نشأة وتاريخ
نشأت حركة البينيتينتس في أوائل القرن التاسع عشر، وتحديدًا في أعقاب استقلال المكسيك عن إسبانيا عام 1821. في تلك الفترة، عانت المجتمعات النائية في نيو مكسيكو من نقص في الكهنة بسبب التغيرات السياسية والدينية. نتيجة لذلك، تولى أعضاء الجماعة، المعروفون بـ “إيرمانوس” (Hermanos) أو “الإخوة”، مسؤولية الوعظ الديني وإقامة الطقوس الدينية، وهو الأمر الذي أدى إلى تطور طقوسهم الخاصة.
تأثرت ممارساتهم بشدة بالتقاليد الكاثوليكية الإسبانية، وخاصة تلك التي تركز على آلام المسيح وتضحيته. اشتملت طقوسهم على الصلوات، والترانيم، والتأمل، والتكفير عن الذنوب من خلال ممارسات تقشفية. لعبت الجماعة دورًا مهمًا في الحفاظ على الإيمان الكاثوليكي والثقافة الإسبانية في المجتمعات المعزولة. بالرغم من أن تاريخهم يحيط به بعض الغموض، إلا أن الأدلة التاريخية تشير إلى أنهم كانوا نشطين بحلول منتصف القرن التاسع عشر، وتأثرت ممارساتهم بشكل كبير بالرهبانية الفرنسيسكانية.
المعتقدات والممارسات
تعتبر التوبة والإيمان والتكفير عن الذنوب من الركائز الأساسية في معتقدات البينيتينتس. يؤمنون بأهمية معاناة المسيح في سبيل خلاص البشرية، ويحرصون على محاكاة هذه المعاناة من خلال ممارسات تقشفية. تشمل هذه الممارسات الجلد الذاتي، حمل الصلبان الثقيلة، والمشاركة في مواكب وعروض دينية في أوقات معينة من السنة، خاصة خلال أسبوع الآلام (الأسبوع الذي يسبق عيد الفصح).
الطقوس الرئيسية:
- مواكب أسبوع الآلام: تشمل مسيرات توبة يشارك فيها الأعضاء في حمل الصلبان الثقيلة، وأداء الصلوات، والترانيم، والتأمل في آلام المسيح.
- الجلد الذاتي: يمارس بعض الأعضاء الجلد الذاتي كشكل من أشكال التكفير عن الذنوب والتطهر الروحي.
- بناء “مورادور” (Morada): وهو مبنى صغير يستخدم كمكان للعبادة والاجتماعات.
- إقامة الصلوات والترانيم: تُقام الصلوات والترانيم بشكل منتظم في “المورادور” أو في الهواء الطلق.
تُعتبر طقوسهم سرية إلى حد كبير، ويتم الحفاظ عليها من خلال التقاليد الشفهية والتعليمات التي تنتقل من جيل إلى جيل. يحرصون على عدم مشاركة هذه الطقوس مع الغرباء، ويعتبرون هذا الأمر جزءًا من قدسية جماعتهم.
بنية الجماعة
تتكون جماعة البينيتينتس من “المورادا” (Morada)، وهي منظمة أو أخوة محلية. يرأس كل “مورادا” “هيرمانو مايور” (Hermano Mayor)، وهو الأخ الأكبر أو الزعيم الروحي. يساعده في قيادة الجماعة مجلس من الإخوة الآخرين. يمارس الإخوة أدوارًا مختلفة داخل الجماعة، مثل التعليم، وإقامة الطقوس، وتقديم الدعم للمجتمع المحلي. تتمتع كل “مورادا” باستقلالية نسبية، ولكنها تتبع نفس المبادئ والمعتقدات الأساسية.
أدوار الإخوة:
- هيرمانو مايور (Hermano Mayor): القائد الروحي والمسؤول عن الإشراف على شؤون “المورادا”.
- إيرمانو كابيلانو (Hermano Capellán): الشخص الذي يرافق الإخوة في الطقوس والاحتفالات.
- إيرمانوس دي سان خوان (Hermanos de San Juan): الإخوة المسؤولون عن رعاية المرضى وكبار السن.
