<![CDATA[
السياق التاريخي والثقافي
لفهم كورنثوس الأولى 14 بشكل كامل، من الضروري أن نضع في اعتبارنا السياق التاريخي والثقافي الذي كُتبت فيه الرسالة. كانت مدينة كورنثوس مدينة يونانية رئيسية في القرن الأول الميلادي، وكانت معروفة بازدهارها التجاري وتنوع سكانها. كانت الكنيسة في كورنثوس تعاني من عدة مشاكل، بما في ذلك الانقسامات والخلافات حول العطايا الروحية. كان بعض المؤمنين يمارسون العطايا بشكل غير منظم، مما أدى إلى الفوضى وعدم الفهم. كتب بولس الرسول هذه الرسالة لتصحيح هذه المشاكل وتوجيه المؤمنين نحو الممارسات الصحيحة للعطايا الروحية.
العطايا الروحية: اللغة النبوية والتكلم بالألسنة
يناقش الفصل بشكل رئيسي عطيتين روحيتين: النبوة والتكلم بالألسنة. يرى بولس الرسول أن النبوة هي عطية أكثر فائدة للكنيسة، لأنها تهدف إلى تعليم المؤمنين وبنائهم وتشجيعهم وتعزيتهم. أما التكلم بالألسنة، فيقول بولس الرسول أنه مفيد لمن يتكلم بها شخصيًا، ولكنه غير مفيد للكنيسة إذا لم يفسر المتكلم ما قاله. يؤكد بولس على أهمية الفهم في العبادة العامة، ويحث المؤمنين على السعي وراء العطايا التي تبني الكنيسة.
النبوة: النبوة هي القدرة على التحدث باسم الله وإيصال رسالته إلى الشعب. يوضح بولس أن النبوة هي أعظم من التكلم بالألسنة في الكنيسة، لأنها تفيد الجميع. إذا تنبأ شخص ما في الكنيسة، يجب على الآخرين أن يحكموا على ما يقوله. إذا كشف الله عن شيء لمتنبئ آخر جالس، فيجب على المتحدث الأول أن يصمت. يجب أن يخضع الأنبياء لسيطرتهم، لأنه ليس الله إله فوضى بل سلام.
التكلم بالألسنة: التكلم بالألسنة هو القدرة على التحدث بلغات غير معروفة للشخص المتكلم. يشرح بولس أن التكلم بالألسنة هو علامة للمؤمنين، ولكنه يجب أن يمارس بمسؤولية. إذا تحدث شخص ما بلغة غير معروفة في الكنيسة، فيجب أن يكون هناك من يفسر ما قاله، حتى يتمكن الآخرون من فهمه. إذا لم يكن هناك من يفسر، يجب على المتكلم أن يصمت في الكنيسة ويتكلم مع نفسه ومع الله.
تنظيم العبادة العامة
يوفر الفصل إرشادات حول كيفية تنظيم العبادة العامة في الكنيسة. يؤكد بولس على أهمية النظام والترتيب في العبادة، ويدعو المؤمنين إلى ممارسة العطايا الروحية بطريقة تبني الكنيسة وتخدم الآخرين. يجب أن يكون كل شيء يمارس في العبادة ليساعد في بناء الكنيسة ككل.
- يجب أن يكون كل شيء يجري في العبادة للتعليم والإرشاد.
- يجب أن يتحدث اثنان أو ثلاثة من الأنبياء، ويحكم الآخرون.
- إذا كشف شيء لآخر جالس، فيجب على الأول أن يصمت.
- يجب أن يكون هناك مترجم للتكلم بالألسنة.
- يجب أن يتم كل شيء بلياقة وبترتيب.
يشدد بولس على أن العبادة يجب أن تكون مفهومة للجميع، لذلك يجب أن يكون التكلم بالألسنة مصحوبًا بالترجمة، والنبوءة يجب أن تكون واضحة ومفهومة.
المرأة في الكنيسة
يتضمن الفصل بعض الآيات التي تتناول دور المرأة في الكنيسة. هذه الآيات مثيرة للجدل، وقد تم تفسيرها بطرق مختلفة على مر القرون. يشير بولس إلى أنه يجب على النساء أن يصمتن في الكنائس، وأنهن يجب أن يتعلمن في صمت. ومع ذلك، هناك تفسيرات مختلفة لهذه الآيات. يرى البعض أنها تعكس السياق الثقافي في ذلك الوقت، حيث كان يُنظر إلى النساء على أنهن أقل تعليمًا، ويعتقد آخرون أنها تتعلق بمسؤولية المرأة في الكنيسة في ذلك الوقت. من المهم أن نلاحظ أن هذه الآيات يجب أن تُقرأ في سياقها الكامل، مع الأخذ في الاعتبار رسالة بولس الشاملة عن المساواة في الروح القدس.
هناك بعض الآيات التي تثير الجدل، مثل “لتصمت نساؤكم في الكنائس” (1 كورنثوس 14:34). هناك آراء مختلفة حول هذه الآية، منها:
- سياقية: قد تكون الآية موجهة إلى نساء معينين في كنيسة كورنثوس كنّ يسببن اضطرابًا.
- ثقافية: تعكس الآية القيود الثقافية على النساء في ذلك الوقت.
- إرشادية: تعني الآية أن النساء يجب أن يتعلمن في هدوء ويخضعن للسلطة في الكنيسة.
مهما كان التفسير، من المهم أن نضع في اعتبارنا أن بولس يشجع على المساواة الروحية بين الرجال والنساء في مواضع أخرى من رسائله. يجب أن تؤخذ الآيات المتعلقة بالمرأة في هذا الفصل في سياقها الكامل وفي ضوء رسالة بولس الأوسع.
أهمية الحب
على الرغم من تركيز الفصل على العطايا الروحية، يذكر بولس أيضًا أهمية الحب. يقول بولس “لتكن جميع أموركم بمحبة” (1 كورنثوس 16:14). هذا يعني أن جميع ممارسات العطايا الروحية يجب أن تكون مدفوعة بالحب. بدون الحب، تكون العطايا عديمة الفائدة. الحب هو أعظم من جميع العطايا الروحية، وهو أساس كل عمل في الكنيسة.
خاتمة
يُعد كورنثوس الأولى 14 فصلًا مهمًا يقدم إرشادات عملية حول كيفية ممارسة العطايا الروحية في الكنيسة. يؤكد بولس الرسول على أهمية النبوة والتكلم بالألسنة، مع التركيز على الفهم والتعلّم. يدعو بولس المؤمنين إلى تنظيم العبادة العامة بطريقة تبني الكنيسة وتخدم الآخرين. كما يذكر أهمية الحب، ويؤكد أنه يجب أن يكون الدافع وراء جميع ممارسات العطايا الروحية. هذا الفصل هو دعوة للمؤمنين لكي يسعوا وراء العطايا التي تبني الكنيسة، وأن يمارسوها بمحبة ونظام.