نشأتها وبداية حياتها
ولدت سيلفيا فيديريتشي في بارما، إيطاليا. نشأت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وشهدت التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها إيطاليا في ذلك الوقت. تأثرت فيديريتشي باليسار الإيطالي الناشئ، وبدأت في الانخراط في النشاط السياسي في سن مبكرة. هاجرت إلى الولايات المتحدة في الستينيات، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوفالو في عام 1975. خلال دراستها، انخرطت في الحركات الطلابية والنسوية المتنامية في الولايات المتحدة.
أعمالها الفكرية ومساهماتها
تعتبر أعمال فيديريتشي من أهم المساهمات في الفكر النسوي الماركسي. ركزت في كتاباتها على تحليل العلاقة بين الرأسمالية والعمل المنزلي، وعلى كيفية استغلال النساء في النظام الرأسمالي. من أهم مؤلفاتها كتاب “كاليبان والساحرة: النساء والجسد وتراكم رأس المال” (Caliban and the Witch: Women, the Body and Primitive Accumulation)، الذي نُشر عام 2004، ويعتبر من أبرز أعمالها وأكثرها تأثيرًا.
في هذا الكتاب، تستكشف فيديريتشي تاريخ اضطهاد النساء في أوروبا في العصور الوسطى وعصر النهضة، وتوضح كيف ساهمت عمليات اصطياد الساحرات في تعزيز النظام الرأسمالي من خلال قمع النساء والسيطرة على أجسادهن وقدراتهن الإنجابية. كما تبحث في دور الاستعمار في استغلال النساء في المستعمرات، وكيف أثر ذلك على تشكيل النظام الرأسمالي العالمي.
بالإضافة إلى “كاليبان والساحرة”، نشرت فيديريتشي العديد من الكتب والمقالات الأخرى التي تناقش قضايا مثل العمل المنزلي، والأجور مقابل العمل المنزلي، والنزعة الجنسانية، والعنف ضد المرأة، والعولمة. وهي أيضًا ناشطة في حركة “العمل من أجل الأجور”، وهي حركة نسوية ماركسية تدعو إلى دفع أجور للنساء مقابل عملهن المنزلي.
العمل المنزلي والرأسمالية
تعتبر فيديريتشي من أبرز المنظّرين في مجال تحليل العلاقة بين العمل المنزلي والرأسمالية. ترى أن العمل المنزلي، مثل رعاية الأطفال وتنظيف المنزل وإعداد الطعام، هو عمل ضروري لإعادة إنتاج قوة العمل، أي الحفاظ على العمال وتجهيزهم للعمل. ومع ذلك، فإن هذا العمل غالبًا ما يكون غير مدفوع الأجر وغير مرئي، مما يؤدي إلى استغلال النساء اللواتي يتحملن الجزء الأكبر منه.
تشير فيديريتشي إلى أن الرأسمالية تعتمد على هذا الاستغلال من خلال إخفاء قيمة العمل المنزلي. من خلال عدم دفع أجور مقابل هذا العمل، يمكن للرأسماليين تحقيق أرباح أكبر. كما أن إبقاء النساء في المنزل يحد من مشاركتهن في سوق العمل، مما يقلل من الضغط على الأجور. وبالتالي، فإن العمل المنزلي يلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على النظام الرأسمالي.
الجسد والسيطرة عليه
تهتم فيديريتشي أيضًا بمسألة السيطرة على الجسد. ترى أن السيطرة على جسد المرأة هي جزء أساسي من عملية تراكم رأس المال. في كتابها “كاليبان والساحرة”، تظهر كيف تم استخدام عمليات اصطياد الساحرات في أوروبا للسيطرة على أجساد النساء، وخاصة النساء اللواتي يرفضن الزواج أو اللواتي يمارسن مهنًا مستقلة. تم اتهام هؤلاء النساء بالسحر، وتعرضن للتعذيب والإعدام، مما أدى إلى ترهيب النساء الأخريات وإجبارهن على الخضوع لسيطرة الرجال.
