنجاز مهمة معينة.
يرى بيريتير أن التعليم يجب أن يركز على تطوير كل من المعرفة التصريحية والمعرفة الإجرائية لدى الطلاب. يجب على الطلاب أن يتعلموا الحقائق والمعلومات، ولكن يجب عليهم أيضًا أن يتعلموا كيفية تطبيق هذه المعرفة في سياقات عملية.
الكتابة كلغة تفكير
يرى كارل بيريتير أن الكتابة ليست مجرد مهارة لغوية، بل هي أيضًا أداة قوية للتفكير. يعتقد بيريتير أن الكتابة يمكن أن تساعدنا على تنظيم أفكارنا، وتحليل المعلومات، وحل المشكلات، وتوليد أفكار جديدة. لذلك، يرى بيريتير أن التعليم يجب أن يركز على تطوير مهارات الكتابة لدى الطلاب، ليس فقط من أجل التواصل الفعال، ولكن أيضًا من أجل تعزيز التفكير النقدي والإبداعي.
وفقًا لبيريتير، يمكن للكتابة أن تساعدنا على التفكير بشكل أفضل من خلال:
- إجبارنا على تنظيم أفكارنا: عندما نكتب، يجب علينا أن نفكر في كيفية تنظيم أفكارنا وتقديمها بشكل منطقي ومتماسك.
- مساعدتنا على تحليل المعلومات: عندما نكتب، يجب علينا أن نحلل المعلومات ونقيمها ونختار المعلومات الأكثر أهمية وملاءمة.
- تسهيل حل المشكلات: عندما نكتب، يمكننا استخدام الكتابة كأداة لحل المشكلات، من خلال تحليل المشكلة وتحديد الحلول المحتملة وتقييمها.
- تحفيز توليد الأفكار الجديدة: عندما نكتب، يمكننا استخدام الكتابة كأداة لتوليد أفكار جديدة، من خلال استكشاف الأفكار المختلفة وتجربتها وتقييمها.
يقترح بيريتير أن المدرسين يمكنهم تعزيز استخدام الكتابة كلغة تفكير لدى الطلاب من خلال توفير فرص للكتابة المتكررة، وتقديم ملاحظات مفصلة على كتاباتهم، وتشجيعهم على الكتابة عن مواضيع تثير اهتمامهم، وتوفير بيئة تعليمية داعمة ومشجعة.
تصميم بيئات التعلم المعرفية
يعتبر كارل بيريتير من رواد تصميم بيئات التعلم المعرفية. يرى بيريتير أن بيئة التعلم يجب أن تكون مصممة بطريقة تشجع الطلاب على التفكير النقدي والإبداعي، وحل المشكلات، والتعاون مع الآخرين. يجب أن تكون بيئة التعلم محفزة وداعمة، وتوفر للطلاب فرصًا للتجربة والتعلم من أخطائهم.
وفقًا لبيريتير، يجب أن تتضمن بيئة التعلم المعرفية عدة عناصر أساسية، بما في ذلك:
- المهام الأصيلة: يجب أن تكون المهام التي يقوم بها الطلاب ذات صلة بالعالم الحقيقي، وأن تتطلب منهم استخدام المعرفة والمهارات التي تعلموها في سياقات عملية.
- التعاون: يجب أن يشجع الطلاب على العمل معًا لحل المشكلات وإكمال المهام. يمكن أن يساعد التعاون الطلاب على تعلم من بعضهم البعض وتطوير مهاراتهم الاجتماعية.
- التفكير النقدي: يجب أن يشجع الطلاب على التفكير النقدي في المعلومات التي يتعلمونها وتقييمها. يجب أن يتعلم الطلاب كيفية طرح الأسئلة وتحديد الافتراضات الخفية وتقييم الأدلة.
- التفكير الإبداعي: يجب أن يشجع الطلاب على التفكير الإبداعي وتوليد أفكار جديدة. يجب أن يتعلم الطلاب كيفية التفكير خارج الصندوق وحل المشكلات بطرق مبتكرة.
- الدعم: يجب أن توفر بيئة التعلم الدعم للطلاب. يجب أن يكون المدرسون متاحين لمساعدة الطلاب والإجابة على أسئلتهم. يجب أن تكون هناك أيضًا موارد متاحة للطلاب، مثل الكتب والمواقع الإلكترونية، التي يمكن أن تساعدهم على التعلم.
يعتقد بيريتير أن تصميم بيئات التعلم المعرفية يمكن أن يساعد الطلاب على أن يصبحوا متعلمين مستقلين ومفكرين نقديين ومبدعين.
الجوائز والتكريمات
حصل كارل بيريتير على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته في مجال التعليم. من بين هذه الجوائز:
- جائزة الإنجاز مدى الحياة من الجمعية الأمريكية للبحث التربوي.
- جائزة الإسهامات المتميزة في البحث التربوي من الرابطة الأمريكية لكليات إعداد المعلمين.
- زمالة في الأكاديمية الوطنية للتعليم.
مؤلفات مختارة
نشر كارل بيريتير العديد من الكتب والمقالات حول مواضيع مختلفة في مجال التعليم. من بين مؤلفاته الأكثر شهرة:
- Surpassing Ourselves: An Inquiry into the Nature and Implications of Expertise (1993)
- Education and Mind in the Knowledge Age (2002)
- Knowledge Building: Theory, Assessment & Technology (2014) (بالاشتراك مع مارلين سكارديما)
ترجمت كتبه ومقالاته إلى العديد من اللغات، واستخدمت على نطاق واسع في برامج إعداد المعلمين والباحثين التربويين في جميع أنحاء العالم.
تأثيره على مجال التعليم
كان لكارل بيريتير تأثير كبير على مجال التعليم. ساهمت أبحاثه في فهمنا لعمليات التعلم والتفكير، وقدمت رؤى قيمة لتصميم المناهج وطرق التدريس الفعالة. ألهمت أفكاره العديد من المعلمين والباحثين التربويين في جميع أنحاء العالم، وساعدت على تحسين جودة التعليم في العديد من البلدان.
يُذكر بيريتير بشكل خاص لمساهماته في مجالات الإبداع المعرفي، ونظرية المعرفة الإجرائية، وفهم الكتابة كلغة تفكير، وتصميم بيئات التعلم المعرفية. تظل هذه الأفكار ذات صلة اليوم، وتستمر في التأثير على الممارسات التعليمية والبحث التربوي.
خاتمة
كارل بيريتير هو باحث تربوي بارز ترك بصمة لا تُمحى على مجال التعليم. من خلال عمله الرائد في الإبداع المعرفي، ونظرية المعرفة الإجرائية، وفهم الكتابة كلغة تفكير، وتصميم بيئات التعلم المعرفية، قدم بيريتير رؤى قيمة حول كيفية تحسين عمليات التعلم والتفكير. تستمر أفكاره في إلهام المعلمين والباحثين التربويين في جميع أنحاء العالم، وتساهم في تحسين جودة التعليم للطلاب في جميع الأعمار.