القصيدة “نام كوك سو” (Nam Quốc Sơn Hà)
تعتبر قصيدة “نام كوك سو” (Nam Quốc Sơn Hà)، والتي تعني “جبال وأنهار مملكة الجنوب”، أقدم إعلان استقلال مسجل لفيتنام. يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وتحديداً إلى عهد الإمبراطور لي ثاي تونغ (Lý Thái Tông). تُنسب القصيدة إلى الجنرال لي ثونغ كيت (Lý Thường Kiệt)، وهو شخصية عسكرية بارزة في التاريخ الفيتنامي.
تعتبر القصيدة بمثابة رد على الغزو الصيني، وتحديداً على سلالة سونغ. كانت القصيدة بمثابة رسالة تحذير للقوات الغازية، مؤكدة على سيادة فيتنام وحقها في الأرض. تُظهر القصيدة إدراكًا مبكرًا للهوية الوطنية الفيتنامية، وتُعدّ من أهم الوثائق في تاريخ فيتنام المبكر. تمثل القصيدة أول تعبير عن الاستقلال والسيادة الفيتنامية.
تتميز القصيدة بأسلوبها الشعري القوي والواضح. وتُعبر عن قوة الأمة الفيتنامية وعزمها على الدفاع عن أرضها. على الرغم من بساطتها اللغوية، إلا أنها تحمل معاني عميقة، وترسخ في الوعي الجمعي للشعب الفيتنامي. يرجع الفضل في الحفاظ على القصيدة إلى الأجيال المتعاقبة، التي تناقلتها شفاهةً ثم كتابةً.
نص القصيدة يعكس الفخر بالوطن، ويؤكد على أن فيتنام ليست جزءًا من الصين، بل هي مملكة مستقلة ذات حدود واضحة. وتُعتبر هذه القصيدة بمثابة الأساس الذي قامت عليه إعلانات الاستقلال اللاحقة. وتُدرس القصيدة في المدارس الفيتنامية حتى يومنا هذا، لترسيخ قيم الوطنية والفخر بالهوية الفيتنامية.
إعلان الاستقلال الأول – تيو بين (Tuyên ngôn độc lập)
في عام 1428، بعد انتصار فيتنام على الغزاة الصينيين من سلالة مينغ، أعلن الإمبراطور لي لوي (Lê Lợi) إعلان الاستقلال الأول، المعروف باسم “تيو بين دوك لاب” (Tuyên ngôn độc lập). كان هذا الإعلان تتويجًا لسنوات من الكفاح والقتال من أجل الاستقلال. وقد مثل هذا الإعلان نقطة تحول في تاريخ فيتنام، حيث أعلن عن نهاية السيطرة الصينية وبداية حقبة جديدة من السيادة الفيتنامية.
يعتبر هذا الإعلان وثيقة بالغة الأهمية، لأنه قدم سردًا تفصيليًا للظلم الذي عانى منه الشعب الفيتنامي تحت الحكم الصيني. ويُظهر هذا الإعلان كيف تم استغلال الفيتناميين، وكيف تم نهب مواردهم. وعلاوة على ذلك، يوضح الإعلان كيف قاد لي لوي المقاومة ضد الصينيين، وكيف تم تحقيق النصر في النهاية. الإعلان يؤكد على أن الشعب الفيتنامي قد حارب من أجل استعادة حريته.
يستخدم الإعلان لغة قوية ومؤثرة، ويستند إلى حجج قانونية وأخلاقية. ويؤكد على حق الشعب الفيتنامي في تقرير مصيره، وفي العيش بحرية وكرامة. كما أنه يدعو إلى الوحدة الوطنية، ويحث الشعب على بناء مستقبل أفضل لفيتنام. كان لهذا الإعلان تأثير عميق على الوعي الوطني الفيتنامي، وألهم الأجيال القادمة من الفيتناميين على النضال من أجل الاستقلال والحرية.
أثبت الإعلان أن فيتنام قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي تهديد خارجي. وبعد هذا الإعلان، بدأت فيتنام في بناء دولتها، وتطوير نظامها الإداري، وتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى. كان هذا الإعلان بمثابة الأساس لدولة فيتنام المستقلة والذاتية.
