<![CDATA[
خلفية نظرية تبرير النظام
ظهرت نظرية تبرير النظام في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين، ويعود الفضل في تطويرها بشكل أساسي إلى عالمي النفس جون تي. جوست وجيمس إ. نوورسيك.
انبثقت النظرية من ملاحظة أن الأفراد غالبًا ما يعبرون عن معتقدات إيجابية حول الأنظمة الاجتماعية القائمة، حتى عندما يعتقدون أن هذه الأنظمة معيبة أو غير عادلة. على سبيل المثال، قد يعتقد العاملون ذوو الأجور المنخفضة في نظام اقتصادي معين أن هذا النظام عادل، حتى لو كان هذا النظام يبقيهم في وضع مالي صعب.
اقترح جوست و نوورسيك أن هذا السلوك ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة لعملية نفسية أساسية تهدف إلى تقليل القلق وعدم اليقين اللذين يمكن أن ينشأا من الإقرار بالظلم أو عدم المساواة في النظام الاجتماعي. من خلال تبرير النظام، يقلل الناس من الإدراك بأن النظام غير عادل، وبالتالي يقللون من المشاعر السلبية المرتبطة بهذا الإدراك.
المبادئ الأساسية لنظرية تبرير النظام
تعتمد نظرية تبرير النظام على عدة مبادئ أساسية:
- الدوافع الوجودية: يشعر الناس بالحاجة إلى فهم عالمهم والسيطرة عليه، ويساعدهم تبرير النظام على تحقيق ذلك من خلال توفير شعور بالترتيب والاتساق.
- الدوافع المعرفية: يميل الناس إلى البحث عن التناغم المعرفي وتجنب التنافر المعرفي. يساعد تبرير النظام على تقليل التنافر المعرفي الذي قد ينشأ من الإقرار بالظلم أو عدم المساواة.
- الدوافع الاجتماعية: يشعر الناس بالحاجة إلى الانتماء إلى مجموعات والحفاظ على علاقات اجتماعية إيجابية. يمكن أن يساعد تبرير النظام على تحقيق ذلك من خلال تعزيز المواقف والمعتقدات المشتركة التي تدعم النظام الاجتماعي الحالي.
وفقًا لنظرية تبرير النظام، يمكن أن تتجلى هذه الدوافع في مجموعة متنوعة من السلوكيات والمعتقدات، بما في ذلك:
- الإيمان بالعدالة: يميل الناس إلى الاعتقاد بأن العالم عادل وأن الناس يحصلون على ما يستحقونه.
- التحيز ضد مجموعات خارجية معينة: قد يطور الناس تحيزات ضد المجموعات التي يُنظر إليها على أنها تهدد النظام الاجتماعي القائم.
- الدعم للقيادة القائمة: يميل الناس إلى دعم القادة والمؤسسات التي تمثل النظام الاجتماعي الحالي.
- التقليل من شأن قضايا الظلم: قد يقلل الناس من أهمية أو خطورة قضايا الظلم الاجتماعي.
العوامل المؤثرة في تبرير النظام
تتأثر درجة تبرير النظام بالعديد من العوامل، بما في ذلك:
- الحالة الاجتماعية والاقتصادية: يميل الأشخاص الذين يتمتعون بوضع اجتماعي واقتصادي مرتفع إلى إظهار مستوى أعلى من تبرير النظام، لأنهم يستفيدون من النظام القائم.
- التهديد: في أوقات الأزمات أو عدم اليقين، يميل الناس إلى إظهار مستوى أعلى من تبرير النظام، لأن ذلك يساعدهم على الشعور بالأمان والسيطرة.
- الهوية الاجتماعية: يمكن أن يؤثر انتماء الشخص إلى مجموعة اجتماعية معينة على درجة تبرير النظام لديه. على سبيل المثال، قد يكون لدى الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم بقوة مع النظام الاجتماعي مستوى أعلى من تبرير النظام.
- الظروف الثقافية: يمكن أن تؤثر القيم والمعتقدات الثقافية السائدة على درجة تبرير النظام في المجتمع.
تطبيقات نظرية تبرير النظام
لنظرية تبرير النظام تطبيقات واسعة في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك:
- السياسة: تساعد النظرية على فهم كيفية دعم الناس للأنظمة السياسية، حتى لو كانت هذه الأنظمة غير عادلة أو تعمل ضد مصالحهم.
- الاقتصاد: تساعد النظرية على فهم كيفية دعم الناس للأنظمة الاقتصادية، مثل الرأسمالية، حتى لو كانت هذه الأنظمة تزيد من التفاوت الاجتماعي.
