نشأته وبداية حياته المهنية
ولد فاليري ليغاسوف في مدينة تولا الروسية. بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق بجامعة ديمتري مينديليف الروسية للتكنولوجيا الكيميائية في موسكو، حيث درس الكيمياء وحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية. بدأ ليغاسوف مسيرته المهنية في معهد كورجاتوف للطاقة الذرية، حيث تخصص في الكيمياء الفيزيائية للمواد النووية. سرعان ما صعد في الرتب، وأصبح خبيرًا مرموقًا في هذا المجال.
كارثة تشيرنوبيل ودوره فيها
في 26 أبريل 1986، وقعت كارثة تشيرنوبيل النووية في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا (التي كانت حينها جزءًا من الاتحاد السوفيتي). كانت هذه أسوأ كارثة نووية في التاريخ، وأطلقت كميات هائلة من المواد المشعة في الغلاف الجوي. في أعقاب الكارثة، تم تعيين ليغاسوف كرئيس للجنة التحقيق الحكومية. كان دوره هو الإشراف على جهود الاستجابة للكارثة، وجمع المعلومات، وتحديد الأسباب، وتقديم توصيات لمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.
واجه ليغاسوف تحديات هائلة في عمله. كان عليه التعامل مع نقص المعلومات، والبيروقراطية الحكومية، والغطرسة من جانب بعض المسؤولين. ومع ذلك، عمل ليغاسوف بلا كلل، وقدم مساهمات حاسمة في جهود الاحتواء والتخفيف من آثار الكارثة. قام بتنظيم جهود إجلاء السكان، وتقديم المشورة بشأن كيفية تقليل التعرض للإشعاع، وتنسيق جهود إخماد الحريق في المفاعل المتضرر. كما كان له دور أساسي في تصميم وإطلاق أول طائرة هليكوبتر فوق المفاعل المنفجر لتقييم الوضع.
أدرك ليغاسوف بسرعة خطورة الوضع. لقد فهم أن الكارثة لم تكن مجرد حادث محلي، بل كانت تهديدًا عالميًا. أدرك أيضًا أن أسباب الكارثة كانت معقدة، وأن الحلول تتطلب التفكير النقدي والتعاون الدولي. كان ليغاسوف صريحًا في تقييمه للوضع، مما أثار استياء بعض المسؤولين السوفيتيين. ومع ذلك، استمر في التحدث بصراحة، وإدانة الأخطاء التي أدت إلى الكارثة.
خلال الأيام والأسابيع التي أعقبت الكارثة، عمل ليغاسوف على مدار الساعة. ألقى محاضرات، وأجرى مقابلات، وقدم تقارير إلى الحكومة السوفيتية. كان دوره حاسمًا في إبلاغ العالم بحقيقة ما حدث في تشيرنوبيل. ساهم في تحديد سبب الانفجار وساعد في تطوير خطة لاحتواء الحريق والتلوث الإشعاعي. كما كان له دور فعال في وضع خطط لنقل السكان وإقامة منطقة عازلة حول المفاعل المتضرر.
إسهاماته في الاحتواء
كان ليغاسوف مهندسًا رئيسيًا في جهود الاحتواء المبكرة. كان اقتراحه ببناء “تابوت” خرساني ضخم لتغطية المفاعل المدمر هو الحل الأكثر عملية في ذلك الوقت. على الرغم من المخاطر الهائلة، عمل ليغاسوف مع المهندسين والعمال لبناء هذا الهيكل في أسرع وقت ممكن. كان هذا الهيكل ضروريًا لتقليل انتشار الإشعاع إلى البيئة. كما أنهى بناء سد تحت المفاعل لمنع تلوث المياه الجوفية.
أثناء عمله في تشيرنوبيل، تعرض ليغاسوف للإشعاع. على الرغم من ذلك، استمر في عمله بلا كلل. كان يدرك أنه يعرض صحته للخطر، لكنه كان يعتقد أنه من واجبه أن يفعل ما في وسعه لتقليل الضرر. قدم ليغاسوف أيضًا تقريرًا مفصلاً عن الكارثة في مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا في أغسطس 1986. قدم هذا التقرير معلومات دقيقة ومفصلة عن سبب الحادث، وما تم القيام به، وكيف يمكن تجنب مثل هذه الكوارث في المستقبل. حاز هذا التقرير على إعجاب كبير، وأشاد به الخبراء في جميع أنحاء العالم.
