<![CDATA[
السيرة الذاتية والتعليم
ولدت لوسي سوشمان ونشأت في الولايات المتحدة. حصلت على درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، ثم حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه في الأنثروبولوجيا الثقافية من نفس الجامعة. خلال دراستها للدكتوراه، بدأت سوشمان في استكشاف العلاقة بين التكنولوجيا وسلوك الإنسان، وهو ما شكل الأساس لعملها المستقبلي. تأثرت سوشمان بشكل كبير بالباحثين في مجال STS، مثل دونا هارواي، وساهمت أعمالها في تطوير هذا المجال.
أعمالها الرئيسية
أحد أهم أعمال لوسي سوشمان هو كتابها “خطط ومشاهد: الكمبيوتر، الاستخدام، والوضع الاجتماعي للعمل” (Plans and Situated Actions: The Problem of Human-Computer Interaction)، الذي نُشر في عام 1987. يعتبر هذا الكتاب عملًا كلاسيكيًا في مجال HCI و STS. في هذا الكتاب، تنتقد سوشمان النهج التقليدي في تصميم الأنظمة الحاسوبية، والذي يعتمد على فكرة أن المستخدمين يتبعون خططًا عقلانية ومحددة مسبقًا عند استخدام التكنولوجيا. وبدلاً من ذلك، تؤكد على أهمية فهم كيفية تفاعل المستخدمين مع التكنولوجيا في سياقات العمل الفعلية، وكيف يتأثر هذا التفاعل بالعوامل الاجتماعية والثقافية. تستخدم سوشمان مفهوم “العمل الموضعي” (situated action) لوصف كيفية قيام الأشخاص بتكييف سلوكهم وتعديله بناءً على السياق المباشر المحيط بهم.
في كتابها، تقدم سوشمان دراسة إثنوغرافية مفصلة لكيفية استخدام طياري شركة زيروكس (Xerox) لآلة التصوير. من خلال مراقبة تفاعلاتهم مع الآلة، أظهرت أن سلوك المستخدمين لا يتبع بالضرورة الخطط التي صممها المهندسون، بل يتشكل من خلال التفاعلات المباشرة مع الآلة، والقيود البيئية، والتعاون مع الآخرين. أبرزت سوشمان أهمية فهم “التعقيد والغموض” (ambiguity) في التفاعلات الإنسانية مع التكنولوجيا، وكيف يمكن لهذه العوامل أن تؤثر على تصميم التكنولوجيا واستخدامها.
بالإضافة إلى كتابها، نشرت سوشمان العديد من المقالات والمساهمات في مجلات ومؤتمرات علمية مرموقة. تركز هذه الأعمال على مواضيع مثل:
- تصميم التكنولوجيا المتعلقة بالعمل
- أخلاقيات التكنولوجيا
- التكنولوجيا في سياقات الصراع
- مستقبل العمل
مساهماتها في مجال STS و HCI
ساهمت لوسي سوشمان بشكل كبير في تطور مجال STS و HCI. قدمت سوشمان رؤية نقدية للنهج التقني للهندسة والتصميم، ودعت إلى دمج وجهات النظر الاجتماعية والثقافية في عملية التصميم. كان عملها له تأثير كبير على كيفية فهم الباحثين والمصممين للتفاعلات بين الإنسان والتكنولوجيا. من خلال التركيز على “العمل الموضعي”، ساعدت سوشمان في إبراز أهمية السياق الاجتماعي في تشكيل استخدام التكنولوجيا. شجعت على ضرورة تصميم التكنولوجيا التي تتكيف مع سلوك المستخدمين الفعلي، بدلاً من محاولة إجبارهم على التوافق مع خطط مسبقة الصنع.
أثرت أفكار سوشمان على مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك تصميم واجهات المستخدم، وتصميم الأنظمة، والذكاء الاصطناعي. ألهمت عملها العديد من الباحثين والطلاب، وشجعت على إجراء المزيد من الدراسات الإثنوغرافية للتفاعلات بين الإنسان والتكنولوجيا. ساهمت سوشمان في تحويل النقاش حول التكنولوجيا من التركيز على التقدم التكنولوجي البحت إلى فهم كيفية تأثير التكنولوجيا على حياة الناس والمجتمع.
نقد للتكنولوجيا
تتبنى سوشمان نهجًا نقديًا تجاه التكنولوجيا، حيث تسلط الضوء على آثارها الاجتماعية والثقافية المحتملة. فهي لا تنظر إلى التكنولوجيا على أنها محايدة، بل كأداة يمكن أن تعزز أو تقوض العلاقات الاجتماعية، وتؤثر على السلطة والمساواة. تحث سوشمان على التفكير النقدي في تصميم التكنولوجيا، مع الأخذ في الاعتبار القيم والأهداف التي تسعى التكنولوجيا إلى تحقيقها. كما تحذر من مخاطر التكنولوجيا التي تخدم مصالح معينة على حساب مصالح الآخرين.
تهتم سوشمان بشكل خاص بتأثير التكنولوجيا على العمل. وتدرس كيفية تغيير التكنولوجيا لطبيعة العمل، وكيف يؤثر ذلك على العمال. وهي تدعو إلى تصميم التكنولوجيا التي تدعم العمال، وتساعدهم على أداء عملهم بشكل أفضل، بدلاً من استبدالهم أو استغلالهم.
التكنولوجيا والصراع
ركزت سوشمان في السنوات الأخيرة على دراسة دور التكنولوجيا في سياقات الصراع. وهي تهتم بكيفية استخدام التكنولوجيا في الحروب والنزاعات، وكيف يؤثر ذلك على حياة الناس. وهي تدرس أيضًا دور التكنولوجيا في السلام والأمن، وكيف يمكن استخدامها للمساعدة في حل النزاعات. من خلال عملها، تسعى سوشمان إلى زيادة الوعي بآثار التكنولوجيا على الصراع، وتشجيع على تطوير التكنولوجيا التي تدعم السلام.
