الخلفية والوصول إلى السلطة
ولد هربرت كلارك هوفر في وست برانش، أيوا، في عام 1874. اكتسب شهرة عالمية كمهندس ومدير إغاثة إنسانية خلال الحرب العالمية الأولى، حيث أشرف على توزيع الغذاء على المدنيين البلجيكيين الذين عانوا من ويلات الحرب. وقد أكسبته خبرته وشخصيته الموثوقة الاحترام والإعجاب على نطاق واسع. قبل ترشحه للرئاسة، شغل هوفر منصب وزير التجارة في عهد الرئيسين وارن هاردينغ وكالفن كوليدج. وقد اشتهر بآرائه التقدمية فيما يتعلق بالتعاون بين الحكومة والأعمال التجارية، فضلاً عن إيمانه الراسخ بالفردية.
في عام 1928، ترشح هوفر للرئاسة على تذكرة الحزب الجمهوري. لقد استفاد من ازدهار الاقتصاد الأمريكي في عشرينيات القرن العشرين، والذي كان يُعرف باسم “العشرينات الهادرة”. تعهد هوفر بالاستمرار في سياسات الرخاء التي ميزت عهد كوليدج. وكانت حملته الانتخابية قائمة على الوعود بالازدهار المستمر والإدارة الفعالة. هزم هوفر مرشح الحزب الديمقراطي، حاكم نيويورك آل سميث، في انتصار ساحق، ليصبح الرئيس التالي للولايات المتحدة.
الاستجابة للكساد الكبير
بعد وقت قصير من توليه منصبه، بدأت الأزمة الاقتصادية الكبرى. في أكتوبر 1929، انهار سوق الأسهم، مما أدى إلى خسائر فادحة في الثروة، وهلع مالي على نطاق واسع. سرعان ما انخفض الإنتاج الصناعي، وارتفعت معدلات البطالة، وتزايد الفقر. واجه هوفر هذا التحدي الهائل من خلال مجموعة من السياسات والتدابير.
في البداية، اتبع هوفر نهجًا متحفظًا. لقد آمن بأهمية الاعتماد على الذات، ودور محدود للحكومة. اعتقد أن التدخل الحكومي المباشر في الاقتصاد من شأنه أن يقوض المبادرة الفردية، ويؤدي إلى تفاقم الوضع. وبدلاً من ذلك، دعا هوفر إلى التطوع والتعاون بين الشركات. وشجع الشركات على الحفاظ على الأجور، والامتناع عن تسريح العمال، ودعا إلى التبرعات الخيرية لدعم المحتاجين. ومع ذلك، سرعان ما تبين أن هذه التدابير غير كافية لمعالجة حجم الأزمة.
مع استمرار تفاقم الوضع الاقتصادي، تبنى هوفر سياسات أكثر نشاطًا. قام بتوقيع العديد من التشريعات التي تهدف إلى تخفيف المعاناة وتنشيط الاقتصاد. وشملت هذه السياسات:
- قانون الإغاثة والبناء الفيدرالي (1932): الذي قدم القروض الفيدرالية للولايات والحكومات المحلية، لمشاريع البنية التحتية، مثل بناء السدود والطرق.
- المصرف الاحتياطي الفيدرالي: قدم الأموال للبنوك المتعثرة، على أمل منع المزيد من الانهيارات المصرفية.
- قانون الإغاثة والمساعدة في حالات الطوارئ (1930): الذي خصص الأموال للمساعدات الإنسانية والمشاريع العامة.
- زيادة التعريفات الجمركية: بهدف حماية الصناعات الأمريكية من المنافسة الأجنبية.
على الرغم من هذه الجهود، لم تنجح سياسات هوفر في إنهاء الكساد الكبير. تعرض لانتقادات واسعة النطاق لعدم قدرته على التعامل مع الأزمة بشكل فعال. اتُهم بعدم الحسم، والإفراط في الثقة في قوى السوق، وعدم فهم مدى خطورة الوضع. بحلول عام 1932، انخفضت شعبيته إلى مستويات قياسية، وتُرك الأمريكيون يواجهون صعوبات اقتصادية هائلة.
السياسة الداخلية الأخرى
بالإضافة إلى جهوده لمعالجة الكساد الكبير، اتخذ هوفر أيضًا مواقف بشأن قضايا أخرى في السياسة الداخلية:
- الزراعة: حاول هوفر مساعدة المزارعين الذين تضرروا بشدة من الأزمة الاقتصادية. قام بتأسيس مجلس إدارة المزارع الفيدرالي، الذي يهدف إلى تثبيت أسعار المحاصيل.
- العمل: على الرغم من أنه لم يكن مؤيدًا قويًا للحركة العمالية، إلا أن هوفر دعم بعض الإصلاحات العمالية، بما في ذلك الحد من ساعات العمل وتحسين ظروف العمل.
- الحقوق المدنية: كان هوفر أكثر حذرًا في التعامل مع قضايا الحقوق المدنية. عيّن عددًا قياسيًا من الأمريكيين الأفارقة في المناصب الحكومية، لكنه لم يتخذ خطوات كبيرة لإنهاء التمييز العنصري.
السياسة الخارجية
في السياسة الخارجية، اتبع هوفر سياسة “الجار الطيب”، مع التركيز على السلام والتعاون مع دول أمريكا اللاتينية. وسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية، وتجنب التدخل العسكري. كما أيد هوفر تخفيضات التسلح، وكان له دور فعال في الترويج لـ “ميثاق كيلوغ برياند” الذي يدعو إلى نبذ الحرب كأداة للسياسة الوطنية.
الانتخابات الرئاسية لعام 1932
مع استمرار الكساد الكبير، وتدهور الاقتصاد، أصبحت إعادة انتخاب هوفر أمرًا مستبعدًا. خسر هوفر أمام مرشح الحزب الديمقراطي، الحاكم فرانكلين ديلانو روزفلت، في انتخابات 1932 في انهيار ساحق. حصل روزفلت على أغلبية ساحقة من الأصوات الشعبية، وعدد كبير من الأصوات الانتخابية. جسد فوز روزفلت الأمل والتغيير الذي كان يشتاق إليه الأمريكيون.
خاتمة
كانت رئاسة هربرت هوفر فترة عصيبة في التاريخ الأمريكي، وتميزت ببدء الكساد الكبير. في حين أنه حاول اتخاذ إجراءات لتخفيف الأزمة، إلا أن سياساته لم تكن فعالة، وسُئل عن أخطائه. تركت رئاسته إرثًا معقدًا. على الرغم من أنه تعرض لانتقادات شديدة في ذلك الوقت، إلا أن بعض المؤرخين يجادلون بأن سياساته كانت في الواقع أكثر نشاطًا مما كان يعتقد في البداية، وأن بعض الإجراءات التي اتخذها مهدت الطريق لـ “الصفقة الجديدة” لروزفلت. يبقى هوفر شخصية مثيرة للجدل، ويرمز إلى التحديات الهائلة التي تواجه الزعماء في أوقات الأزمات الاقتصادية.