السنوات الأخيرة والوفاة
بعد كارثة تشيرنوبيل، عانى ليغاسوف من الاكتئاب والإحباط. لقد كان يعاني من الإشعاع، وشهد معاناة الآخرين. شعر بالإحباط بسبب عدم قدرته على منع الكارثة، وكذلك بسبب بطء الاستجابة الحكومية. شعر أيضًا بالإحباط بسبب محاولات بعض المسؤولين السوفيتيين لتجاهل أو التقليل من شأن الكارثة. في 27 أبريل 1988، أي بعد مرور عامين تقريبًا على الكارثة، انتحر ليغاسوف في منزله في موسكو. كان عمره 51 عامًا.
بعد وفاته، كرم ليغاسوف لعمله. حصل على وسام “بطل الاتحاد السوفيتي”، وهو أعلى وسام مدني في الاتحاد السوفيتي. أصبح معروفًا في جميع أنحاء العالم كبطل، وضحى بنفسه من أجل خدمة الآخرين. ألهمت شجاعته وصدقه الآخرين. ساهم عمله في زيادة الوعي بمخاطر الطاقة النووية، وأدى إلى تحسينات في السلامة النووية في جميع أنحاء العالم.
إرثه
إرث ليغاسوف معقد. لقد كان عالمًا لامعًا، وشخصًا شجاعًا، وضحية للكارثة التي حاول إنقاذها. على الرغم من أنه لم يعش ليشهد نهاية الحرب الباردة، إلا أن عمله ساعد في تغيير الطريقة التي يفكر بها الناس في الطاقة النووية. ساهمت مساهماته في فهم أسباب كارثة تشيرنوبيل في تطوير تدابير السلامة النووية وتحسينها في جميع أنحاء العالم. أدت جهوده في جمع المعلومات ونشرها إلى زيادة الشفافية والتعاون الدولي في مجال السلامة النووية.
أصبح ليغاسوف رمزًا للشجاعة والنزاهة. غالبًا ما يتم تذكره لشجاعته في مواجهة الشدائد، ولصراحته في مواجهة المسؤولين الحكوميين، والتزامه بالحقيقة. إن قصته بمثابة تذكير لنا بأهمية الحقيقة والشفافية، وأهمية الاستعداد لتحمل المخاطر من أجل الصالح العام. كان ليغاسوف عالمًا استثنائيًا، وتركت مساهماته في العلوم والأمن النووي تأثيرًا دائمًا على العالم.
أعيد إحياء ذكرى ليغاسوف في العديد من الأفلام الوثائقية والأعمال الدرامية. أبرزها المسلسل التلفزيوني القصير “تشيرنوبيل” (2019)، الذي أعاد تسليط الضوء على دوره في معالجة الكارثة. ساهم هذا المسلسل في زيادة الوعي بإرثه وأهمية عمله.
مسؤولياته في أعقاب الكارثة
- رئاسة لجنة التحقيق الحكومية: قاد ليغاسوف الجهود الرسمية للتحقيق في أسباب الكارثة وتأثيراتها.
- إدارة الاستجابة للطوارئ: كان مسؤولًا عن تنسيق جهود الاستجابة الفورية للكارثة، بما في ذلك الإجلاء والاحتواء.
- تقديم المشورة العلمية: قدم ليغاسوف المشورة العلمية والتقنية الحاسمة للحكومة بشأن كيفية التعامل مع الكارثة.
- إعداد التقارير الدولية: قدم ليغاسوف تقريرًا شاملاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، مما ساهم في نشر الوعي العالمي بالكارثة.
خاتمة
كان فاليري ليغاسوف عالمًا سوفيتيًا بارزًا لعب دورًا محوريًا في التحقيق في كارثة تشيرنوبيل وجهود الاحتواء. على الرغم من تعرضه للإشعاع ومعاناته من الإحباط، عمل بلا كلل لتقديم الحقيقة وإعلام العالم بوقائع الكارثة. قدم مساهمات حاسمة في جهود الإغاثة، وحصل على تقدير واسع النطاق لشجاعته وتفانيه. ترك ليغاسوف إرثًا دائمًا كرمز للشجاعة والنزاهة، وتذكر مساهماته في تحسين السلامة النووية في جميع أنحاء العالم.
المراجع
- Valery Legasov | Soviet scientist | Britannica
- Chernobyl: Facts, Figures and Impact – IAEA
- Chernobyl Disaster: The Heroic Scientist Who Cleaned Up the Mess – HISTORY
“`