نشأة الكوهون
تأسست الكوهون في أوائل القرن الثامن عشر، كاستجابة من الحكومة الصينية للسيطرة على التجارة الأجنبية المتزايدة في ميناء كانتون. قبل إنشاء الكوهون، كان التجار الأجانب أحرارًا نسبيًا في التعامل مع التجار الصينيين المختلفين، مما أدى إلى الفوضى، والتهرب الضريبي، والنزاعات. رأت الحكومة الصينية أن نظامًا مركزيًا للتجارة ضروري للحفاظ على النظام، وتحصيل الضرائب بشكل فعال، والسيطرة على التأثير الأجنبي. لذلك، قامت بتجميع مجموعة من التجار الصينيين، ومنحتهم حقوقًا حصرية للتعامل مع التجار الأجانب.
تكونت الكوهون من عدد محدود من التجار الصينيين الأثرياء، والذين كانوا يتمتعون بسمعة طيبة وثروات كبيرة. كان هؤلاء التجار، المعروفين باسم “هونغ”، مسؤولين عن جميع جوانب التجارة مع الغربيين، بما في ذلك التفاوض على الأسعار، والإشراف على عمليات الشحن والتفريغ، وتسهيل دفع الضرائب. كان على كل تاجر أجنبي التعامل مع أحد أعضاء الكوهون.
وظائف الكوهون
كانت وظائف الكوهون متعددة الجوانب، وأكثر من مجرد تسهيل التجارة. وشملت:
- الوساطة التجارية: عملت الكوهون كحلقة وصل رئيسية بين التجار الصينيين والحكومة الصينية والتجار الأجانب. لقد قاموا بالتفاوض على الأسعار، وتسهيل عمليات البيع والشراء، وضمان الالتزام بالقوانين واللوائح التجارية.
- تحصيل الضرائب: كانت الكوهون مسؤولة عن تحصيل الضرائب على التجارة الخارجية نيابة عن الحكومة الصينية. كانوا يتقاضون رسومًا على الواردات والصادرات، بالإضافة إلى رسوم أخرى مختلفة.
- تنظيم التجارة: عملت الكوهون على تنظيم التجارة في كانتون، وضمان سير العمليات بسلاسة وفعالية. لقد فرضوا قواعد ولوائح بشأن التجارة، وحلوا النزاعات بين التجار.
- الرقابة على التجار الأجانب: كانت الكوهون مسؤولة عن مراقبة سلوك التجار الأجانب في كانتون. لقد فرضوا قيودًا على أنشطتهم، مثل تحديد المناطق التي يمكنهم الإقامة فيها، والوقت الذي يمكنهم فيه البقاء، والأشياء التي يمكنهم شراؤها وبيعها.
كانت الكوهون تمتلك سلطة كبيرة، وكانت قادرة على ممارسة نفوذ كبير على التجار الأجانب. لقد استخدموا هذه السلطة لتحقيق مكاسب شخصية، واكتناز الثروة، وممارسة الرقابة على التجارة.
الحياة في نظام كانتون
عاش التجار الأجانب في كانتون في ظل نظام صارم. لقد مُنعوا من دخول المدينة باستثناء عدد قليل من المناطق المحددة، وعُزلوا عن بقية المجتمع الصيني. وكانوا يخضعون لرقابة صارمة، ومُنعوا من تعلم اللغة الصينية أو الاختلاط بالصينيين. كانوا يعيشون في مستودعات تعرف باسم “المرائب”، والتي كانت بمثابة مساكنهم ومكاتبهم ومخازنهم.
كانت العلاقة بين التجار الأجانب والكوهون معقدة. من ناحية، كان التجار الأجانب يعتمدون على الكوهون لتسهيل التجارة. ومن ناحية أخرى، شعروا بالظلم بسبب الاحتكار والقيود المفروضة عليهم. غالباً ما اتُهمت الكوهون بالفساد، والابتزاز، والتحايل على التجار الأجانب.
تأثير الكوهون على التجارة الدولية
كان لنظام الكوهون تأثير كبير على التجارة الدولية. لقد سهّل التجارة بين الصين والدول الغربية، لكنه في الوقت نفسه خلق قيودًا ومشاكل. تشمل التأثيرات:
- الاحتكار: خلق نظام الكوهون احتكارًا، مما سمح للتجار الصينيين بالتحكم في الأسعار والشروط التجارية.
- الفساد: أدى نظام الكوهون إلى الفساد، حيث استخدم التجار الصينيون نفوذهم لتحقيق مكاسب شخصية.
- التوترات التجارية: تسبب نظام الكوهون في توترات تجارية بين الصين والدول الغربية، حيث شعر التجار الأجانب بالظلم بسبب القيود المفروضة عليهم.
- التجارة غير المشروعة: أدى نظام الكوهون إلى التجارة غير المشروعة، مثل تهريب الأفيون، حيث سعى التجار الأجانب إلى تجاوز القيود المفروضة عليهم.
- الحرب: ساهم نظام الكوهون في اندلاع حرب الأفيون الأولى (1839-1842) بين الصين والمملكة المتحدة.
نهاية الكوهون
أدت حرب الأفيون الأولى إلى نهاية نظام الكوهون. أجبرت معاهدة نانجينغ (1842) الصين على فتح موانئ أخرى للتجارة، وإلغاء احتكار الكوهون. وبذلك، تم القضاء على سلطة الكوهون، وانتهى دورهم الحصري في التجارة الخارجية للصين.
على الرغم من زوالها، تركت الكوهون إرثًا دائمًا. لقد كانت مثالاً على نظام تجاري معقد ومثير للجدل، والذي كان له تأثير كبير على تاريخ التجارة الدولية والعلاقات بين الصين والدول الغربية.
خاتمة
كانت الكوهون نظامًا تجاريًا فريدًا من نوعه، لعب دورًا حاسمًا في التجارة الخارجية للصين خلال فترة سلالة تشينغ. على الرغم من أنها سهلت التجارة، إلا أنها خلقت أيضًا قيودًا ومشاكل، بما في ذلك الاحتكار والفساد والتوترات التجارية. أدى نظام الكوهون في النهاية إلى حرب الأفيون الأولى، التي أدت إلى زوالها. يمثل تاريخ الكوهون فصلًا هامًا في تاريخ التجارة الدولية، ويسلط الضوء على تعقيد العلاقات بين الشرق والغرب في القرن الثامن عشر والتاسع عشر.