تشير سوشمان إلى أن التكنولوجيا غالبًا ما تُستخدم في الصراع بطرق غير متوقعة، وأن آثارها يمكن أن تكون معقدة. على سبيل المثال، يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية، ولكن يمكن أيضًا استخدامها لشن هجمات. يمكن أن تساعد التكنولوجيا في حماية المدنيين، ولكن يمكن أيضًا أن تزيد من تعرضهم للخطر. ترى سوشمان أن من الضروري أن نفهم هذه التعقيدات إذا أردنا أن نستخدم التكنولوجيا بطرق تدعم السلام.
التأثير والتقدير
حظيت لوسي سوشمان بتقدير كبير لمساهماتها في مجالات STS و HCI. وقد حصلت على العديد من الجوائز والتقديرات، بما في ذلك:
- زمالة من مركز الدراسات المتقدمة في العلوم السلوكية (Center for Advanced Study in the Behavioral Sciences).
- جائزة “بينجامين فرانكلين” في مجال علوم الكمبيوتر والهندسة (Benjamin Franklin Award in Computer and Cognitive Science).
- دعوات لإلقاء محاضرات رئيسية في مؤتمرات دولية مرموقة.
أثرت أعمال سوشمان على جيل كامل من الباحثين والطلاب، وألهمت الكثيرين منهم لمتابعة دراسة العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع. لا يزال عملها ذو صلة كبيرة في عالم اليوم، حيث تستمر التكنولوجيا في التطور بسرعة وتأثيرها على جميع جوانب الحياة.
العمل الحالي والاهتمامات البحثية
بعد تقاعدها من جامعة لانكستر، تواصل لوسي سوشمان البحث والكتابة. تستمر في استكشاف مواضيع مثل التكنولوجيا والصراع، وأخلاقيات التكنولوجيا، ومستقبل العمل. وهي تشارك أيضًا في العديد من المشاريع البحثية والتعاونية مع باحثين آخرين حول العالم. أحد اهتماماتها البحثية الرئيسية في الوقت الحالي هو دراسة دور الذكاء الاصطناعي في المجتمع، وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تشكل العلاقات الاجتماعية والعمل.
المنهجية البحثية
تعتمد منهجية سوشمان البحثية بشكل كبير على الدراسات الإثنوغرافية. تقوم بإجراء ملاحظات ميدانية، وإجراء مقابلات مع المشاركين، وتحليل البيانات من أجل فهم كيفية استخدام الناس للتكنولوجيا في سياقاتهم اليومية. تركز على دراسة كيفية تفاعل المستخدمين مع التكنولوجيا في العالم الحقيقي، بدلاً من الاعتماد على النماذج النظرية المجردة. تسعى إلى فهم وجهات نظر المستخدمين، وكيف يشكلون التكنولوجيا لتناسب احتياجاتهم وظروفهم الخاصة.
تستخدم سوشمان أيضًا مجموعة متنوعة من الأدوات التحليلية، بما في ذلك تحليل الخطاب، وتحليل الفيديو، وتحليل التفاعل. تسمح لها هذه الأدوات بتسجيل وتحليل تفاعلات المستخدمين مع التكنولوجيا بمزيد من التفصيل. من خلال دمج هذه الأساليب البحثية، تهدف إلى تقديم فهم شامل للعلاقة المعقدة بين الإنسان والتكنولوجيا.
تأثيرها على سياسات التكنولوجيا
لم يقتصر تأثير سوشمان على المجال الأكاديمي، بل امتد أيضًا إلى صياغة السياسات التكنولوجية. من خلال عملها، ساعدت في زيادة الوعي بأهمية مراعاة العوامل الاجتماعية والثقافية في تصميم التكنولوجيا. وقد ساهمت في تشجيع المصممين والمهندسين على تبني نهج أكثر إنسانية للتصميم، مع التركيز على احتياجات المستخدمين وقيمهم. شاركت سوشمان في ورش عمل ومؤتمرات حول سياسات التكنولوجيا، حيث قدمت رؤى قيمة حول كيفية تصميم وتطوير التكنولوجيا بطرق مسؤولة وأخلاقية.
تؤمن سوشمان بأهمية إشراك الجمهور في مناقشات حول سياسات التكنولوجيا. وهي تدعو إلى زيادة الشفافية والمساءلة في تصميم وتطوير التكنولوجيا، وضرورة مشاركة جميع أصحاب المصلحة في عملية صنع القرار. تشجع على تطوير التكنولوجيا التي تعود بالنفع على المجتمع ككل، بدلاً من التكنولوجيا التي تخدم مصالح الشركات أو الأفراد فقط.
خاتمة
تعتبر لوسي سوشمان شخصية بارزة في مجال دراسات العلوم والتكنولوجيا، وقد تركت بصمة كبيرة في مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب. من خلال عملها الرائد في مجال “العمل الموضعي” والدراسات الإثنوغرافية، قدمت رؤى قيمة حول كيفية استخدام التكنولوجيا وتشكيلها من قبل البشر. ساهمت سوشمان في تغيير الطريقة التي نفكر بها في التكنولوجيا، ودعت إلى نهج أكثر إنسانية وأخلاقية للتصميم. لا يزال عملها ذا صلة كبيرة في عالم اليوم، حيث تستمر التكنولوجيا في التطور بسرعة وتأثيرها على جميع جوانب الحياة.