نشأة السويدنبورغية
بدأت السويدنبورغية في الظهور في منتصف القرن الثامن عشر، مع نشر إيمانويل سويدنبورغ لكتاباته الرئيسية. ولد سويدنبورغ في السويد عام 1688، وكان في الأصل مهندساً وعالماً بارزاً، لكنه تحول في الأربعينيات من عمره إلى اهتمامات روحانية عميقة. ادعى سويدنبورغ أنه شهد رؤى ومحادثات مع الملائكة والأرواح، مما منحه فهماً جديداً للكتاب المقدس والحياة الروحية.
اعتبر سويدنبورغ أن كتابه “أركانا كوليستيا” (Arcana Cœlestia)، وهو عمل ضخم من 12 مجلداً، هو الأساس للاهوت الجديد. في هذا العمل، قدم تفسيراً رمزياً للكتاب المقدس، زاعماً أنه يحتوي على معانٍ داخلية أو روحية مخفية بالإضافة إلى المعنى الحرفي. رأى سويدنبورغ أن هذه المعاني الداخلية تكشف عن العلاقة بين الله والبشرية، وتقدم إرشادات حول كيفية تحقيق الخلاص.
العقائد الأساسية
تتميز السويدنبورغية بعدد من العقائد المميزة التي تميزها عن الطوائف المسيحية الأخرى:
- وحدانية الله: يؤمن السويدنبورغيون بإله واحد، وهو يسوع المسيح. يعتقدون أن الثالوث – الأب والابن والروح القدس – هو مظاهر مختلفة للإله الواحد، وليس ثلاثة كيانات منفصلة. يرى السويدنبورغيون أن يسوع المسيح هو تجسيد كامل للإله في شكل بشري.
- الصحيفة المقدسة: تعتبر السويدنبورغية أن الكتاب المقدس هو كلمة الله المقدسة، ولكنها تؤكد على أهمية التفسير الرمزي أو الروحي للكتاب المقدس. يعتقدون أن الكتاب المقدس له ثلاثة مستويات من المعنى: حرفي، روحي، وسماوي.
- الحياة بعد الموت: تؤمن السويدنبورغية بالحياة بعد الموت، حيث تنتقل الروح إلى الحياة الأبدية في السماء أو الجحيم بناءً على طبيعة حياة الفرد على الأرض. يرى السويدنبورغيون أن عملية الحكم تتم بعد الموت مباشرة، وليس في يوم الدينونة النهائي.
- الزواج: تعتبر السويدنبورغية الزواج مقدساً ويمثل اتحاداً روحياً بين الرجل والمرأة، وهو يمتد إلى الحياة الآخرة.
- الإنسان الحر: يؤكد السويدنبورغيون على حرية الإرادة الإنسانية، مع الإيمان بأن الله لا يتدخل في اختيارات الإنسان. يعتقدون أن البشر لديهم القدرة على اختيار الخير أو الشر، وأن خلاصهم يعتمد على خياراتهم.
الممارسات والطقوس
تتبع الكنيسة الجديدة عددًا من الممارسات والطقوس التي تعكس معتقداتها:
- العبادة: تتميز خدمات العبادة في الكنيسة الجديدة بالتركيز على الوعظ والتعليم المستمد من الكتاب المقدس، وخاصة من منظور سويدنبورغ. غالبًا ما تتضمن خدمات العبادة صلاة وقراءة الكتاب المقدس والترانيم.
- التعميد: يعمد السويدنبورغيون الأطفال والبالغين كرمز للتطهير والدخول في الكنيسة.
- القربان المقدس: يحتفل السويدنبورغيون بالقربان المقدس، أو شركة الرب، كتذكار لآخر عشاء ليسوع المسيح.
- الزواج: يبارك القساوسة السويدنبورغيون الزيجات، مع التأكيد على القداسة والوحدة الروحية للزواج.
- التعليم الديني: توفر الكنائس السويدنبورغية دروسًا في التعليم الديني للأطفال والشباب، وتعلّمهم مبادئ الإيمان السويدنبورغي.
التأثير والانتشار
انتشرت السويدنبورغية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، على الرغم من أنها لا تزال طائفة صغيرة نسبيًا. كان لها تأثير كبير على الفكر الديني، والفلسفة، والفن، والأدب. ساهمت أفكار سويدنبورغ في تشكيل تطور الروحانية في العصر الحديث.
أثرت السويدنبورغية على العديد من الشخصيات البارزة، بمن فيهم الكتاب والفنانون مثل ويليام بليك ورالف والدو إمرسون. استخدم بليك رموزًا سويدنبورغية في أعماله الفنية والشعرية، بينما تأثر إمرسون بفكر سويدنبورغ في تطوير فلسفته عن التجاوزية (Transcendentalism).
