خلفية تاريخية
نشأ هذا الاستفتاء في سياق معاهدة فرساي عام 1919، التي أنهت الحرب العالمية الأولى. نصت المعاهدة على أن مناطق معينة في شرق أوروبا، بما في ذلك أجزاء من بروسيا الشرقية، يجب أن تخضع للاستفتاء لتحديد ما إذا كانت ستنضم إلى ألمانيا أو إلى بولندا. كان هذا القرار مبنيًا على مزيج من العوامل، بما في ذلك التوزيع العرقي للسكان، والاعتبارات التاريخية، والمصالح الاستراتيجية للدول المتنافسة. كانت المنطقة المتنازع عليها ذات أهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي، وغناها بالموارد، وأهميتها الرمزية لكل من الألمان والبولنديين.
كانت بروسيا الشرقية، تاريخيًا، مقاطعة ألمانية. ومع ذلك، كان هناك عدد كبير من السكان البولنديين في بعض المناطق، خاصة في المناطق الجنوبية مثل فارميا ومازوري وبويسلي. بعد الحرب العالمية الأولى، استعادت بولندا استقلالها، وأرادت أن تستعيد الأراضي التي اعتبرتها جزءًا من تاريخها وثقافتها. من ناحية أخرى، أرادت ألمانيا الحفاظ على سيطرتها على بروسيا الشرقية، التي كانت تعتبر جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.
التحضير للاستفتاء
بموجب شروط معاهدة فرساي، كان على عصبة الأمم الإشراف على عملية الاستفتاء. تم تقسيم المنطقة المتنازع عليها إلى مناطق مختلفة، كل منها سيجري فيها استفتاء منفصل. تم إرسال لجان استفتاء من عصبة الأمم للإشراف على عملية التصويت وضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة. كان على اللجان مسؤولية تسجيل الناخبين، وتنظيم الحملات الانتخابية، ومراقبة عملية التصويت.
شهدت الفترة التي سبقت الاستفتاء حملات انتخابية مكثفة من كلا الجانبين. أجرت كل من ألمانيا وبولندا حملات لتشجيع السكان على التصويت لصالحهم. استخدمت الحملات الانتخابية مجموعة متنوعة من الأساليب، بما في ذلك التجمعات العامة، والمنشورات، والإذاعة. قام كلا الجانبين بتسليط الضوء على الفوائد المحتملة للانضمام إليهم، مع التركيز على القضايا الثقافية والاقتصادية والسياسية. كما اتهم كل منهما الجانب الآخر بالتلاعب والترهيب.
واجهت لجان الاستفتاء التابعة لعصبة الأمم العديد من التحديات. كان عليهم العمل في بيئة سياسية شديدة الاستقطاب، حيث كانت التوترات مرتفعة للغاية. كان عليهم أيضًا التأكد من أن عملية التصويت كانت آمنة وخالية من التلاعب. واجهت اللجان صعوبة في التعامل مع عدد كبير من الناخبين، بالإضافة إلى المشاكل اللوجستية، مثل توفير صناديق الاقتراع والمواد الانتخابية الأخرى.
نتائج الاستفتاء
أجري الاستفتاء في 11 يوليو 1920 في منطقتي ألنشتاين (أولشتين حاليًا) ومارينفيردر (كفيجيدزين حاليًا). في منطقة ألنشتاين، صوت ما يقرب من 98% من السكان لصالح البقاء في ألمانيا. وفي منطقة مارينفيردر، صوت ما يقرب من 92% من السكان لصالح البقاء في ألمانيا. كانت النتائج بمثابة انتصار لألمانيا، التي تمكنت من الحفاظ على سيطرتها على غالبية بروسيا الشرقية.
على الرغم من هذه النتائج، كان هناك بعض التغييرات الحدودية الصغيرة. انتقلت بعض المناطق الصغيرة التي كانت فيها أغلبية بولندية إلى بولندا. ومع ذلك، بشكل عام، ظلت بروسيا الشرقية جزءًا من ألمانيا. ساهمت نتائج الاستفتاء في تعزيز التوتر بين ألمانيا وبولندا، اللتين استمرتا في التنافس على النفوذ في المنطقة.
أهمية الاستفتاء
كان للاستفتاء في بروسيا الشرقية عام 1920 عواقب وخيمة. أولاً، أكد على أهمية حق تقرير المصير للشعوب. أظهر الاستفتاء أن السكان المحليين يجب أن يكون لهم رأي في مستقبل منطقتهم، وأن آراءهم يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد الحدود. ثانيًا، أدى الاستفتاء إلى زيادة التوتر بين ألمانيا وبولندا. استمرت الدولتان في النزاع على النفوذ في المنطقة، مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. ثالثًا، قدم الاستفتاء دروسًا مهمة حول كيفية إدارة الاستفتاءات في مناطق النزاع. أظهرت عملية الاستفتاء الحاجة إلى إشراف محايد، والتأكد من إجراء انتخابات حرة ونزيهة، والاحترام المتبادل لحقوق جميع الأطراف.
أثر الاستفتاء على تشكيل الحدود في أوروبا الوسطى، وأعطى الشرعية السياسية لضم ألمانيا لبروسيا الشرقية، حتى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا الاستفتاء يعتبر مثالًا على كيفية استخدام الاستفتاءات كأداة لتحديد الحدود بعد الحروب، وكيف يمكن أن يكون لها تأثير دائم على العلاقات بين الدول.
تأثيرات الاستفتاء طويلة الأمد
للاستفتاء في بروسيا الشرقية عام 1920 تأثيرات طويلة الأمد على المنطقة وسكانها. على الرغم من أن الغالبية العظمى من السكان صوتوا لصالح البقاء في ألمانيا، إلا أن التوترات العرقية والدينية استمرت في المنطقة. بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، تعرض السكان البولنديون والأقليات الأخرى للتمييز والقمع. خلال الحرب العالمية الثانية، تعرضت بروسيا الشرقية لدمار شديد، وتم تهجير عدد كبير من سكانها. بعد الحرب، تم ضم بروسيا الشرقية إلى بولندا والاتحاد السوفيتي، وتم تهجير السكان الألمان المتبقين.
اليوم، لا تزال ذكرى الاستفتاء في بروسيا الشرقية عام 1920 حية. يعتبره بعض المؤرخين مثالًا على أهمية حق تقرير المصير للشعوب، بينما يراه آخرون بمثابة تذكير بالعواقب المأساوية للحرب والتوسع الإقليمي. دراسة هذا الاستفتاء ضرورية لفهم تاريخ أوروبا الوسطى في القرن العشرين وتراث الحرب العالمية الأولى.
خاتمة
كان الاستفتاء في بروسيا الشرقية عام 1920 حدثًا مهمًا في تاريخ أوروبا. أظهر هذا الاستفتاء أهمية حق تقرير المصير، ولكنه أدى أيضًا إلى زيادة التوتر بين ألمانيا وبولندا. ساهمت نتائج الاستفتاء في تشكيل حدود أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، وكان لها تأثيرات دائمة على المنطقة وسكانها. إن فهم الاستفتاء في بروسيا الشرقية عام 1920 أمر ضروري لفهم تاريخ أوروبا في القرن العشرين وتراث الحرب العالمية الأولى.