خلفية العملية والتوترات السابقة
لفهم عملية محاسبة بشكل كامل، من الضروري النظر في السياق الأوسع للصراع الإسرائيلي اللبناني. في أوائل التسعينيات، كان جنوب لبنان منطقة تشهد صراعًا مستمرًا بين إسرائيل وحزب الله، وهو جماعة مسلحة شيعية لبنانية مدعومة من إيران. كانت إسرائيل تحتل جزءًا من جنوب لبنان منذ عام 1982، بعد حرب لبنان الأولى، وكانت تدعم جيش لبنان الجنوبي (SLA) كقوة وكيلة لها. من ناحية أخرى، كان حزب الله يشن هجمات متكررة على القوات الإسرائيلية وSLA، بهدف إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة.
في الفترة التي سبقت عملية محاسبة، تصاعدت حدة التوترات بشكل كبير. شهدت المنطقة تبادلًا متكررًا لإطلاق النار، وهجمات على أهداف عسكرية ومدنية على حد سواء. كانت إسرائيل تتهم حزب الله بشن هجمات عبر الحدود، في حين اتهم حزب الله إسرائيل بانتهاك السيادة اللبنانية واستهداف المدنيين. كان الوضع متفجرًا، وكان أي حادث بسيط يمكن أن يشعل فتيل صراع أوسع نطاقًا.
أهداف عملية محاسبة
أعلنت إسرائيل عن عدة أهداف لعملية محاسبة. الهدف الرئيسي كان إضعاف حزب الله وتقليل قدرته على شن هجمات عبر الحدود على الأراضي الإسرائيلية. كانت إسرائيل تأمل في تدمير البنية التحتية العسكرية لحزب الله، بما في ذلك قواعده ومخازن الأسلحة ومواقع الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك، سعت إسرائيل إلى إعادة الأمن إلى شمال إسرائيل، حيث كان السكان يعيشون في ظل تهديد مستمر بالهجمات الصاروخية والمدفعية.
هدف آخر للعملية كان إجبار الحكومة اللبنانية على السيطرة على جنوب لبنان، والحد من أنشطة حزب الله في المنطقة. رأت إسرائيل أن الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية السماح لحزب الله بالعمل من أراضيها، وأن عليها اتخاذ إجراءات لوقف الهجمات ضد إسرائيل. كانت إسرائيل تأمل في أن تؤدي العملية إلى ضغط على الحكومة اللبنانية لاتخاذ موقف أكثر حزمًا ضد حزب الله.
بالإضافة إلى الأهداف العسكرية والسياسية، كان لإسرائيل هدف إنساني معلن. ادعت إسرائيل أنها تريد حماية المدنيين الإسرائيليين من هجمات حزب الله. وزعمت أن العملية كانت ضرورية لتقليل الخسائر في الأرواح والإصابات بين المدنيين الإسرائيليين.
سير العمليات العسكرية
بدأت عملية محاسبة في 25 تموز/يوليو 1993 بهجوم جوي إسرائيلي مكثف على جنوب لبنان. شملت الهجمات الجوية قصفًا لمواقع حزب الله، بالإضافة إلى البنية التحتية المدنية، مثل الطرق والجسور ومحطات الكهرباء. استمر القصف الجوي على مدار الأسبوع، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق في المنطقة.
بالتوازي مع القصف الجوي، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا بريًا محدودًا على جنوب لبنان. كان الهدف من الهجوم البري هو السيطرة على بعض المناطق الاستراتيجية وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على المنطقة. واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة من حزب الله، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة وخسائر في الأرواح.
استخدمت إسرائيل أيضًا المدفعية لقصف القرى والبلدات اللبنانية. أدت هذه الهجمات إلى نزوح آلاف المدنيين اللبنانيين، الذين فروا من منازلهم خوفًا على حياتهم. كما أدت إلى تدمير المنازل والبنية التحتية، مما زاد من معاناة السكان المدنيين.
عواقب العملية وتأثيرها
تركت عملية محاسبة آثارًا مدمرة على لبنان. أدت العملية إلى مقتل ما يقرب من 130 شخصًا، معظمهم من المدنيين. كما أصيب مئات الأشخاص بجروح. تسبب القصف الإسرائيلي في تدمير واسع النطاق للبنية التحتية، بما في ذلك المنازل والمدارس والمستشفيات والطرق والجسور. أدى هذا التدمير إلى تفاقم الوضع الإنساني في لبنان.
أجبرت العملية ما يقرب من 500 ألف لبناني على النزوح من منازلهم. فر هؤلاء النازحون إلى مناطق أخرى من لبنان، أو عبروا الحدود إلى سوريا. أدى هذا النزوح إلى تفاقم أزمة اللاجئين في لبنان، ووضع ضغطًا كبيرًا على موارد الحكومة والمنظمات الإنسانية.
أدت عملية محاسبة إلى تصعيد التوتر بين إسرائيل ولبنان. استمر حزب الله في شن هجمات على القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، مما أدى إلى مزيد من العنف. أدى فشل العملية في تحقيق أهدافها المعلنة إلى تشكيك في جدوى العمل العسكري في حل الصراع.