دورهم في المجتمع
بالإضافة إلى ممارساتهم الدينية، لعب البينيتينتس دورًا مهمًا في حياة المجتمعات المحلية في نيو مكسيكو وكولورادو. فقد وفروا الدعم الاجتماعي والاقتصادي لأعضائهم وللمجتمع ككل. شاركوا في أعمال الخير، وقدموا المساعدة للمحتاجين، وقاموا بدفن الموتى. في أوقات الأزمات، مثل الحروب والكوارث الطبيعية، كانوا يوفرون الدعم الروحي والمادي للمجتمع.
خدماتهم المجتمعية:
- الرعاية الصحية: كانوا يقدمون الرعاية الصحية الأولية للمرضى.
- التعليم: قاموا بتعليم الأطفال في المجتمعات النائية.
- الدعم الاجتماعي: قدموا الدعم المادي والمعنوي للأسر المحتاجة.
العلاقة مع الكنيسة الكاثوليكية
شهدت العلاقة بين البينيتينتس والكنيسة الكاثوليكية تقلبات على مر السنين. في البداية، عانت الجماعة من نقص في الدعم الرسمي من الكنيسة بسبب طبيعة طقوسهم التقشفية والسرية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأت الكنيسة الكاثوليكية في الاعتراف بدورهم في الحفاظ على الإيمان الكاثوليكي والثقافة الإسبانية. أدى هذا إلى تحسن العلاقات، وبدأت الكنيسة في إظهار فهم أكبر لطقوسهم وممارساتهم.
تحديات العلاقة:
- التقشف والسرية: كانت طقوسهم التقشفية والسرية مصدر قلق للكنيسة في البداية.
- الاختلاف في التفسيرات: الاختلاف في تفسيرات بعض العقائد بين الجماعة والكنيسة.
- التفاعل المتزايد: تحسن العلاقات مع مرور الوقت من خلال الحوار والتفاهم المتبادل.
البينيتينتس اليوم
لا يزال البينيتينتس نشطين في نيو مكسيكو وكولورادو حتى يومنا هذا. يواصلون ممارسة طقوسهم التقليدية والحفاظ على تراثهم الثقافي والديني. على الرغم من التغيرات التي طرأت على المجتمع، إلا أنهم يواصلون الحفاظ على هويتهم الفريدة وتراثهم الغني. يواجهون تحديات مثل الحفاظ على تقاليدهم في عالم يتغير بسرعة، والحفاظ على شبابهم من الانخراط في الجماعة.
التحديات المعاصرة:
- الحفاظ على التقاليد: الحفاظ على طقوسهم وتقاليدهم القديمة في العصر الحديث.
- جذب الشباب: إيجاد طرق لجذب الشباب للحفاظ على الجماعة.
- الحفاظ على الهوية: الحفاظ على هويتهم الفريدة في مجتمع متنوع ثقافياً.
أهمية ثقافية
يمثل البينيتينتس جزءًا حيويًا من التراث الثقافي والديني لنيو مكسيكو وكولورادو. تُعتبر طقوسهم وممارساتهم مثالًا على الإيمان العميق والتفاني الروحي. يمثلون رمزًا للهوية الثقافية الإسبانية في المجتمعات المحلية. تُعَدُّ “الموراداس” (Moradas) مواقع تاريخية وثقافية مهمة. يتم الاحتفال بتقاليدهم من خلال المهرجانات والفعاليات الثقافية. يساهمون في التنوع الثقافي للمنطقة ويحافظون على التراث الثقافي الحي.
الجدل والنقد
أثارت ممارسات البينيتينتس جدلاً وانتقادات على مر السنين. تعرضت بعض طقوسهم للنقد بسبب طبيعتها التقشفية والقاسية. يرى البعض أنها ممارسات قاسية وغير ضرورية. ومع ذلك، يدافع الأعضاء عن هذه الممارسات باعتبارها جزءًا أساسيًا من إيمانهم ووسيلة للتواصل مع الله. تعرضت الجماعة لبعض الانتقادات بسبب سريتها. على الرغم من ذلك، يحافظون على طقوسهم الخاصة كجزء من تقاليدهم الدينية.
خاتمة
البينيتينتس هم جماعة دينية فريدة من نوعها، تتمتع بتاريخ طويل وتراث ثقافي غني في نيو مكسيكو وكولورادو. على الرغم من التحديات التي يواجهونها، فإنهم يواصلون ممارسة طقوسهم التقليدية والمحافظة على إيمانهم وثقافتهم. يمثلون جزءًا حيويًا من التراث الثقافي للمنطقة، ويستمرون في لعب دور مهم في حياة مجتمعاتهم المحلية.