ترى فيديريتشي أن السيطرة على الجسد تتخذ أشكالًا مختلفة في العصر الحديث، مثل السيطرة على الصحة الإنجابية للنساء من خلال القوانين والسياسات التي تحد من قدرتهن على الإنجاب أو الإجهاض. كما تتجلى هذه السيطرة في انتشار العنف ضد المرأة، والتمييز ضد النساء في سوق العمل.
الاستعمار والعولمة
بالإضافة إلى تحليلها للعلاقة بين الرأسمالية والعمل المنزلي والجسد، تدرس فيديريتشي أيضًا تأثير الاستعمار والعولمة على النساء. ترى أن الاستعمار أدى إلى استغلال النساء في المستعمرات، من خلال العمل القسري والتمييز على أساس الجنس والعرق. كما أدت العولمة إلى تفاقم هذه المشاكل من خلال زيادة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وانتشار العنف ضد المرأة.
تنتقد فيديريتشي سياسات التنمية التي غالبًا ما تستغل النساء في البلدان النامية، من خلال إجبارهن على العمل في المصانع أو توفير الرعاية الصحية والتعليم لأطفالهن دون الحصول على أجر عادل. تدعو إلى بناء حركات نسوية عالمية قادرة على مواجهة هذه التحديات والعمل من أجل عالم أكثر عدالة وإنصافًا.
الحركات الاجتماعية والنشاط السياسي
لم تقتصر مساهمات فيديريتشي على المجال الأكاديمي. لقد شاركت بنشاط في الحركات الاجتماعية والسياسية على مدار حياتها. كانت عضوًا مؤسسًا في “حركة العمل من أجل الأجور”، وشاركت في العديد من الاحتجاجات والمظاهرات ضد الحرب والظلم الاجتماعي. كما أنها تدعم حركات التحرر في جميع أنحاء العالم.
تؤمن فيديريتشي بأهمية النضال من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي. وهي ترى أن العمل الأكاديمي يجب أن يكون مرتبطًا بالنشاط السياسي، وأن على المثقفين أن يساهموا في بناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا.
نقدها للرأسمالية
تعتبر فيديريتشي من أشد منتقدي الرأسمالية. فهي ترى أن الرأسمالية نظام استغلالي يعتمد على استغلال العمال، وخاصة النساء. تدعو إلى تجاوز الرأسمالية وبناء مجتمع جديد يقوم على مبادئ العدالة والمساواة. تؤمن فيديريتشي بأهمية بناء مجتمعات بديلة تقوم على التعاون والاعتماد المتبادل.
تنتقد فيديريتشي أيضًا الليبرالية، وترى أنها غير قادرة على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها العالم. تدعو إلى بناء حركات سياسية واجتماعية قادرة على تحدي النظام الرأسمالي والليبرالي.
التأثير والإرث
تركت سيلفيا فيديريتشي إرثًا كبيرًا في الفكر النسوي والسياسي. ألهمت أعمالها أجيالًا من الباحثات والناشطات. ساهمت في تغيير طريقة تفكيرنا حول العمل، والجسد، والرأسمالية، والاستعمار. لا تزال أعمالها ذات صلة كبيرة بالقضايا التي نواجهها اليوم، مثل العنف ضد المرأة، وعدم المساواة الاقتصادية، والتغير المناخي.
تستمر فيديريتشي في الكتابة والتدريس والنشاط السياسي. وهي صوت مهم في الحركات الاجتماعية والسياسية، وتعمل من أجل بناء عالم أفضل وأكثر عدالة.
خاتمة
سيلفيا فيديريتشي شخصية بارزة في الفكر النسوي والماركسي، قدمت مساهمات كبيرة في فهم العلاقة بين الرأسمالية والعمل المنزلي والجسد والاستعمار. تعتبر أعمالها ذات أهمية كبيرة في تحليل قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين. من خلال كتاباتها ونشاطها السياسي، ألهمت فيديريتشي أجيالًا من الباحثات والناشطات للعمل من أجل عالم أكثر عدالة وإنصافًا.
المراجع
- Verso Books: Silvia Federici
- Wikipedia: Silvia Federici
- Goodreads: Silvia Federici
- Amazon: Caliban and the Witch
“`