في أعقاب العملية، كثفت جهود الوساطة الدولية، بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار. في 31 تموز/يوليو 1993، توصلت إسرائيل ولبنان إلى اتفاق غير رسمي لوقف إطلاق النار، تعهدت فيه إسرائيل بعدم مهاجمة المدنيين اللبنانيين، وتعهد حزب الله بعدم مهاجمة المدنيين الإسرائيليين. على الرغم من أن هذا الاتفاق ساعد في خفض مستوى العنف، إلا أنه لم يحل المشاكل الأساسية التي تسببت في الصراع.
الآثار الإنسانية والاجتماعية
كان لعملية محاسبة تأثير كبير على السكان المدنيين في لبنان. أدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل وجرح الكثير من المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. أدى تدمير المنازل والبنية التحتية إلى جعل الآلاف من الناس بلا مأوى. بالإضافة إلى ذلك، أدت العملية إلى نقص في الغذاء والماء والرعاية الصحية، مما زاد من معاناة السكان المدنيين.
تسببت العملية أيضًا في أضرار نفسية عميقة على السكان المدنيين. شهد الكثير من الناس العنف بشكل مباشر، وفقدوا أفرادًا من عائلاتهم وأصدقائهم. أدى هذا إلى صدمة نفسية طويلة الأمد، وعزز مشاعر الخوف والقلق واليأس. بالإضافة إلى ذلك، أدت العملية إلى تفاقم التوتر الطائفي في لبنان، مما أدى إلى مزيد من الانقسام والاضطراب الاجتماعي.
تقييم العملية
يمكن تقييم عملية محاسبة من وجهات نظر مختلفة. من وجهة النظر الإسرائيلية، قد تُنظر العملية على أنها محاولة مشروعة للدفاع عن الأمن القومي الإسرائيلي وحماية مواطنيها من هجمات حزب الله. قد يزعمون أن العملية كانت ضرورية لردع حزب الله ومنعه من شن هجمات مستقبلية. ومع ذلك، حتى من هذه الزاوية، هناك إدراك بأن العملية لم تحقق أهدافها بالكامل، وأنها لم تكن فعالة في تحقيق سلام دائم.
من وجهة النظر اللبنانية، تُنظر العملية على أنها عمل عدواني غير مبرر، أدى إلى معاناة إنسانية واسعة النطاق وتدمير. يرى اللبنانيون أن إسرائيل انتهكت سيادة لبنان، وقتلت وجرحت المدنيين، ودمرت البنية التحتية. يرون أن العملية كانت بمثابة عقاب جماعي للسكان اللبنانيين، وأنها لم تحقق أي أهداف عسكرية مشروعة.
من وجهة نظر إنسانية، تُعد العملية انتهاكًا للقانون الدولي، الذي يحظر استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية. يجب أن تخضع العمليات العسكرية لقوانين الحرب، التي تهدف إلى حماية المدنيين وتقليل المعاناة الإنسانية. فشلت عملية محاسبة في الالتزام بهذه القوانين، وأدت إلى خسائر فادحة في الأرواح والإصابات والمعاناة.
دروس مستفادة
توفر عملية محاسبة دروسًا مهمة يمكن تعلمها. أولاً، تظهر العملية أن الحلول العسكرية وحدها نادراً ما تكون فعالة في حل النزاعات المعقدة. على الرغم من أن إسرائيل حاولت إضعاف حزب الله من خلال العمل العسكري، إلا أن العملية لم تؤد إلى تحقيق سلام دائم. بل على العكس، أدت إلى تصعيد العنف وزيادة التوتر.
ثانيًا، تبرز العملية أهمية حماية المدنيين في أوقات الصراع. يجب على جميع الأطراف في النزاع الالتزام بقوانين الحرب، التي تهدف إلى حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. يجب أن تكون حماية المدنيين أولوية قصوى في جميع العمليات العسكرية.
ثالثًا، تظهر العملية الحاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع. بدلاً من التركيز على الحلول العسكرية قصيرة الأجل، يجب على الأطراف المعنية العمل على إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية طويلة الأجل. يجب أن تشمل هذه الحلول معالجة المظالم الأساسية، وتحقيق العدالة، وبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.
خاتمة
مثلت عملية محاسبة تصعيدًا خطيرًا في الصراع الإسرائيلي اللبناني في عام 1993. على الرغم من أن إسرائيل أعلنت عن أهداف عسكرية وسياسية وأمنية من خلال هذه العملية، إلا أنها لم تحقق هذه الأهداف بشكل كامل. أدت العملية إلى خسائر كبيرة في الأرواح والإصابات، وإلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية، ونزوح واسع النطاق للسكان. تركت العملية آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على السكان المدنيين في لبنان. تظهر عملية محاسبة أن الحلول العسكرية وحدها نادراً ما تكون فعالة في حل النزاعات المعقدة، وأن حماية المدنيين يجب أن تكون أولوية قصوى في جميع العمليات العسكرية. يجب على الأطراف المعنية العمل على إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية طويلة الأجل، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع.