تاريخ الكويكرز
نشأت جمعية الأصدقاء الدينية في إنجلترا خلال فترة الاضطرابات الدينية والاجتماعية في القرن السابع عشر. كان المؤسس الرئيسي هو جورج فوكس (George Fox)، الذي بدأ في التبشير بأفكاره في ثلاثينيات القرن السابع عشر. اعتقد فوكس أن الله يتواصل مع كل شخص مباشرة، وأن الحاجة إلى الكهنة والمراسم الخارجية غير ضرورية. أطلق على أتباعه في البداية اسم “أصدقاء الحق” (Friends of the Truth)، ولكن سرعان ما أصبحوا يُعرفون باسم “الكويكرز” (Quakers)، وهو لقب أطلقه عليهم أعداؤهم، ويعني “المرتجفون”، في إشارة إلى الهزات الجسدية التي كانت تظهر على بعضهم أثناء الصلاة.
واجه الكويكرز في البداية اضطهادًا شديدًا من قبل السلطات الدينية والسياسية في إنجلترا. تم سجن العديد منهم بسبب رفضهم دفع الضرائب لدعم كنيسة إنجلترا، ورفضهم أداء اليمين، ورفضهم المشاركة في الحرب. ومع ذلك، استمرت الحركة في النمو، وانتشرت أفكارها في جميع أنحاء إنجلترا وأيرلندا واسكتلندا.
في القرن السابع عشر، هاجر العديد من الكويكرز إلى أمريكا الشمالية، حيث أسسوا مستعمرات مثل ولاية بنسلفانيا، التي أسسها وليام بن (William Penn)، وهو كويكر بارز. قدمت بنسلفانيا ملاذًا آمنًا للكويكرز وغيرهم من الجماعات الدينية التي كانت تعاني من الاضطهاد في أوروبا. أصبحت بنسلفانيا نموذجًا للمجتمع القائم على السلام والتسامح الديني.
معتقدات الكويكرز وممارساتهم
تتميز معتقدات الكويكرز بالتركيز على العلاقة المباشرة مع الله. يعتقدون أن “النور الداخلي” (Inner Light) أو “روح المسيح” موجود في كل شخص، وأن هذا النور هو الذي يرشدهم في حياتهم. بناءً على هذا الاعتقاد، يرفض الكويكرز العديد من العقائد والممارسات التقليدية، بما في ذلك:
- الطقوس والمراسم: يعتبرون أن الطقوس الخارجية غير ضرورية للتواصل مع الله.
- الكهنوت: لا يعينون كهنة، ويعتقدون أن كل شخص قادر على التواصل مع الله مباشرة.
- الأقوال المسبقة: يرفضون استخدام الألقاب والأدعية الرسمية في الكلام.
- الحرب والعنف: يلتزمون بمبدأ اللاعنف والسلام، ويرفضون المشاركة في الحروب أو العنف.
تتميز ممارسات الكويكرز بالبساطة والتركيز على الحياة الداخلية. يمارسون الصلاة والتأمل، ويدعون إلى الصمت الجماعي في اجتماعاتهم. أثناء الصمت، ينتظرون توجيهات الروح القدس، ويشاركون في الصلاة أو الحديث عندما يشعرون بالإلهام. يلتزمون أيضًا بالعيش البسيط، وتجنب التبذير، والتركيز على الخدمة المجتمعية.
القيم والأخلاقيات الكويكرية
تستند قيم وأخلاقيات الكويكرز إلى مبادئ أساسية، مثل:
- السلام: يرفضون الحرب والعنف، ويسعون جاهدين لحل النزاعات سلميًا.
- المساواة: يؤمنون بمساواة جميع الناس أمام الله، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية.
- الصدق والنزاهة: يلتزمون بالصدق في جميع جوانب حياتهم، ويتجنبون الخداع والرياء.
- التبسيط: يسعون إلى العيش ببساطة، وتجنب التبذير والتعقيد غير الضروري.
- المجتمع: يؤمنون بأهمية العمل من أجل الصالح العام، وتقديم الخدمات للمجتمع.
تجسد هذه القيم في ممارساتهم اليومية، مثل دعمهم لحقوق الإنسان، ومكافحة الظلم، والدفاع عن البيئة. لعب الكويكرز دورًا مهمًا في العديد من الحركات الاجتماعية، بما في ذلك حركة إلغاء الرق، وحركة حقوق المرأة، وحركة السلام.