على الرغم من صغر حجمها، فقد ساهمت الكنيسة الجديدة في مجالات مختلفة، بما في ذلك التعليم والعمل الخيري. أسست الكنائس السويدنبورغية مدارس ومؤسسات خيرية في جميع أنحاء العالم، ملتزمة بتطبيق مبادئ الإيمان في خدمة المجتمع.
التحديات والتطورات الحديثة
تواجه الكنيسة الجديدة تحديات معاصرة مثل انخفاض عدد الأعضاء والحاجة إلى التكيف مع التغيرات الاجتماعية والثقافية. تسعى الطوائف السويدنبورغية إلى الحفاظ على إرثها اللاهوتي مع معالجة القضايا الحديثة. تستكشف الكنائس الجديدة طرقًا جديدة للتفاعل مع العالم من خلال التكنولوجيا والوسائل الاجتماعية، وتعزيز التوعية والتبشير.
تشمل التطورات الحديثة في السويدنبورغية:
- الحوار المسكوني: المشاركة في الحوار مع الطوائف المسيحية الأخرى لتعزيز التفاهم والتعاون.
- الدراسات الأكاديمية: البحث العلمي المستمر في لاهوت سويدنبورغ، وفلسفته، وتأثيراته.
- التواصل الإعلامي: استخدام وسائل الإعلام الحديثة لنشر رسالة السويدنبورغية والوصول إلى جمهور أوسع.
الفرق الرئيسية داخل السويدنبورغية
على الرغم من أن السويدنبورغية متحدة في الإيمان الأساسي بلاهوت سويدنبورغ، إلا أن هناك عدة فروع أو طوائف داخل الكنيسة الجديدة، بما في ذلك:
- الكنيسة الجديدة العامة (General Church of the New Jerusalem): هذه هي أكبر طائفة سويدنبورغية في الولايات المتحدة، وتركز على التبشير والتوسع.
- الكنيسة الجديدة في إنجلترا (The New Church in England): تتبع نهجًا ليبراليًا في اللاهوت، وتركز على الجوانب الاجتماعية والثقافية.
- كنيسة الرب (Church of the Lord): وهي مجموعة أصغر تلتزم بشدة بتعاليم سويدنبورغ الأصلية.
مقارنة مع الطوائف المسيحية الأخرى
تختلف السويدنبورغية عن الطوائف المسيحية الأخرى في عدة جوانب:
- عقيدة الثالوث: بينما تؤمن الطوائف المسيحية الأخرى بالثالوث ككيانات منفصلة، ترى السويدنبورغية أن الثالوث هو تجسيد لله الواحد.
- تفسير الكتاب المقدس: تعتمد السويدنبورغية بشكل كبير على التفسير الرمزي للكتاب المقدس، بينما تعتمد الطوائف الأخرى على تفسيرات حرفية أو تاريخية.
- الخلاص: تؤكد السويدنبورغية على أهمية حرية الإرادة والتعاون مع الله في عملية الخلاص، بينما تؤكد بعض الطوائف الأخرى على نعمة الله وحدها.
- الحياة بعد الموت: تقدم السويدنبورغية رؤية تفصيلية للحياة بعد الموت، بما في ذلك عملية الحكم والتقدم الروحي في السماء أو الجحيم.
الجدل والنقد
واجهت السويدنبورغية جدلاً وانتقادات على مر السنين. بعض النقاط الرئيسية تشمل:
- غموض الكتابات: يجد بعض الناس كتابات سويدنبورغ صعبة الفهم ومعقدة.
- التفسير الرمزي: يجادل البعض بأن التفسير الرمزي للكتاب المقدس يقوض المعنى الحرفي للكتاب المقدس.
- التأثير على الكنائس الأخرى: هناك من يعتقد أن السويدنبورغية تضعف العقائد المسيحية التقليدية.
خاتمة
الكنيسة الجديدة، أو السويدنبورغية، هي طائفة مسيحية فريدة من نوعها تقدم نظرة روحية مميزة للعالم. من خلال تعاليم إيمانويل سويدنبورغ، تقدم السويدنبورغية تفسيرًا رمزيًا للكتاب المقدس، مع التركيز على وحدانية الله، والحياة بعد الموت، وحرية الإرادة الإنسانية. على الرغم من صغر حجمها، فقد تركت السويدنبورغية بصمة على الفكر الديني والفلسفي والأدبي، ولا تزال تواصل التطور والتكيف مع التحديات المعاصرة.
المراجع
- The Swedenborg Foundation
- General Church of the New Jerusalem
- Britannica – Swedenborgianism
- Stanford Encyclopedia of Philosophy – Emanuel Swedenborg
“`