إعلان الاستقلال الثاني – هو تشي منه (Hồ Chí Minh)
في 2 سبتمبر 1945، أعلن هو تشي منه، الزعيم التاريخي لفيتنام، إعلان الاستقلال الثاني في ميدان با دينه في هانوي. كان هذا الإعلان بمثابة نهاية للسيطرة الفرنسية وبداية جمهورية فيتنام الديمقراطية. جاء هذا الإعلان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث استغل فيتناميون الفرصة لإعلان استقلالهم عن فرنسا.
بدأ هو تشي منه الإعلان بالاستناد إلى إعلان الاستقلال الأمريكي لعام 1776، مؤكدًا على الحقوق الأساسية للإنسان، مثل الحق في الحياة والحرية والسعي وراء السعادة. ثم انتقل إلى سرد الظلم الذي عانى منه الشعب الفيتنامي تحت الحكم الفرنسي، مشيرًا إلى استغلال الموارد الفيتنامية، وقمع الحريات الأساسية للشعب الفيتنامي. كما اتهم هو تشي منه الفرنسيين بانتهاك حقوق الإنسان في فيتنام.
كان هذا الإعلان بمثابة دعوة إلى الوحدة الوطنية، وحث جميع الفيتناميين على العمل معًا من أجل بناء فيتنام حرة ومستقلة. كما أنه أرسل رسالة قوية إلى العالم، مفادها أن فيتنام مصممة على الحصول على استقلالها. بالإضافة إلى ذلك، سعى الإعلان إلى كسب الدعم الدولي، خاصة من الدول التي كانت ضد الاستعمار.
يعتبر هذا الإعلان من أهم الوثائق في تاريخ فيتنام الحديث. لقد مهد الطريق للحرب ضد فرنسا، ثم ضد الولايات المتحدة. وقد ألهم الشعب الفيتنامي على القتال من أجل الاستقلال والوحدة الوطنية. في النهاية، ساهم هذا الإعلان في تحقيق النصر الفيتنامي، وتوحيد البلاد.
تأثير إعلانات الاستقلال
كان لإعلانات الاستقلال الثلاثة تأثير عميق على تاريخ فيتنام وهويتها الوطنية. لقد ساهمت في:
- تشكيل الهوية الوطنية: ساهمت الإعلانات في تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية والفخر بالهوية الفيتنامية.
- توحيد الشعب: حشدت الإعلانات الشعب الفيتنامي حول هدف واحد، وهو الاستقلال والتحرر.
- إلهام الكفاح من أجل الاستقلال: ألهمت الإعلانات الأجيال المتعاقبة من الفيتناميين على القتال من أجل الاستقلال ضد القوى الأجنبية.
- ترسيخ السيادة الفيتنامية: أكدت الإعلانات على سيادة فيتنام وحقها في تقرير مصيرها.
- تأسيس الدولة الفيتنامية الحديثة: ساهمت الإعلانات في تأسيس الدولة الفيتنامية الحديثة، القائمة على مبادئ الاستقلال والحرية.
تمثل هذه الإعلانات محطات فارقة في تاريخ فيتنام، وتُظهر صمود الشعب الفيتنامي وإصراره على تحقيق الاستقلال. لا تزال هذه الإعلانات تُدرس في المدارس الفيتنامية، وتُحتفى بها في المناسبات الوطنية، كتعبير عن الفخر بتاريخ فيتنام.
خاتمة
تعتبر إعلانات الاستقلال في فيتنام بمثابة شهادة على إرادة الشعب الفيتنامي في الحصول على حريته وسيادته. من خلال القصيدة “نام كوك سو” (Nam Quốc Sơn Hà)، وصولاً إلى إعلاني الاستقلال في القرنين الخامس عشر والعشرين، يظهر التاريخ الفيتنامي صراعاً مستمراً من أجل الاستقلال والوحدة. هذه الوثائق ليست مجرد إعلانات رسمية، بل هي رموز للهوية الوطنية، وتعكس تطلعات الشعب الفيتنامي نحو مستقبل أفضل وأكثر ازدهارًا.