- العلاقات العرقية: تساعد النظرية على فهم كيفية استمرار التحيز والتمييز، حتى في المجتمعات التي تسعى جاهدة لتحقيق المساواة.
- العدالة الجنائية: تساعد النظرية على فهم كيفية إدراك الناس لنظام العدالة الجنائية، وكيف يمكن للتصورات أن تؤثر على سلوكهم.
- الصحة: يمكن أن تساعد النظرية في فهم كيفية إدراك الناس للظروف الصحية والنظم الصحية.
على سبيل المثال، يمكن استخدام نظرية تبرير النظام لشرح سبب استمرار بعض الناس في دعم السياسات التي تضر بمصالحهم الاقتصادية. إذا كان الشخص يعتقد أن النظام الاقتصادي عادل، فقد يكون أكثر عرضة لدعم هذه السياسات، حتى لو كانت تضر بمصالحه الشخصية.
أو يمكن استخدام النظرية لشرح سبب استمرار التحيز والتمييز ضد مجموعات معينة. إذا كان الشخص يعتقد أن النظام الاجتماعي عادل، فقد يكون أكثر عرضة للتحيز ضد المجموعات التي يُنظر إليها على أنها تهدد هذا النظام.
نقد نظرية تبرير النظام
على الرغم من أن نظرية تبرير النظام قدمت مساهمات كبيرة في فهمنا للسلوك الاجتماعي، إلا أنها تعرضت أيضًا للنقد. تشمل بعض الانتقادات ما يلي:
- التبسيط المفرط: يزعم النقاد أن النظرية تبسط العلاقات المعقدة بين الأفراد والنظام الاجتماعي.
- التأكيد المفرط على الدوافع النفسية: يزعم النقاد أن النظرية تركز بشكل كبير على الدوافع النفسية وتغفل العوامل الاجتماعية والثقافية الأخرى التي تؤثر على السلوك.
- صعوبة القياس: يزعم النقاد أن بعض جوانب النظرية، مثل الدوافع النفسية، يصعب قياسها بشكل موضوعي.
على الرغم من هذه الانتقادات، تظل نظرية تبرير النظام أداة قيمة لفهم كيفية إدراك الناس للأنظمة الاجتماعية وكيفية سلوكهم داخل هذه الأنظمة.
البحوث المستقبلية
هناك العديد من المجالات التي يمكن فيها إجراء المزيد من البحوث حول نظرية تبرير النظام. وتشمل هذه:
- استكشاف العوامل التي تؤثر في درجة تبرير النظام. يمكن أن يشمل ذلك دراسة تأثير الثقافة، والتعليم، والتجارب الشخصية على تبرير النظام.
- دراسة العلاقة بين تبرير النظام والسلوك. على سبيل المثال، كيف يؤثر تبرير النظام على الدعم السياسي، والسلوك الانتخابي، والسلوك الاقتصادي.
- فهم كيفية استخدام نظرية تبرير النظام في التدخلات. يمكن أن يشمل ذلك تطوير استراتيجيات لتقليل تبرير النظام وتعزيز العدالة الاجتماعية.
من خلال الاستمرار في دراسة نظرية تبرير النظام، يمكننا الحصول على فهم أعمق لكيفية تفاعل الناس مع الأنظمة الاجتماعية وكيفية تعزيز مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا.
خاتمة
تبرير النظام هو نظرية مهمة في علم النفس الاجتماعي تقدم رؤى قيمة حول كيفية إدراك الناس للأنظمة الاجتماعية وكيفية سلوكهم داخل هذه الأنظمة. تقترح النظرية أن الناس يميلون إلى تبرير الأنظمة الاجتماعية القائمة، حتى لو كانت هذه الأنظمة غير عادلة أو تعمل ضد مصالحهم. يمكن أن تساعدنا هذه النظرية على فهم مجموعة متنوعة من الظواهر الاجتماعية، بما في ذلك الدعم السياسي، والتحيز، والتمييز. على الرغم من بعض الانتقادات، تظل نظرية تبرير النظام أداة قيمة لفهم السلوك الاجتماعي وتعزيز العدالة الاجتماعية.
المراجع
- Jost, J. T., & Banaji, M. R. (1994). The role of stereotyping in system-justification and the production of false consciousness.
- Jost, J. T., & Major, B. (2001). The role of system-justification in political and social psychology.
- Jost, J. T., & van der Toorn, J. (2012). System justification theory.
- Jost, J. T., Federico, C. M., & Napier, J. L. (2009). Political psychology: Situating the study of ideology.