الكويكرز في العصر الحديث
لا يزال الكويكرز موجودين ونشطين في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أن عددهم أقل بكثير من الطوائف المسيحية الأخرى، إلا أن تأثيرهم على المجتمع كبير. يواصلون العمل من أجل السلام والعدالة الاجتماعية، ويشاركون في العديد من المبادرات الإنسانية. يقومون أيضًا بنشر أفكارهم ومعتقداتهم من خلال الكتابة والتعليم والتواصل مع الآخرين.
يوجد اليوم نوعان رئيسيان من الكويكرز:
- الكويكرز اللاهوتيون (Pastoral Friends): لديهم قساوسة يقودون العبادة، ويستخدمون الترانيم والطقوس.
- الكويكرز غير اللاهوتيين (Unprogrammed Friends): يعتمدون على الصمت الجماعي في اجتماعاتهم، ويتلقون الإرشاد من النور الداخلي.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد العديد من المنظمات والمؤسسات الكويكرية التي تعمل في مجالات مختلفة، مثل التعليم، والعمل الإنساني، والدفاع عن حقوق الإنسان. تشمل هذه المنظمات “لجنة الأصدقاء للتشريع الوطني” (Friends Committee on National Legislation) في الولايات المتحدة، و”جمعية الأصدقاء لخدمة المجتمع” (American Friends Service Committee)، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 1947 لعملها في مجال الإغاثة والسلام.
تأثير الكويكرز
ترك الكويكرز بصمة كبيرة على التاريخ والمجتمع. لقد أثروا في العديد من المجالات، بما في ذلك:
- السلام: لعبوا دورًا رائدًا في حركة السلام العالمية، وساهموا في حل النزاعات سلميًا.
- حقوق الإنسان: دافعوا عن حقوق الإنسان، وعملوا على إلغاء الرق، وتعزيز المساواة بين الجنسين.
- التعليم: أسسوا العديد من المدارس والجامعات، التي لا تزال تقدم تعليمًا عالي الجودة حتى اليوم.
- العمل الإنساني: شاركوا في تقديم الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية.
- الأعمال التجارية: مارسوا الأعمال التجارية بنزاهة وصدق، وأنشأوا شركات ناجحة اعتمدت على مبادئهم الأخلاقية.
بسبب التزامهم بالمبادئ الأخلاقية، أصبح الكويكرز رمزًا للنزاهة والصدق في العديد من المجتمعات. لقد ساهموا في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافًا، ولا يزالون يلهمون الناس في جميع أنحاء العالم.
تحديات الكويكرز
يواجه الكويكرز اليوم العديد من التحديات، بما في ذلك:
- تراجع العضوية: مثل العديد من الجماعات الدينية الأخرى، شهد الكويكرز انخفاضًا في عدد الأعضاء في العقود الأخيرة.
- الاختلافات الداخلية: تختلف الآراء بين الكويكرز حول بعض القضايا، مما قد يؤدي إلى التوتر والانقسام.
- الحفاظ على الهوية: يواجه الكويكرز صعوبة في الحفاظ على هويتهم الثقافية والروحية في عالم متغير.
- التواصل مع الشباب: يجد الكويكرز صعوبة في جذب الشباب وإشراكهم في مجتمعاتهم.
على الرغم من هذه التحديات، يواصل الكويكرز العمل من أجل تحقيق رؤيتهم للمجتمع القائم على السلام والعدالة. وهم يسعون إلى إيجاد طرق جديدة للتعبير عن معتقداتهم، والتواصل مع الآخرين، وإحداث تأثير إيجابي في العالم.
خاتمة
الكويكرز هم مجموعة دينية فريدة من نوعها، تتميز بمعتقداتها الفريدة، وممارساتها الروحية، والتزامها العميق بالسلام والمساواة والعدالة الاجتماعية. على الرغم من أن عددهم قد يكون صغيرًا، إلا أن تأثيرهم على التاريخ والمجتمع كبير. من خلال التزامهم بالمبادئ الأخلاقية، لعبوا دورًا مهمًا في العديد من الحركات الاجتماعية، ولا يزالون يلهمون الناس في جميع أنحاء العالم للعمل من أجل عالم أفضل.
المراجع
- Quaker Information Center
- American Friends Service Committee
- Friends General Conference
- Encyclopedia Britannica – Quakers
“`